على الرغم من تلك التعرجات التي ترسم ملامحه لا يمكن إلا أن توقفك تلك الابتسامة الرقيقة التي يطلقها بين الحين والحين، وتلك النظرة الوقورة التي ترافقه كيفما اتجه.

موقع eSyria وبتاريخ 2/2/2010 التقى الشاعر والمفكر "يوسف طافش" الذي كتب الشعر بأنواعه المختلفة وهو بنفس الوقت مغن وعازف وممثل ومخرج و.. روائي.

للشعر شهامة تدل على نخوة تستفز قارئه وتستنهض كاتبه في عالم الشعر وهذه الشهامة الموجودة بكثرة في شعر "يوسف طافش" تجعل مكتوبه خلقا نبيلا وترفعه مكانا عاليا لا يرقى إليه أي مكتوب آخر إلا إذا ماثله أو ساواه أو وازاه، ولكي نقول أكثر، فقد تميز شعر "طافش" ليس بوزنه وإيقاعه ولكن بشهامته التي هي سر أسراره، في ارتقاء سلم القيم ومراتب النبل

في البداية حدثنا عن علاقته مع الكتابة والتأليف فقال: أذكر أنه كان لي محاولات عندما كنت في المرحلة الإعدادية لكني كنت أخجل أن أعرض كتاباتي على أحد وأحتفظ بها لنفسي، أما المرحلة المهمة والتي أبرزت انطلاقتي وحفزتني على النشر ومراسلة الصحف فجاءت عن طريق الصدفة عندما كنت في الصف الأول الثانوي في "المعهد العربي الإسلامي" إذ كنت أشارك في المسرحيات المدرسية والحفلات الغنائية لأنني لم أكن مهتما بالشعر فقط بل بأنواع عديدة من الفنون كالغناء والتمثيل ووقتها قمت بأداء أغنية أمام الملحن العربي الكبير السيد "نديم درويش" والذي أبدى إعجابه بها فذكرت له أنني أعمل على كتابة القصائد التي من الممكن تلحينها فأخذني وعرفني إلى السيد "توفيق حسن" مدير إذاعة "حلب" آنذاك، وفعلا دخلت الإذاعة عبر كتابتي للشعر الفصيح والزجل وكان ذلك في العام 1961 وبقيت أكتب لإذاعة حلب طوال فترة دراستي الثانوية أي حتى عام 1963 حيث قدمت لتلك الإذاعة أكثر من/54/ أغنية.

الديوان الأخير للشاعر يوسف طافش

أما المرحلة الأكثر جدية في مشواره الأدبي فكانت مع ديوان "رقصات الورد والجنون" في عام 1983 فقال: «لا أستطيع أن أعتبر مرحلة الطفولة أو الشباب هي المرحلة الفعلية في حياتي كشاعر لأن هذه المرحلة في مجملها عبارة عن مرحلة اختزان وجمع المعارف التي تؤسس لما هو آت، وهي جسر يعبره الإنسان إلى عالمه الاحترافي، فالحياة القاسية التي عشتها عندما كنت طفلا كانت تحرك مشاعري وتختزن في صدري الكثير والذي تفجر في ما بعد.

المرحلة الفعلية لي كشاعر بدأت في "الجزائر" 1963 حيث عملت في التدريس بعد حصولي على الشهادة الثانوية وأذكر أنني كنت أجمع مصروفي بغية شراء الكتب، وإضافة إلى ذلك قمت بكتابة الشعر بكثافة، كما قمت بمراسلة عدد من الصحف التي نشرت لي الكثير وأذكر منها صحيفة "الشعب" وصحيفة "المجاهد" وكنت قد شاركت في مسابقة شعرية أجرتها جريدة "الشعب" ونلت الجائزة الأولى.

الشاعر يوسف طافش في مكتب مجلة نسرينا.JPG

إثر عودتي إلى سورية شجعني الأصدقاء أن أعمل على نشر قصائدي وأصدرت أول دواويني لأتابع المسيرة في نشر أعمالي ضمن الصحف.

