ظلت الأديبة "ألفة الأدلبي" تحتفظ بحياء الفتاة الدمشقية رغم بلوغها

هي رائدة من رواد الأدب الحديث، نقلت في أدبها صوراً عدة للحياة الدمشقية الأصيلة أرفقتها سحر المكان؛ كما ظلت تحتفظ بحياء وخجل الفتاة الدمشقية رغم بلوغها العقد التاسع من العمر.

برحيلها فقدنا علماً وأدباً وسرداً روائياً وقصصياً وضعت أعمالها في مكتبة بكين الوطنية كما تحولت أعمالها الروائية لمسللات تلفزيونية ولفيلم روائي "دمشق يا بسمة الحزن"

إنها الأديبة "ألفة عمر باشا الإدلبي" التي عاشت مسيرة حافلة بالإبداعات الأدبية والمواقف الاجتماعية المشرفة كتشجيع الأدباء والفنانين الشباب على الاستمرار، وكذا كانت نشيطة في ميدان العمل الإنساني والدفاع عن حقوق المرأة، يقول الروائي "فاضل السباعي" خلال لقائنا معه: «امتلكت الأديبة الراحلة "ألفة الإدلبي" على عصاميتها في تلقي العلم؛ لغة سلسة نقية من الشوائب اكتسبتها من المطالعة ومن ممارسة الكتابة فقد كانت تحرص على أن تظهر كتبها خالية من الأخطاء اللغوية أو المطبعية مثل حرصها على أناقة الكتاب.

الأديبة راما عمر باشا أحد أقرباء االأديبة

هي ذات أخلاق "دمثة"-حسنة-، وعن ذلك أذكر أني لم أسمعها يوماً تعنف في قول أو تندد بأحد حتى في حق المسيء إليها، أحبت الناس والوطن وجعلت منهم أطروحتها التي ظلت تشتغل عليها في كل ما كتبت من قصص وروايات وأخص بالذات روايتها "دمشق يا بسمة الحزن"».

كانت الأديبة الراحلة حريصة على سلامة اللغة وجمال الكتاب، محبة للفن التشكيلي وهي من المعجبين بإبداع الفنان التشكيلي الراحل "لؤي كيالي"، الأديبة "راما عمر باشا" تحدثت عن الأديبة "ألفة" التي تكون قريبتها بالقول: «كنت مرتبطة بالعمة ألفة ارتباطا وثيقا بإعتباري أنا الوحيدة من العائلة الموجودة في سورية، وجدت عندي بذرة كاتبة صغيرة فشجعتني على كتابة الشعر كنت أحضر معها في أول كل شهر صالونها الأدبي الذي ترتاده الأديبات السوريات وكانت تقيمه في بيتها بالمهاجرين خورشيد المطل على فيحاء دمشق، وقد كان يعقد في دارها ندوة شهرية يرتادها عدد من الأدباء الدمشقيين والعرب».

صورة غلاف أحد مؤلفات الأديبة

هي شخصية فريدة من نوعها، أنثى بكل معنى الكلمة وأم نادر وجودها بتعاملها الرائع مع أبناءها "ليلى، ياسر، زياد"، كانت –يرحمها الله- لطيفة دمثة في التعامل مع الناس بمختلف شرائحهم الإجتماعية ومن الطرائف التي أود ذكرها لك عنها أنها وأثناء ترميم منزلها عملت على إهداء كل العمال من كتبها، وكانت حريصة على كتابة إهداء لكل عامل.

كما كان يعرف عنها تواضعها رغم أنها كانت بحالة إجتماعية جيدة، كانت "ربة منزل" متميزة تحب تحضير الحلوى وتقديمها لضيوفها بيدها؛ كانت تحب من الأزهار "المانوليا والياسمين" الذي كتبت عنه وعن الحمامات الدمشقية التي كانت تزورها مع والدتها وكتبت عن الكنة والحماية باعتبارها عاشت مع حماتها أكثر من أربعين عاما وكتبت عن الثورة السورية ونضال الشعب في سبيل الحرية من المحتل الفرنسي.

صورة غلاف أحد مؤلفات الأديبة

أحبت من الشعراء "نزار قباني" وكانت صديقة له ولأخيه "صباح"، ومن الكتاب "عبد السلام العجيلي" ومن الرسامين "لؤي كيالي"، كانت دائما تشجع الرسامين والشعراء المبتدئين وتدفع لهم من أموالها الخاصة وعندما كانت تدعى لإفتتاح معرض كانت تشتري بعض اللوحات تشجيعا للفنان.

كانت تحب القراءة وفي سنواتها الأخيرة في سورية كان عندها فتاة مغربية تجالسها وتقرأ لها يومياً، في بيتها مكتبة كبيرة وغنية فيها من الكتب مايزيد عن /2000/ كتاب باللغات العربية والألمانية والفرنسية ومعظم هذه الكتب كانت نادرة.

تميزت بأناقتها الدائمة وممارستها للرياضة الصباحية قبل نهوضها من الفراش وهذا ما جعلها قوية لآخر لحظات حياتها، لم تكن من النوع الذي يعبر عن حزنه فهي لم تذرف الدموع يوم وفاة ابنها الشاب "زياد" كانت شامخة أمام المعزين وهذا ما أثر على ذاكرتها لقد كانت صدمتها كبيرة لوفاته وهذا ما أثر على ذاكرتها ومن شدة حزنها لم تعد تكتب بعد وفاة ابنها».

