عمل الأديب "عمر النص" في شتى علوم الأدب والإبداع، كتب الشعر، له مؤلفات في المسرح والفلسفة، وتنقل بين العديد من الدول العربية والأوربية طالباً العلم، كما استلم العديد من المسؤوليات في الدولة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الأستاذ "عصام الحلبي" بتاريخ 20/10/2013 فبدأ حديثه قائلاً: «تعرفت إلى الراحل "عمر النص" بعد عودته من "الكويت" عام /1998/ بعد أن أنهى عمله في صندوق النقد العربي، ولم أكن أعرفه شخصياً قبل هذا التاريخ، بل قرأت بعض دواوينه الشعرية، حيث كان المجلس الأدبي يجتمع مرتين في الشهر خلال فصل الشتاء فقط، وكان يرتاد هذا المجلس كوكبة من كبار الأدباء والمفكرين، من بينهم شاعرنا "عمر النص"، وكان الشعر العربي هو القاسم المشترك بين المرحوم "النص" وبيني ونشأت علاقة حميمة بيننا استمرت حتى رحيله، نعمت بصحبته قرابة خمس عشرة عاماً، فعرفت عنه الكثير، من تواضع عالم ونفس رضية وخلق حسن وكل الصفات الإنسانية المحببة، كل هذه المزايا إضافة إلى شاعريته وعبقريته التي تظهر جلياً في دواوين الشعر التي أصدرها إضافة إلى كتبه الفلسفية، والأعمال المسرحية».

ذات يوم كنت في زيارة له في بيته، كنا نجلس في غرفة المكتبة وإذ وجدت على الطاولة كتاب شعر لـ"بدوي الجبل"، فتحت الصفحة الأولى وإذ بي أقرأ إهداء "بدوي الجبل" إلى "عمر النص"، كاتباً "إلى عمر النص.. شاعر العرب الأكبر"

وأضاف: «من روائع ما كتبه "عمر النص" في النثر كان كتاب "الفيلسوف السلطان"، وكتاب "دفاتر سقراط"، وأستطيع أن أقول بكل حق وصدق، إنه أنصف "سقراط" هذا الفيلسوف الذي دافع عن الحقيقة والمظلومين في "أثينا" وحينما أدرك أنه لا يستطيع الاستمرار في رسالته الخالدة، آثر أن يسلك طريق الموت، كذلك كتابه القيم "لماذا باريس؟" تضمن ذكرياته عن أيام دراسته فيها كما تضمن رسالة إلى "البحتري" شاعره المفضل، حقاً كان "النص" شاعراً كبيراً وفيلسوفاً وإنساناً يعمل بصمت وتواضع مع أنه كان كنز معلومات في الأدب والشعر والفلسفة والعلوم الإنسانية».

الأستاذ غسان كلاس

وتابع: «ذات يوم كنت في زيارة له في بيته، كنا نجلس في غرفة المكتبة وإذ وجدت على الطاولة كتاب شعر لـ"بدوي الجبل"، فتحت الصفحة الأولى وإذ بي أقرأ إهداء "بدوي الجبل" إلى "عمر النص"، كاتباً "إلى عمر النص.. شاعر العرب الأكبر"».

بدوره قال الأستاذ "غسان كلاس": «"عمر النص" هذه الشخصية المتميزة، الذي التقيته مرة واحدة فقط، لكنها مؤثرة جداً، وتركت في نفسي الكثير من الأفكار والشجون التي تمخضت فيما بعد عن هذا اللقاء، وكان ذلك في عام /2006/ عندما كنت مديراً لثقافة "دمشق"، دخل إلى مكتبي شخص مهيب، يسأل عن مدير الثقافة ولم تمضٍ إلا دقائق حتى هرعت إليه لأنني علمت أنه الدكتور "عمر النص" فقد سمعت عنه سابقاً من الأستاذ "عصام الحلبي"، بتواضع عالم وبهذه الشخصية المتميزة تشرفت بلقائه وجلسنا في مكتبي وشرفني بأن أهداني كتابه "الأعمال المسرحية الكاملة" وأعتز كثيراً بذلك الإهداء الجليل الذي وشح به هذا الكتاب الهام، الذي أسعدني كثيراً، لكن لا يؤثر للإنسان دائماً ما يحب وما يشتهي وما يتمنى بعد فترة وجيزة وبعد أن كنت عقدت العزم على أن أتعمق في مسيرة حياته الأدبية بصفتي من الباحثين والنقاد لكن لم يحالفني الحظ أيضاً حيث كلفت بمهمة مستشار "سورية" الثقافي في "إيران" وسافرت مدة أربع سنوات».