وبعد الاطلاع على بعض أشعاره قرأنا فيه شاعراً ثائرا غاضبا يهب نارا في وجه المغتصبين في قصيدة، وسموحا كريما عطوفا في قصائد أخرى. ومن ديوانه الأخير "مرايا تشبهني" كتب:

"لا فرقَ بين دمائنا‏/ تنداحُ في سيناءَ‏/ في الجولانِ/ أو تروي الجنوبْ/ عربيةٌ هذي الدماءُ‏/ فقُدْسُنا/ قد أعلَنَتْ زمنَ الشهادةِ‏/ أشعلَتْ جمرَ الكرامةِ‏/ في الحَنَاجِر والقلوبْ".‏

ولدى سؤالنا عن أسباب تنوع هذه المسارات في شاعر واحد مثله أجابنا قائلا: «الشعر هو مرآة الذات وهو أفضل وسيلة للتفريغ عما يختلج في نفس الشاعر مهما حملت أحاسيسه من غضب أو ثوران أو ركود، من هنا أستطيع القول إنني أحاول أن اعكس ذاتي بكل ما حملت من مشاعر غضب وألم وثورة ومشاعر دافئة عاشقة في شعري أو كتاباتي بصورة عامة، وهذه الثورة العارمة في الشعر ضد من اغتصبوا أرضنا وهدروا دماءنا هي حق مشروع لنا كعرب أولا وكفلسطينيين ثانيا».

سألنا الشاعر عن الدور الذي تلعبه الثقافة في سبيل تحقيق أهداف الأمم فقال: «أعتبر الثقافة والبعد الفكري جوهر الإنسان في حقيقته، فعندما تنهار ثقافة أمة تنهار معها تلك الأمة فيصبح الانسان مسيّراً ما يشكل الخطر الأكبر في حياتنا وهو الاغتصاب الفكري، والمشهد الثقافي العربي هو مشهد مركب لا يمكن عزله عن الحياة الاجتماعية والظروف السياسية التي تعيشها الأمة العربية جمعاء، ولا يمكن تحمل مسؤولية تقدم أو تراجع الثقافة العربية لشخص دون غيره لأنها مسؤولية الجميع، والظروف كافة تتكاتف لإنشاء علاقة ثقافية ونضج فكري جيد وخصوصا أننا في عصر العولمة ما جعل العالم قرية صغيرة من الممكن الاستفادة منها في تطوير العملية الثقافية، إلا أنها وللأسف تستغل من قبل الشباب بشكل قد يكون مهينا لهذه الظواهر البناءة، وذلك طبعاً لا يلغي بعض الأنشطة الشابة الفعالة في بناء أجواء ثقافية راقية، فقد شهدت عددا من الجلسات الحوارية والأماسي الثقافية التي تدار بين الشباب وأبديت إعجابي المطلق بهذه الطاقة التي تبذل من قبل يافعين في سبيل التطور الفكري».

وعند انتقالنا في الحديث إلى واحدة من أهم النقاط في حياته وهي كتاباته لعدد من السيناريوهات التلفزيونية مشتركا في ذلك مع الطبيب "زهير أمير براق" والطبيب "فاهيه سيسريان" تحدث عن هذه التجربة بسعادة فقال: «جاءت فكرة كتابة السيناريوهات المشتركة من الصديق العزيز الطبيب "زهير أمير براق" الذي اقترح مشروع إقامة ورشة عمل دائمة في مجال كتابة النصوص التلفزيونية وهي طريقة حديثة تعتمد في الكثير من الدول لإنشاء نصوص بالاستفادة من كادر هذه الورشة، وفعلا بدأ مشاركة العمل مع الطبيب "زهير براق" والطبيب "فاهيه سيسريان" وقمنا بإنتاج عدد من النصوص التي كتب لها النجاح ومازلنا نتابع تلك الورشة في إعداد النصوص».

