عقود من الزمن قضاها باحثاً في بطون الكتب، ليخرج بموسوعات ومؤلفات توثق لجميع الكنائس والآثار المسيحية في سورية مبرزاً بهذا الإنجاز الهام معالم الحضارة السورية وعراقتها.

موقع "eDamascus" زار الأب "متري هاجي أثناسيو" بتاريخ 20/1/2012 في مكتبه بكاتدرائية "سيدة النياح" في "دمشق القديمة" ليحدثنا عن نشأته ودراسته التي كانت إيذانا بالتوجه نحو البحث فيقول عن ذلك: «ولدت بتاريخ 26/10/1937 بحارة "التيامنة" في حيّ "باب مصلّى" بمنطقة الميدان، وفيها تلقّيت أولى دروسي، حتى الثانوية، لأتوجه إلى مدينة حريصا في لبنان وأحصل على شهادة البكالوريا اللبنانية والفرنسية (جزء 1 و2) في إكليريكية القديس بولس عام /1958/، ثم درست اللاهوت والعلوم الكهنوتية في إكليريكية القديسة حنّة، المعروفة بالصلاحية في "القدس الشريف" من عام /1959/ إلى عام /1963/، ورُسمت كاهناً عام /1963/، ومُنحت رتبة "أرشمندريت" عام /1992/».

واجهت العديد من الصعوبات أثناء عملي كصعوبة الحصول على المعلومة الصحيحة المدونة والمكتوبة بشكل علمي منظم، وأيضاً قلة القراء فالعديد من المكتبات أغلقت، لأن أغلب هذا الجيل لا يقرأ بل يعتمدون على مواقع الانترنت في تثقيف أنفسهم وأيضاً صعوبة تسويق الكتاب

يتابع الأب "متري" حديثه بالقول: «تخصّصت في اللاهوت العقائدي، وحصلت على شهادة الدكتوراه في اللاهوت من جامعة "لوفان في بلجيكا"، وكان عنوان أطروحتي: "لاهوت الأسقفية"، ثم دكتوراه في الفلسفة، وأيضاً نلت شهادة دكتوراه دولة في الآداب بدرجة جيّد جداً من جامعة "السوربون في باريس"، وكان عنوان أطروحتي "الفيلسوف الأفلاطوني نـماسيوس" وكتابه في طبيعة الإنسان" الذي يتحدث عن (فلسفته الإفلاطونية الحديثة، ومقارنة نصوص المخطوطات اليونانية والعربية)، وأتقن العديد من اللغات كاللغة (العربية والفرنسية والإنكيزية واليونانية القديمة واللاتينية، وألمّ بالطليانية والإسبانية واليونانية الحديثة)».

الأب "متري" ضمن مؤلفاته وموسوعاته

لأن المعرفة الكاملة لا يمكن الوصول إليها ولأن طلبها لا يقف عند حد معين يتحدث الأب "متري" عن مشواره مع طلب المعرفة بالبحث والتوثيق بالقول: «البحث والكتابة يشكلان لي متعة خاصة، حيث أمضيت ثلاثين عاماً في تأليف وكتابة موسوعاتي، فعندما حصلت على شهاداتي الجامعية، لم أستخدمها في حياتي العملية، بل توجهت إلى توظيف الأسلوب الأكاديمي الذي اكتسبته من البحث في دراساتي في مجال التاريخ والآثار في "سورية" بشكل خاص.

بدأت رحلتي مع التأليف منذ 35 سنة تقريباً، قرأت حينها مقالاً في مجلة لطائفة الروم الكاثوليك بحلب اسمها "الكلمة"، ولفت نظري مقال عن قرية في شمال سورية، يتناول تاريخها وآثارها وكنائسها المسيحية، وكانت أول مقالة قرأتها في هذا الموضوع وتابعت بحثي وقرأت المزيد عن هذه القرية وغيرها، حيث كنت أدون ملاحظاتي وهكذا بدأ شغفي بالبحث في التاريخ عن الآثار والشخصيات المسيحية».

الأرشمندريت "متري هاجي أثناسيو"

يتابع: «بعد القراءة والتدوين، قمت بجمع هذه الأوراق ضمن مجلدات قسمتها حسب المناطق السورية، ونظمت كل مجلد حسب الفصل والموضوعات، ما أثار لدي رغبة لمعرفة كل ما هو مجهول عن قرى كثيرة منسية تحوي آثاراً عريقة وكنائس غير معروفة في "سورية"، كنت جاهلاً كلياً مثل كثير من الناس حول هذه الاكتشافات، والذي لفت انتباهي في حينها أنه يوجد مناطق شمال "حلب" تضم الآلاف من القرى المسيحية المنسية والتي تحوي آثاراً تاريخية قديمة، فقررت إجراء دراسة كاملة عن هذه القرى والتعرف على آثارها وكنائسها للكتابة عنها».

يضيف: «أهم الكتب التي قرأتها كانت كتب المنقبين عن الآثار في "سورية"، ولكن لم أكن أجد مراجع مكتوبة باللغة العربية ولكن اللغات التي أتقنها ساعدتني كثيراً في بحثي، وأول موسوعة كتبتها على فترات زمنية طويلة منذ عام /1987/ حتى عام /1997/، وعندما كنت في "لبنان" تعلمت العمل على الحاسب، فكنت أنظم الصفحات وأنسق الصور وأقوم بالإخراج الكامل ثم أرسل الموسوعة جاهزة فقط للطباعة، وهذا كان ومايزال يأخذ ساعات طويلة من العمل الشاق، حيث كنت أعمل تقريباً 16 ساعة كل يوم ولساعات متأخرة من الليل، ومازلت أطمح إلى حد الآن لمعرفة المزيد وكل ما هو جديد».

