من أوائل شعراء "دير الزور" الذين كتبوا الشعر باللغة العربية الفصيحة بعد سيادة العامية على هذا النوع من الفن، يذكره من يهتم بالأدب ببلاغته وحسه المرهف، ويذكره من يهتم بالتاريخ النضالي لأبناء المنطقة بمواقفه الوطنية والتي دفع الكثير من سنين حياته تشرداً ونفياً مقابلها، إنه شاعر "دير الزور" "توفيق قنبر".

للتعرف أكثر على هذا الشاعر التقى eSyria بداية بالباحث "مازن شاهين" الذي أفادنا بالقول:

توفي الشاعر الكبير"توفيق قنبر" في السادس من أيلول عام 1972 م وهو يقرأ أحد كتب التاريخ، ولم يرد خبر وفاته إلا في زاوية صغيرة في جريدة يومية، ولم يحظ بالتكريم الذي يستحقه كأحد أهم شعرائنا

«ولد الشاعر الفراتي "توفيق قنبر" في أواخر الفترة العثمانية عام 1909 وكان من مؤسسي ما سمي بنادي الجراح الرياضي عام 1930م، الذي كان وسيلة للتعبير عن المواقف الوطنية، وكانت أحداث 1932 قمة عطاءات النادي التي تجسدت كوجدان وسلوك في حياة الكثيرين، كما أنها كانت نقطة مصيرية في حياة ومستقبل الشاعر "توفيق قنبر" فقد حكم عليه الفرنسيون بالإعدام بعد تلك المباراة الرياضية بين "الديريين" والفرنيسيين والتي انتهت بمعارك بينهما، أججتها الخطبة التي ألقاها الشاعر"توفيق قنبر" بالجماهير الوطنية فانفجرت شبه ثورة تلتها اضرابات ومظاهرات، وتمكن الشاعر من مغادرة الوطن بمساعدة الأهالي وعشائر الفرات الثائرة عند الحدود العراقية السورية والذين أوصلوه إلى القطر العراقي الذي كان محتلاً من قبل الإنكليز.

الباحث مازن شاهين

وفي عام 1933 م خفف الحكم من الإعدام إلى الحبس مدة خمس سنوات مع دفع غرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف فرنك فرنسي ثم صدر عفو شامل عام 1937 م، وفي العراق توجه الشاعر إلى الصحافة اليومية فعمل في صحيفة "الفجر البغدادية" بزاوية يومية يندد فيها بالاستعمار مما أثار نقمة الإنكليز عليه فأعيد قسراً إلى سورية عام 1941 م».

وحول عودته إلى "دير الزور" التي لم تدم طويلاً فقد تحدث عنها الشاعر والناقد الأدبي "سراج الجراد" بالقول: «بعد عودة الشاعر إلى" دير الزور" اضطر إلى الرحيل إلى "الرقة" مجدداً ليعمل مدرساً لمادة اللغة العربية في إعدادية "المأمون" ثم عاد إلى "دير الزور" عام 1957 م ليعمل مدرساً في ثانوية "الفرات"، ثم أميناً للمكتبة الوطنية بعد رحيل الشاعر "محمد الفراتي" إلى "دمشق" ثم أميناً لمكتبة المركز الثقافي حتى وفاته في 1972م».

د. شاهر امرير

وحول أهم المواضيع التي تناولها في شعره حدثنا الشاعر والباحث "علي الجاسم" بالقول: «يمكن لمن يتتبع سيرة حياة الشاعر "توفيق قنبر" أن يستشف منها المواضيع التي يمكن أن يتناولها في شعره والتي كانت تدور بصورة أساسية حول الاعتزاز بالعروبة والفخر بها وبقيم الكفاح العربي بقوله في إحدى قصائده:

إذا كان الخلود لقاح عزمٍ / فقد ربح الخلود بنو الكفاح

الشاعر توفيق قنبر في المركز الثقافي العربي بدير الزور

من اعتادوا على لقيا المنايا / وعاشوا قابضين على السلاح

ترى آفاق يعرب صافيات / ولا يوم بلا يوم الصباح

وكذلك تناول في شعره مقاومة الاحتلال الفرنسي في سورية، بل وكل أشكال الاحتلال والدعوة لمواجهته وعدم الاكتفاء بالكلام والسباب فيقول في بعض شعره عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين وبناء الحصون واكتفاء العرب بالردود الكلامية:

عشرون عاماً بالسباب قد انقضت / وعدونا يبني القلاع ويصنع

ذهب السباب بكل طاقات النهى / حتى جهلنا ما يضر وينفع

كما كان للفرات وواديه نصيب كبير من شعره فكان يصف النهر بمياهه وشواطئه متأثراً بحاله في كل فصلٍ من فصول السنة:

أرى شط الفرات بلا سفينٍ / تداعب في التثني الشاطئين

أمر على الفرات مرور حيرى / تفتش عن فقيد المهجتين

ضفاف ما عليها اليوم باكٍ / ولا شجر يحيي الضفتين

كما كان له شعر كثير في مصاعب الحياة وهمومها وهو الشاعر الذي قضى سنواتٍ طوال في الاغتراب ومحاولة البحث عن شروط أفضل للحياة ومنه:

أشقيت عبدك يا ربي بلقمته / مذ ابتدعت نظام الشمس والقمر

جعلته كادحاً يسعى للقمته / بذا حكمت عليه حكم منتصر

ومن الجدير بالذكر أن للشاعر مؤلفات كثيرة حصرها الباحث "أحمد شوحان" في مقالة له في مجلة "منارة الفرات" العدد36 بالقول: « ترك الأستاذ "قنبر" عدداً من المؤلفات المخطوطة هي:

  • ديوان شعر مطبوع بإشراف أولاده بعنوان تأملات.

  • ديوان الصنوبري جمعه من المطولات وقد ترجم للصنوبري في المقدمة.

  • تاريخ الرقتين "ديار ربيعة وديار مضر" يقع في مجلدين.

  • تاريخ "دير الزور" القديم "طاباساك" وهي بلدة قديمة قرب "عين طابوس" التي تقع غرب "دير الزور".

  • ترجمة لحياة الطبيب "حنين بن اسحاق".

  • - أعلام الرقة

  • الوصف في الشعر العربي يقع في أربع مجلدات.
  • وله بعض المسرحيات التي كتبها إبان الحكم الفرنسي منها"الغريب الراعي" و "الحي والميت" ذكرها الأستاذ "صالح الشاهر"في مجلة "العمران" عدد "دير لزور" بعنوان الحركة المسرحية في "دير الزور"».

    وحول وفاته تحدث الدكتور "شاهر امرير" أستاذ في قسم اللغة العربية جامعة "الفرات" بالقول: «توفي الشاعر الكبير"توفيق قنبر" في السادس من أيلول عام 1972 م وهو يقرأ أحد كتب التاريخ، ولم يرد خبر وفاته إلا في زاوية صغيرة في جريدة يومية، ولم يحظ بالتكريم الذي يستحقه كأحد أهم شعرائنا».