سألنا الشاعر عن الاختلاف برأيه بين أنواع الكتابة الأدبية فقال: «إن كل نوع من أنواع الأدب له ميزته ويحمل متعة لمؤلفه تختلف عن سواها على الرغم من أن كافة أنواع الكتابة الأدبية تلتقي في نقاط معينة إلا أنني لو خيرت لاخترت الشعر لأنني أعشق ذلك التكثيف الذي يعمل عليه والإيغال في الإيحاءات الدلالية عبر الحالة الإبداعية في إنشاء الصور البديعة البيانية، والسيناريوهات بحد ذاتها ليست كما يعتقد البعض أنها تعتمد السرد والبساطة لأنها كتلة معقدة تحمل بين طياتها الكثير من المستويات الحوارية، ففي الشعر هناك مستوى حواري واحد، أما في كتابة النثر والسيناريوهات فنرى مستويات عدة تتطلب من مؤلفها خبرة ومعرفة بالشخصيات التي قام على خلقها وهذه العملية تعمل على سرقة الكاتب من كل شيء ما أكسبني خبرة كبيرة في تحليل الشخصيات ومعرفة بواطن الأمور».

وفي ختام الحديث كان لنا وقفة عند مشروعه المتجسد في مجلة "نسرينا" التي تعد وليدة فهي بصدد إصدار عددها رقم صفر فتحدث عنها قائلاً: «هذه المجلة جزء من شركة "نسرينا" الثقافية الفنية التي تعنى بالإنتاج البرامجي، ونحن نسعى في هذه المجلة إلى جعلها اجتماعية أكثر من كونها فنية فحسب، كما نحاول زجها في السلك الثقافي إذ نتوجه بشكل أساسي إلى الأسرة وجيل الشباب، وأنا أقول إننا لن نقدم شيئا جديدا في المطلق كي لا أكون مبالغا في ذلك، لكننا نحاول أن نسهم من خلال هذه المجلة بالدخول إلى عمق المشاكل الاجتماعية والشبابية في المجتمعات العربية وطرح معالجات تخص تلك المشاكل كما نعمل على التعاطي مع القارئ بشكل محترم جاد يكسب القارئ ثقة بهذه المجلة.

وختم حديثه بالقول: «عمليا حصلنا على التراخيص المناسبة لتلك المجلة في "لبنان" ونحن في صدد إصدار العدد صفر حيث سنجمع فيه آراء الشارع الثقافي الشبابي العربي لنعتمد مسيرة عمل واضحة وصريحة في إنجاز العدد الأول لاحقاً».

يذكر أن الشاعر "يوسف طافش" من مواليد 1938 "صفد" في "فلسطين" ويعيش في "حلب" منذ العام 1948، وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب وعضو في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ورئيس المكتب الثقافي في نادي شباب العروبة للآداب والفنون، ومن أعماله المنشورة في مجال الشعر /رقصات الورد والجنون عام 1983– تراتيل الرماد عام 1985– كنعانيات عام 1987– رعاف الليل عام 1990– الفضاء الأخضر مسرحية شعرية غنائية للأطفال– مرايا تشبهني 2007/.

كما له مشاركات عديدة في مجال المقالة الأدبية والزاوية الصحفية والتمثيليات الإذاعية ومن المسلسلات التي شارك في كتابتها /حي المزار– الرجل س– ربيع بلا زهور– وتكلم الصمت– قلوب على الأسلاك– الدوامة– نساء حائرات– جبل الماس، وهي مسرحية غنائية/.

وحصل على جائزة الأورنينا لأفضل نص غنائي في مهرجان الأغنية السورية في دورته العاشرة عام 2004، كما حصل على جائزة أفضل نص غنائي في مهرجان الأغنية العربية في "تونس" عام 2008.

قدم الدكتور "منذر عياشي" في ديوان "مرايا تشبهني" للشاعر "طافش" فكتب: «للشعر شهامة تدل على نخوة تستفز قارئه وتستنهض كاتبه في عالم الشعر وهذه الشهامة الموجودة بكثرة في شعر "يوسف طافش" تجعل مكتوبه خلقا نبيلا وترفعه مكانا عاليا لا يرقى إليه أي مكتوب آخر إلا إذا ماثله أو ساواه أو وازاه، ولكي نقول أكثر، فقد تميز شعر "طافش" ليس بوزنه وإيقاعه ولكن بشهامته التي هي سر أسراره، في ارتقاء سلم القيم ومراتب النبل».