تحتفل طائفتا الروم الملكيين الكاثوليك والروم الأرثوذكس في الثامن من أيلول من كل عام، بعيد ميلاد السيدة العذراء، في مقام "السراقة" الذي يعتبر من أقدم المزارات التاريخية في المنطقة، والتسمية تحريفاً لاسم معبد "سيراقوزة" الذي بناه "الصليبيون" تكريماً للسيدة العذراء.

معبد "سيراقوزة"

يقول مختار قطاع التل في صافيتا "جورج سمعان"، في حواره لمدونة وطن "esyria": "يقع مقام سيدة السراقة في حي البازار في مدينة صافيتا، واسم "سراقة" سرياني الأصل، وتعني النور أو الشروق، وقد بني المزار في الجزء الشرقي الجنوبي للمدينة، فيه كُرمت سيدة أم المعونة شفيعة المسافرين والسائقين، واسم "سراقة" هو تحريف للتسمية الأصلية "سيراقوزة" التي بناها "الصليبيون"، ليكون المعبد تكريماً للعذراء مريم، والذي أصبح اسمه فيما بعد مزار السراقة، وهناك ترجمة أخرى تقول إنه وبهذا المكان بني المعبد تكريماً للسيدة، توضع الأشياء المسروقة فيه، ورواية أخرى تشير إلى وجود مقبرة رهبان دير مار سركيس في موقع الكنيسة، المتوضعة أسفل قرية صهيون المجاورة لصافيتا، حيث دفن فيها جثمان أحد الرهبان وشيدت لأجله الكنيسة، وبعد سرقة الجثمان دعيت "كنيسة السراقة".

ويشير "سمعان" إلى الإهمال الذي طال قد الكنيسة التاريخية، إلا أنه وبعد رؤية إحدى النسوة في صافيتا وهي المرحومة "ليديا بيطار" في حلمها لوجه سيدة يشبه وجه السيدة العذراء، كان فحواه: (أنا سيدة السراقة، وأنا على وشك أن أترك هذه البلدة لأنها أهملتني، وأصبح مقامي عرضة للتدنيس، فإذا أردتي الشفاء، عديني بترميم هذا المزار والمحافظة عليه). وبالفعل قامت السيدة المريضة بتنفيذ ماطُلب منها في الحلم، واسترجعت عافيتها.

الارشمندريت مروان الحلو

ويؤكد المختار على وجود العديد من المواقع التاريخية في صافيتا بحاجة إلى المتابعة لأنها بالفعل هوية المنطقة، وحتى اليوم ترفع الصلوات في الثامن من أيلول من كل عام بمناسبة عيد ميلاد مريم العذراء في المقام التاريخي.

سياحة دينية

السيدة "برناديت حنا" المربية المتقاعدة، والتي زارت "كنيسة السراقة" وأشادت بهذا المعلم التاريخي المهم اجتماعياً أكثر مما هو دينياً، ترى أن هناك العديد من المعالم الأثرية في صافيتا والمناطق المجاورة بحاجة إلى لفت الانتباه والاهتمام، ورغم ما نعانيه حالياً من ظروف قاسية، إلا أن البناء الأثري المتهالك لا ينتظر التأجيل، وهنا لا يستطيع المجتمع الأهلي ومبادراته القيام بهذه المهمة، فالمهندس العادي أو "معلم البناء" لا يستطيع القيام بهذا الدور، لأنها تحتاج إلى مهندسين اختصاصيين في ترميم القطع الأثرية.

جورج سمعان

من المؤسف، تقول "حنا" كيف تتلف العديد من الأيقونات النادرة في عدة كنائس تاريخية ، بسبب التنظيف الخاطئ وعدم اتباع الطرق الخاصة في هذا الشأن، وترى أن لهذه المقامات دوراً مهماً في إنعاش السياحة الدينية للمنطقة، وبالتالي نهضة اقتصادية للمجتمع الصفتلي بشكل عام .

جدران قديمة

الأب الأرشمندريت "مروان الحلو" الذي استلم خدمة رعية صافيتا من عام 1985 حتى عام 2007 ، وخلالها كان يؤدي الصلاة المقدسة في كنيسة "السراقة"، يشير إلى أن الكنيسة تعود للفترة "السلوقية" حيث بناها السلوقيون، وقد تم تبويبها تاريخياً على أنها أقدم من برج صافيتا الأثري، وأطلق عليها اسم "السلاقة" نسبة إلى السلوقيين ثم اسم "السراقة"، ويضيف: المزار هو عبارة عن مساحة متوسطة لا يتوسطه هيكل مقدس كمعظم الكنائس.

وكان الأرشمندريت يصلي فيها في 15 آب من كل سنة بمناسبة عيد رقاد السيدة العذراء، وجل ما ميز مزار السراقة عن غيرها من الكنائس الأخرى، حسبما يقول، هو تاريخ بنائها القديم ، فالمقامات أو الكنائس القديمة التي حافظت على شكلها، يتشارك حائطها الذي تراكم عليه دخان الشمع والبخور مع رهبة الأمس وقدسيته.

ويحبذ الأب "الحلو" ترميمها بطريقة احترافية لا تؤثر على الهيكل القديم، ويقال أيضاً إن هناك كنيسة أخرى تحت الكنيسة الحالية، ما يؤكد ان المسيحيين هم من أوائل من سكنوا المنطقة .

حكايات متوارثة

في نفس السياق يرى الباحث التاريخي "رفيق القحط" المهتم بالمعالم التاريخية في المنطقة، بالإضافة إلى اهتمامه بالحرف اليدوية القديمة، أن الولوج في التاريخ مهم من حيث التعرف على جغرافية وتاريخ المنطقة، ونقلها بالطريقة المثلى إلى الأجيال، وهنا يشير إلى وجود العديد من الكنائس أو المقامات التاريخية في المنطقة كمقام السراقة وكنيسة البرج التاريخية وغيرها من المعالم التي أعطت لمدينة صافيتا التميز على جميع الأصعدة.

ويشير "القحط" إلى أن أموال الوقف والمغتربين قد تساهم نوعاً ما في إصلاح ما يستوجب إصلاحه، والمجتمع الأهلي يدرك أهمية دور المختصين في ذلك ويقدم الدعم المتاح لهم، وحول سؤاله عن الروايات المتداولة عن مقام "السراقة"، يقول إنها عبارة عن حكايات تناقلها كبار السن من جيل لجيل.