وعن هدفه من الأعمال التي أنجزها يقول الأب "متري": «هدفي من كل هذا العمل أنني تعرفت على مناطق كثيرة لم يعلم بها إلا أناسٌ قليلون وأصبح لدي كم هائل من الثقافة والمعرفة، وحاولت أيضاً إعلام وإطلاع الآخرين على معلومات تاريخية غير معروفة، وكثيراً من المرات أثناء جولاتي كان يطرح علي سؤال لماذا لا تكتب موسوعاتك باللغات غير العربية؟ فكان جوابي دائماً أنني أريد أن أعطي كسرة خبزٍ إلى أبناء وطني فهم بحاجة لها أكثر».

يتابع: «وكل ماكنت أحاول التركيز عليه في موسوعاتي هو الفهارس لأنها مهمة جداً مثل (فهارس الموضوعات، الأماكن، الأسماء وغيرها) فمن يتصفح الفهارس يجد كل ما يهمه وما يبحث عنه، ففي أغلب الكتب التي قرأتها كنت لم أجد فهارس فيها تساعدني أئناء بحثي، فركزت كثيراً على هذا الموضوع بالتحديد، واعتمدت أيضاً في كتاباتي على التوثيق الأكاديمي والميداني، وكل مراجعي تقريباً كانت أجنبية ووضعت في نهاية كل موسوعة ومجلد مصادر المراجع التي أخذت منها معلوماتي ليكون عملي على مستوى عال من الدقة، وموسوعاتي كانت تنال إقبالاً كبيراً وخصوصاً من قبل أساتذة الجامعات وطلاب كليات الهندسة والفنون والعلمانيين لأهميتها ولأنها تساعدهم كثيراً في دراساتهم.

أما الموسوعات الأخرى كموسوعة "كنائس وأديرة دمشق وريفها" وموسوعة "الأيقونات" وموسوعة "كنائس حي الميدان"، فعملت بها أنا والدكتور المرحوم "قتيبة الشهابي" اعتمدنا كثيراً على التوثيق الميداني، حيث زرنا جميع الكنائس والأديار وأخذنا المعلومات والصور، وتقاسمنا العمل فيما بيننا، أنا أخذت الجانب التأليفي والتاريخي، وهو تولى الجانب التصويري والخرائط، ولم أعتمد أبداً على الانترنت، كان بحثي يستند فقط على الكتب العربية والمجلات والجرائد، والتقيت العديد من الشخصيات للحصول على المعلومات، فكنت أعتمد على المنهجية العلمية التي تتطلب الدقة في البحث ولا أثق إلى بالذي أتحقق منه، والذي يعتمد أيضاً على المصداقية الكاملة للمعلومة، وإنجاز العمل الموسوعي يحمل القارئ على إيجاد المعلومات كافة ضمن إطار منظم ومكتمل، فكان الكثيرون من الناس يقولون لي إنك في كل موسوعة تصدرها وكأنك تبني كنيسة جديدة لنا، واستغرق العمل في ثاني موسوعة سنتين، والثالثة 3 سنوات، أما الرابعة فحوالي 10 سنوات».

وفي حديثه عن الصعوبات التي واجهها يتحدث بالقول: «واجهت العديد من الصعوبات أثناء عملي كصعوبة الحصول على المعلومة الصحيحة المدونة والمكتوبة بشكل علمي منظم، وأيضاً قلة القراء فالعديد من المكتبات أغلقت، لأن أغلب هذا الجيل لا يقرأ بل يعتمدون على مواقع الانترنت في تثقيف أنفسهم وأيضاً صعوبة تسويق الكتاب».

من الجدير بالذكر أن مؤلفات الأب "متري أثناسيوس" إضافة إلى أطروحتَيه الجامعيّتَين المتقدّمتَي الذكر، له مقالات عديدة في دور النشر، وعُني بنشر كتب دينية وتاريخية وآثارية واجتماعية وشبابية، حيث أصدر خمس سلاسل دينية وتربوية واجتماعية وفلسفية، نذكر منها:

أولاً: سلسلة "إيمان وحياة " (للجامعيين والمثـقّفين) (ظهر منها 19 كتاباً) منها: (رؤيا القديس يوحنا الرسول، الإيمان، وجه الله في قدّيسيه، أبانا (الصلاة الربـيّة)، مار أفرام، القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم).

ثانياً: سلسلة "معجزات الروح" (ظهر منها 10 كتب).

ثالثاً: سلسلة "بُشرى يسوع للأطفال" (ظهر منها 8 كتب).

رابعاً: سلسلة "التعليم المسيحي" للصفوف الابتدائية في لبنان (6 أجزاء)، وأخرى لوزارة التربية المسيحية في السودان (6 أجزاء).

موسوعاته:

أصدر 4 موسوعات تاريخية آثارية دينية اجتماعية تتألف من:

أولاً: موسوعة بطريركية إنطاكية التاريخـية والأثرية.

ثانياً: موسوعة "كنائس دمشق".

ثالثاً: موسوعة "الإيقونات السورية".

رابعاً: موسوعة دمشق ("وعزُّ الشرق أوّلهُ دمشقُ").