الدكتور عبدالله الخاني

وأضاف "كلاس": «اكتشفت من خلال كتابه "لماذا باريس؟" أن "النص" ليس شاعراً وليس فيلسوفاً فقط وليس مسرحياً فقط، إنما هو قاص أيضاً، وتوجد في ثنايا هذه السطور التي كتبها وهي لا تشكل كتاباً كبيراً إنما هي كتيّب، لكن توجد في ثناياها الكثير من الأمور الهامة والعبر التي تتعلق بطبيعة وتكوين وسياحة وارتباطات وعلاقات المجتمع "الفرنسي" ويضيء الدكتور "النص" من خلال هذه الذكريات التي أتت من وحي روحه وعاطفته وعقله ووجدانه ليتحدث عن أخلاقيات مهمة، قرأت بين السطور ما يريد "النص" من خلال الطالب سواء كان في مرحلة الدراسة الجامعية الأولى أولى أم ثانية، كيف يجب أن يكون ذلك الوافد إلى بلد أجنبي لتلقي العلم، هل سينصرف إلى هذا العلم وإلى تلك العوالم الروحانية المتعلقة بالفكر والأدب والفن والموسيقا أم أنه سينزلق كالكثيرين إلى مسائل معينة، حيث أشار إلى الأخلاقيات الرفيعة التي لم تكن وليدة في نفسه وذاته إنما هي تفتح من نبع الأسرة العريقة العظيمة أسرة آل "النص"، إذاً هذا الكتيب على صغر حجمه يمثل جزءاً من مرحلة مهمة من حياة "النص"».

وتابع: «في مجال الشعر لعل أول مجموعة شعرية صدرت للأديب الراحل "الليل في الدروب"، ثم "كانت لنا أيام" و"مرافئ الصمت"، و"جمال الغائب"، والأخيرة عبارة مجموعة قصائد مختارة مما سبقها من المجموعات وما كانت مخطوطة بين يدي الراحل وقبل رحيله وضع "إلى أين يسافر البحر؟" لكن كان من المقرر أن تصدر كل هذه المجموعات الشعرية ضمن الأعمال الشعرية الكاملة، هذا ما قاله لي عندما شرفني بزيارته /2006/. وفي مجال المسرحية كتب "شهريار"، "الليل سلطان"، "مفاتيح غرناطة"، ثم جمعت هذه مع مسرحيات أخرى غير منشورة في الأعمال المسرحية الكاملة، لكن سواء في مجال الشعر أو في مجال المسرح، "النص" حكيم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يريد أن يشير إلى كيف تؤول الأشياء من خلال صراعات معينة بين الخير والشر وما إلى ذلك، وكيف يكون دور السلطة وعلاقتها مع الشعوب من أجل الإنسان وكرامته، في النتيجة التي تجسدت لاحقاً في هذه الأفكار والمعاني من خلال "الفيلسوف السلطان" التي جمعت "دفاتر سقراط" و"رسالة إلى القيصر"، هذه الكتب وهذه المؤلفات لم تلقَ حظها من الدرس والبحث والتنقيب وهي بحاجة إلى نقاد لكي يغوصوا في مكامنها وبين حروفها ويتعرفوا على أبعادها ومناهجها، ومشروع "عمر النص" كان رسالة ماجستير لطالبة من "العراق- السليمانية" وهي "شيلان فتحي شريف" ليكون موضوعاً لرسالتها في الدكتوراة، لعلها رسالة قد فهمت الآن لكي نهتم بأدبائنا ونعتز بهم ونسلط الضوء على نتاجاتهم وأنا أؤكد ليس من الضروري أن يسوق المبدع نفسه بل يجب علينا نحن أن نسعى إليه».

من مؤلفات عمر النص

الدكتور "عبد الله الخاني" قال: «ولد "عمر" في 28 نيسان عام /1928/ في "دمشق" في أكبر مكتبة خاصة هي مكتبة المغفور له والده العالم "شريف النص". التقيت "عمر" منذ ستين عام، تحديداً في الثامن من تشرين الأول عام /1953/ في "باريس"، حيث كان يهيئ للحصول على الدكتوراه في القانون من جامعة "السوربون" بعد أن حصل على إجازة "الحقوق" في جامعة "دمشق"، وعندما عاد من "باريس" وقتها طلب مني فخامة الرئيس "شكري القوتلي" اقتراحات لملء شاغرين في القصر الجمهوري، فكان أول اختياراتي الدكتور "عمر النص" ليكون سكرتيراً خاصاً لفخامة الرئيس، وهذا المنصب حساس يحتاج إلى شخص يتحلى بأعلى صفات الأمانة والأخلاق والنزاهة والثقافة والصدق وكتمان السر وحسن التصرف، وهي صفات من النادر أن يتحلى بها شاب، ووجدتها مجتمعة في العزيز "عمر"، وكان وجوده معنا كسباً لنا ودعماً كبيراً نظراً إلى ثقافته الواسعة وأخلاقه المثالية ولطفه».

