تعتبر بادية "البشري" في "دير الزور" من المناطق ذات الغنى والتنوع والحيوية في نباتاتها وحيواناتها ومشاهدها الطبيعية وفي إمكاناتها المختزنة المرئية منها والمخفية.

يقع جبل البِشْرِي وسط صحراء بادية الشام، على بعد 55 كيلومتراً غرب مدينة "دير الزور"، تحدُّه من الجنوب صحراء بادية الشام الواسعة، ومن الشمال "بادية الرصافة"، حيث إنّ الجبل إلى جانب سلسلة الجبال التدمرية يُعَدّ الفاصل الجغرافيّ بين هاتين الباديتين.

يشير بعض الباحثين أن كلمة "أحلامو" هي بالأصل أغلام وتعني الشباب ويرجح أن تكون كلمة أحلامو قد قصد بها الإشارة إلى طلائع الآراميين ولم يقصد بها قبيلة

"بادية البشري" أغنى منطقة في "سورية" بالثروات الباطنية، والتلال الأثرية والمياه الجوفية، والرمال الذهبية، كما اكتشف في جبل البشري احتياطيٌّ هائلٌ من مادة الإسفلت الطبيعي، يُقدَّر بنحو 50 إلى 60 مليون طن.

مدونة وطن eSyria التقى بتاريخ 20/12/2012 المهندس الزراعي "حسن الهيثم" والذي تحدث عن "بادية البشري" بالقول: «بادية "البشري" غنية بتنوعها الحيوي من النبات والحيوان والطيور، تتميز بتوافر المياه الجوفية، وانتشار العديد من الأوابد الأثرية والمعالم التاريخية، ترتفع /854/ متراً عن سطح البحر وتتميز بطقسها المعتدل رمالها مفككة وملونة، كما تتميز بتربتها الرملية الناعمة الصالحة لإقامة رياضة التزلج على الرمال، إضافة إلى وجود الفيضات والسبخات في أراضي البادية وهي مناطق منخفضة يتجمع فيها الماء وتستقطب العديد من أنواع الطيور».

عرفت "بادية البشري" قديماً ببادية "السماوة" ويقول ياقوت الحموي: «إنما سميت "السماوة" لأنها أرض مستوية لا حجر فيها».

وعن مزايا "بادية البشري" ونباتاتها وطيورها أشار المهندس الزراعي "محمد الحاجي خضر" الذي قال: «تمتع البادية بالعديد من المزايا الرائعة التي تؤهلها لتكون معلماً سياحياً، فهي تتزين بألوان متعددة تختلف مع سطوع الشمس وحتى اختفائها، كما تحتوي على أعشاب يندر وجودها تفوق بفائدتها تلك المنتشرة في الأماكن الرطبة، فهي تمتلك قيمة طبية عالية مثل نباتات "القيصوم والعازر" و"الشيح الأبيض والحنوة" وغيرها من النباتات».

وأضاف "خضر" بالقول": «تم توثيق نحو 250 نوعاً من الطيور و122 نوعاً من النبات و17 نوعاً من الثدييات و10 أنواع من الزواحف، إضافة إلى باديتي الفيضات والسبخات وهي مناطق منخفضة يتجمع فيها الماء، حيث تستقطب هذه السبخات طيوراً مهاجرة مثل البشروت الوردي وطائر النكات».

صورة فضائية لبادية البشري

عند زيارة "بادية البشري" يلفتك تدرج الألوان التي تتزين بها وعنها قال الباحث "عامر النجم": «لكل فترة من النهار لون معين ففي الصباح تنعكس أشعة الشمس بخيوطها على الأرض ليبدو لونها كالأخضر، وفي منتصف النهار يميل لونها للأصفر، أما عند المساء فمن يشاهد منظر غروب الشمس لا يمكنه نسيانه».

وتعتبر بادية الفرات من أغنى المواقع والتلال الأثرية وعنها أشار الباحث الآثاري "ياسر شوحان" قائلاً: «تضم بادية "وادي الفرات" العشرات من المواقع الأثرية والتاريخية مثل "الدخينة" و"بئر العاقولة" و"قصيبة" و"بئر الهبا" و"الحميمة" و"بئر الدخول" و"الجب"، حيث كانت عاشت بعض القبائل الآرامية في "جبل البشري" التي سيطرت على طرق التجارة في البادية السورية والنقاط المنتشرة على مسار طريق الحرير بين بلاد الشام وبلاد الرافدين».

وأضاف "شوحان" بالقول: «يتحدَّر من منطقة جبل البشري شعب "الأموريين"، وهم بدو سيطروا لفترة من الزّمن على وسط وجنوب بلاد ما بين النهرين، وقد كان الجبل موطنهم الأصليّ وكان يرتبط ذكره بهم، كما كان أحد آلهتم وهو "بيسير" منسوباً في اسمه إلى جبل البشري».

ويضيف الباحث الدكتور "علي الشعيبي" في كتابه "دير الزور ماض عريق وحاضر مشرق" عن بادية البشري بالقول: «يتحدث الملك الآشوري تجلات فليصر الأول أنه خرب في يوم واحد بلاد (أحلامو آرم) أي بلاد الآراميين ودمر ستاً من مدنهم على سفوح "جبل البشري" التي يظن أنها هي "جبال الأحلامو"».

وأضاف "الشعيبي" بالقول: «يشير بعض الباحثين أن كلمة "أحلامو" هي بالأصل أغلام وتعني الشباب ويرجح أن تكون كلمة أحلامو قد قصد بها الإشارة إلى طلائع الآراميين ولم يقصد بها قبيلة».

ومن الأخبار الطريفة أثناء الفتح أن "حرقوص بن النعمان بن ربيعة" أحد شعراء العرب وشخصياتهم كان نازلاً مع قومه في البشري، عندما جاء "خالد بن الوليد" من العراق نجدة لـ"أبي عبيدة بن الجراح" بالشام واجتاز "البشري" فقال "حرقوص" أبياتاً يحذر بها قومه من طرق "خالد" لهم فقال:

أظن خيول المسلمين وخالداً/ ستطرقكم عند الصباح على البشر

فهل لكم بالسير قبل قتالهم/ وقبل خروج المعصرات من الخدر؟

وذكر "عبيد الله بن قيس الرقيات" منطقة "البشري" وهو في طريقه إلى الرقة:

أضحت رقية دونها البشر/ فالرقة السوداء فالغمر

بل ليت شعري كيف مر بها/ وبأهلها الأيام والدهر.