عُرفت مدينة "حلب" بضمها لعديد من أضرحة كبار المفكرين والفلاسفة ورجال الدين من مختلف البلدان الأجنبية والعربية، ومن بينهم ضريح "السهروردي" الذي يعتبر من أهم المعالم الآثرية في منطقة "باب الفرج" والذي تم إزالته ليبنى مكانه مسجد يحمل اسم الضريح.

مدونة وطن eSyria زارت الضريح والتقت بتاريخ 13/2/2013 الحاج "مراد علي" (75 سنة) وهو من حي "الجديدة" المجاور بالقول: «الموقع ما زال يُعرف إلى يومنا هذا بضريح "السهروردي" وهو من أهم الأماكن والمعالم في منطقة "باب الفرج" ويقع في طرفه الشمالي بجانب سوق "التلل" المعروف في المدينة.

في واجهة المبنى الرئيسي يوجد نقش كتابي وحيد بأبعاد 120 -52 سم وهو مكتوب بالعثمانية وترجمته: دائرة ومؤسسة المعارف -1329

يُقال بأن الضريح أزيل من الموقع قبل حوالي قرن من الزمن ونقل رفاته إلى منطقة مجاورة للقلعة لا أعرفها بالضبط ولكن تم بناء مسجد صغير في المكان ليشير لذلك الضريح».

الجامع الذي يشير للسهروردي

وللتعرف على شخصية "السهروردي" صاحب الضريح يقول المهندس "عبد الله حجار" الباحث الأثري ومستشار جمعية العاديات: «"السهروردي" هو "شهاب الدين بن يحيى" وقد ولد في "سهرورد"، عاش في الفترة ما بين 549-587 هجرية 1154-1191م وهو من قرى "زنجان" في العراق العجمي ونشأ بمراغة وسافر إلى "حلب" و"بغداد" واتهم بانحلال العقيدة وفساد الأخلاق.

قال عنه "ابن خلكان" إن علمه أكثر من عقله، وقد أفتى العلماء بحلب بإباحة دمه فسجنه "الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي" في "قلعة حلب" حتى مات فدفنه خارج أسوار المدينة والخندق الشمالي وتحديداً في الطرف الشمالي من منطقة "باب الفرج".

"باب الفرج" من غوغل إرث

عندما قامت السلطات العثمانية بتوسيع "شارع الخندق" وإنشاء "دائرة المعارف" أزيل القبر وخصصت غرفة في البناء الجديد لتكون مسجداً يشير إلى مكان ضريح "السهروردي"».

يضيف: «لقد كانت أفكار "السهروردي" متأثرة بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة والأفكار الفارسية وتعاليم الإسلام وله العديد من المؤلفات العلمية والصوفية، وكان بوهيمياً لا يغسل ثوباً ولا جسماً ولا يقص ظفراً ولا شعراً.

النقش الكتابي في الواجهة

من شعره الصوفي في العزة الإلهية:

أبداً تحن إليكم الأرواح / ووصالكم ريحانها والراح

وارحمتا للعاشقين تكلفوا / ستر المحبة والهوى فضاح

بالسر إن باحوا تباح دماؤهم / وكذا دماء العاشقين تباح.

ويقال إنه لما تأكد أنه محكوم عليه بالموت كان كثيراً ما يردد:

أرى قدمي أراق دمي / وهان دمي فها ندمي».

وحول مكان الضريح والتغيرات التي طرأت عليه عبر الزمن تقول الباحثة الآثارية الدكتورة "نجوى عثمان": «بعدما أصدر السلطان العثماني "عبد المجيد" في عام 1263 هجرية 1846م قانون إصلاح التعليم، أخذت الدولة العثمانية على عاتقها مهمة الإشراف على التعليم فأنشأت في المدن الرئيسية معاهد للتعليم العام الإعدادي والثانوي /المكاتب الرشدية/ ومكاتب التعليم الفني وجعلت نظام التعليم فيها وفق أسس التعليم الحديثة كما أحدثت دوائر للمعارف.

في مدينة "حلب" أنشأت دائرة المعارف في عام 1300 هجرية 1882م وكان مقرها في غرفة بدار الحكومة القديمة، وفي عام 1329 هجرية 1911م أنشىء لها مبنى خاص عند ضريح "السهروردي" صار فيما بعد مقراً لدائرة البريد والبرق والهاتف فدائرة الديون العمومية ثم مقراً لشرطة النجدة فعيادات سنية للشرطة وهو اليوم مقر لشرطة الحراسات».

تتابع: «مكان مبنى دائرة المعارف كان في الأساس ضريح "شهاب الدين السهروردي" الذي توفي في "حلب" في عام 1191م ويقع في بداية "جادة الخندق" المتوجهة إلى "باب النصر" و"باب الحديد"، وعند فتح "جادة الخندق" أزيل الضريح لينشأ المبنى الحالي كما أنشئ خلفه مسجد يحمل اسم "السهروردي" ليبقى المكان مذكراً به».

وحول الميزات المعمارية للمبنى تذكر: «تحمل واجهة المبنى سمات العمارة العثمانية أوائل القرن العشرين، إذ تظهر التأثيرات الأوروبية على المنشآت التي بنيت في تلك الحقبة ولاسيما استعمال الأقواس نصف الدائرية في الواجهة كلها بعدما كانت الأقواس المدببة من السمات الرئيسية للعمارة الإسلامية.

يضم المبنى من الداخل صحناً مسقطه مربع الشكل وقد غطي بسقف هرمي خشبي وتتوزع حوله الغرف على طابقين يصعد إليها بدرج في الزاوية الشمالية الغربية من الصحن».

تختم حديثها: «في واجهة المبنى الرئيسي يوجد نقش كتابي وحيد بأبعاد 120 -52 سم وهو مكتوب بالعثمانية وترجمته: دائرة ومؤسسة المعارف -1329».