وأضاف: «فيما بعد سافر "النص" إلى "لندن" للدراسة، وكأنه لم يكتف بما حصل عليه من الثقافة الفرنسية الواسعة، وانتسب إلى أهم كلية في "بريطانيا" هي كلية "لندن" للاقتصاد والعلوم السياسية، وهذه الكلية لا تقبل أن ينتسب إليها إلا من سبق وحصل على شهادات جامعية عالمية. وقد أمضى فيها الدكتور "النص" سنتين وحصل على شهادتها العالية، وعاد إلى "دمشق" عام /1961/، ليتصل به "ناظم القدسي" ليعينه مديراً عاماً في الأمانة العامة، وكلفه بتنظيم وإدارة شؤون القصر، ومنحه كامل ثقته واعتمد عليه فأدار شؤون القصر بكل كفاءة وجدارة لخبرته السابقة وأخلاقه السامية».

ثم أنهى حديثه بالقول: «يذكر الدكتور "عمر" عندما يستعرض ذكرياته في "لندن"، عن علاقته مع زميله في الدراسة الطالب الإيطالي ( باولو ماريني) الذي توطدت الصداقة بينهما، إذ ذكر "باولو" قصته في حضارة الغرب والعيش بآلات المبرمجة تتصرف حسب قوله من دون إرادة أو فهم وأنه قرر مغادرة لندن إلى "أميركا" اللاتينية ليعمل مع الثوار فيها، من أجل إقامة نظام عالمي تسوده الحرية والعدل والمساواة، إلا أنه وفي رسالة بعث بها إلى "عمر" سنة /1988/، ذكر له بعد أن عاش مع الثوار ثلاثة أشهر أصيب بخيبة أمل فقرر العودة إلى "روما" لينتقل من عالم السياسة إلى عالم "الآثار"، إذ وجد أن الحجر أكثر صدقاً وأمانة من الإنسان، وأرفق الرسالة بطرد يحوي مخطوطة قديمة لفت بقماش مهترئ تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وجدها مدفونة بين الأحجار القديمة، تتضمن رسالة موجهة من القيصر إلى فيلسوف، يعتقد "باولو" أنه "سقراط"، ضمنها نقده الجارح لسياسة قيصر المستبد الظالم، وطالبه فيها بالعمل على إقامة نظام يسوده الحق والعدل والحرية، ويعتقد "باولو" أن هذه الرسالة هي التي كلفت سقراط حياته، وطالب "عمر" بالحفاظ عليها لقيمتها التاريخية الثمينة لما تتضمنه من فلسفة اجتماعية ورجاه أن ينشر مضمونها عسى أن تفيد في عصرنا، وقد صاغها "عمر" بلغته الراقية وأسلوبه الشيق في كتابه "الفيلسوف والسلطان"، في عام /1973/ سافر إلى "الكويت" وعمل في الصندوق العربي حتى عام /1998/ فعاد إلى "دمشق" بعد أن أمضى في الصندوق العربي خمس وعشرين سنة ملأها خبرة ونشاطاً وعطاء وحصل على تقدير واحترام كل من كانت له علاقة بهذا الصندوق الهام ذي النشاط العربي الواسع».

وأضاف: «كان أدبه في جميع قصائده ومسرحياته صورة صادقة لطبيعته السامية والشفافة، وكانت أفكاره الأدبية وآراؤه الفلسفية تتدفق على سطوره بشكل عفوي دون تكلف أو عناء، يصوغها نثراً، كما في كتابه "الفيلسوف والسلطان"، أو شعراً على لسان "بلقيس وسليمان" في قصيدته "أتبقين بلقيس؟" أو في مسرحياته الكثيرة كمسرحية "الليلة نهر مع عنترة" إضافة إلى "ليمت قيصر، مفاتيح غرناطة"، أما أفكاره الفلسفية فقد ضمنها مسرحيته "الطوفان، الليل في سلطان، النار في البلد البحر" وماذا حدث للشيخ "أحمد البديري" عندما كتب عن الباشا، أما "باريس"، تلك المدينة الساهرة، فقد تركت في نفس "عمر" أثراً لا يمحى فخصها بآخر كتبه "لماذا باريس؟" كما وضع لها آخر ديوان له "إلى أين يسير البحر؟" صدر مؤخراً عن دار "النفائس" في "بيروت"».

توفي الشاعر والأديب "عمر النص" في /5 آب 2013/ في "عمان"، ودفن في "دمشق"، تاركاً خلفه إرثاً ثقافياً عظيماً.