يذكر أن الأديبة "ألفة عمر باشا الإدلبي "ولدت في حي الصالحية بدمشق في "2/11/1912" من أبوين دمشقيين "أبو الخير عمر باشا" و"نجيبة الداغستاني"، كانت الفتاة الوحيدة والمدللة لخمسة أخوة شباب، تزوجت عام /1929/ من الطبيب "حمدي الإدلبي" وأنجبت منه ثلاثة أولاد عاشت مع أسرة زوجها وحماتها في منزل واحد ما يزيد عن أربعين عاماً.

كانت ابنة بارة متفهمة لفارق الزمن بين الجيلين وزوجة صالحة ورفيقة درب مخلصة لزوجها تفهمت ظروف عمله كطبيب وتفهم موهبتها ومقدرتها الإبداعية فكان قارئها الأول ومشجعها المثابر كي تتابع مسيرتها الأدبية.

ظهر ميلها للأدب وهي صغيرة كان والدها ذواقا للأدب من مكتبته الخاصة تعرفت للأدب القديم ولكتب الأغاني والعقد لفريد والأماني وكان ينعم عليها بالهدايا لتحفظ أبياتا من المعلقات وسواها من الشعر العربي القديم وكان خالها "كاظم الداغستاني" وراء تشجيعها على معرفة الأدب الحديث من خلال مكتبته الكبيرة التي كانت تجول فيها وتنتقي ماتشاء، شجعهاعلى كتابة القصة القصيرة وكانت أول قصة لها بعنوان "القرار الأخير" عام /1947/ شاركت بها في مسابقة بإذاعة لندن وحصلت على الجائزة الثالثة على مستوى الوطن العربي.

ترجمت قصصها لأكثر من /15/ لغة أجنبية كلألمانية والفرنسية والإنكليزية والروسية وغيرها..، كما تم اعتماد عدد من قصصها القصيرة لتدرس في جامعات عالمية كإسبانيا والصين واميركا.

من مؤلفاتها "قصص شامية، وداعا يادمشق، المنوليا، ويضحك الشيطان، عصي الدمع، دمشق يابسمة الحزن، وداع الأحبة، حكاية جدي" وغيرها الكثير.

انتسبت عام /1940/ للندوة الأدبية وإلى "حلقة الزهراء الأدبية"، كما التحقت "بجمعية الرابطة الثقافية الأدبية"، دعت "الأدلبي" إلى تحرر المرأة وممارسة دورها الإجتماعي والسياسي فكانت من أوائل السيدات اللاتي خرجن في المظاهرات ضد الإحتلال الفرنسي وممن قمن بجمع التبرعات لإيصالها لرجال الثورة السورية.

عام /1948/ هبت مع عدد من النساء السوريات للمشاركة بأعمال الإنقاذ والإسعاف وإيواء مشردي النكبة، تواصلت مع نضال الشعب الجزائري في الستينات القرن العشرين وأثناء حرب /1967/ و/1973/، كانت واحدة من المناضلات السوريات اللاتي يزرن الجرحى وأسر الشهداء ويقدمن لهم المساعدة.

رحلت ظهر الثلاثاء الأول من ربيع الأول /1428/الموافق "20/3/2007" عن عمر ناهز /95/ عاما في باريس حيث أقامت مع أولادها آخر سنوات عمرها.

حمل جثمانها لوطنها الأم سورية ليصلى عليه في "جامع البدر" بدمشق عصر الإثنين "26/3/2007"، وتم تشييعها من دارها في المهاجرين ووريت الثرى في مقبرة الحرش بالمهاجرين.

بعض ما قيل عنها: (*)

الشاعر "سليمان العيسى" تحدث عنها بالقول: «تركت أجمل الأثر في القصة السورية».

أما الأستاذ "صباح قباني" فقال: «مع غياب ألفة الإدلبي تغيب نفحة شامية أصيلة كان أريجها ينعش من يقرأ أدبها أو يجالسها أو يحضر ندواتها، مع ذهاب "ألفة" غابت من حياتنا ياسمينة دمشقية بيضاء لاأحلى ولاأجمل».

الدكتور "علي القيم" معاون وزير الثقافة تحدث عنها بالقول: «برحيلها فقدنا علماً وأدباً وسرداً روائياً وقصصياً وضعت أعمالها في مكتبة بكين الوطنية كما تحولت أعمالها الروائية لمسللات تلفزيونية ولفيلم روائي "دمشق يا بسمة الحزن"».

الأديبة "كوليت خوري" تحدثت عنها بالقول: «كانت قاصة بارعة وسيدة مجتمع نعتز بها استطاعت أن تكتب وتسجل حوادث وعادات وتقاليد البيوت الدمشقية لكن أكثر ما كنت أحبه فيها هذا الحياء الذي كان يكسو وجهها بالحمرة كأنها فتاة في العشرين من عمرها كنت أعشق فيها هذه الأنوثة الحيية الخجولة لهذه الأديبة المتربعة على القمة».

(*) نشرت هذه الأقوال بعد رحيلها في عدد من الصحف السورية مثل "جريدة الثورة" "عدد /13270/ تاريخ "27/3/2007"، وفي "جريدة تشرين" عدد /9825/ تاريخ "28/3/2007".