في "ساحة العفيف" الواقعة بين "حي الشركسية" و"حي المهاجرين" يجلس المختار "أبو راشد" في مكتبه ليستقبل ويسلم على أهالي الحي، "أبو راشد" الملقب "بمختار المخاتير" استطاع أن يحتفظ على مدار /60/ عاماً بثقة و محبة أهالي "حي الصالحية"، وقد عرف عنه مشاركتهم في الأفراح و الأتراح, قبل أن يسلم المخترة لابنه "هاني برنبو" الذي سار على خطى والده في مساعدة أهل الحي وكسب احترامهم.

وبسبب اتساع "حي الصالحية" قسم إلى عدداً من الأحياء، وكلف مختار جديد على كل منها، موقع "eSyria" التقى مع مختار "حي المهاجرين-شورى" السيد "هاني برنبو" الذي أشار إلى أن الأهالي أطلقوا على والده – المختار "أبو راشد"- لقب "مختار المخاتير"، لأنه ظل أحد وجهاء الحي في "المهاجرين"، والصالحية بشكل عام.

إلى فترة خمس وعشرين عاماً، كانت سكتا "حافلات الترام واي" ماتزال ظاهرة، إلا أنه نزع جزءٌ منها وغطي جزءٌ آخر بمادة "زفت" عندما عبد الطريق، ويمكن العثور على هذه السكة بسهولة عند نزع طبقة "الزفت" الموجودة الآن

المختار "هاني برنبو" الملقب "أبو أمجد" أوضح لنا حدود "حي الصالحية" قديماً والتي كان والده المختار "أبو راشد" مكلفاً بها بقوله: «كانت "الصالحية" تمتد من "جسر فكتوريا" إلى "منطقة كيوان" عرضاً, ومن مجرى "نهر بردى" إلى "ساحة الجبّة" ونهاية "حي المهاجرين" طولاً، وبالرغم من اتساع هذه الحدود فإن والدي المختار "أبو راشد" كان على معرفة بمعظم الأهالي؛ يحفظ أسمائهم ويراعي ألقابهم ويحوز على محبتهم واحترامهم».

مختار المخاتير - أبو راشد برنبو

وأضاف المختار "أبو أمجد": «كلف والدي بمخترة "حي العفيف- المهاجرين"، و"حي المهاجرين" هو الحي الذي يقبع على سفوح "جبل قاسيون"، ويتألف شوارع متصاعدة على سفح الجبل، تسمى جادات، فالجادة الأولى هي الشارع الرئيسي والذي يعرف بإسم "سكة المهاجرين"، ويطلق على الجادة التي تقع فوق "جادة السكة" بالجادة ثانية، وهكذا حتى نصل إلى الجادة الحادية عشر.

هذه الجادات تقسم حي المهاجرين بشكل عرضي وتتعامد مع شوارع طولية تصل "شارع السكة" مع الجادات العليا، تسمى "شوارع الطولية" بين أهالي الحي بالمواقف فتبدأ المهاجرين شرقاً بموقف "العفيف" -حيث يقع مكتبي-، وتسمى المواقف التي تقع غربه بالأسماء التالية -على الترتيب-؛ موقف "أبو رمانة"، "شورى"، "باشكاتب"، "شمسية"، "مصطبة"، "مرابط"، "شطا"، "ناظم باشا"، وأخيراً موقف "خورشيد"-الذي يشكل النهاية الغربية "لحي المهاجرين"».

جادة السكة -موقف "ناظم باشا"- وتظهر سكتا الترامواي

وعن سبب تسمية الجادة الأولى بإسم "سكة المهاجرين" حدثنا المختار "برنبو" بقوله: «كان يوجد في "دمشق" عدة خطوط رئيسية "لحافلات ترام واي"، تتجمع في ساحة المرجة وتتوزع لتربط هذه الساحة بأهم الأحياء دمشق، وكان "مهاجرين – ساحة المرجة" أحد هذه الخطوط، حيث كان يسير هذا الخط من "ساحة المرجة"-مركز المدينة-، ليصعد إلى شارع المجلس النيابي، مروراً "بسوق الصالحية" الذي كان شارعاً للسيارات والحافلات-، و"الجسر الأبيض"، ليدخل المهاجرين من "موقف العفيف".

هذا الخط كان يقطع حي "المهاجرين" عبر الجادة الرئيسية "سكة المهاجرين"، ويصل إلى موقف "خورشيد"- آخر موقف لهذا الخط-».

الحاج "عثمان الكفى"- آخر حرفي سوق الفواخير

وأضاف المختار "أبو أمجد": «إلى فترة خمس وعشرين عاماً، كانت سكتا "حافلات الترام واي" ماتزال ظاهرة، إلا أنه نزع جزءٌ منها وغطي جزءٌ آخر بمادة "زفت" عندما عبد الطريق، ويمكن العثور على هذه السكة بسهولة عند نزع طبقة "الزفت" الموجودة الآن».

كحال "حي الصالحية" -بشكل عام- "فحي المهاجرين" يزخر بالآثار التي تضاهي بقية المعالم الأثرية الموجودة في "دمشق القديمة" –الواقعة ضمن السور القديم-، ولكن أثار المهاجرين تتميز عن مجاوراتها بأنها تعود إلى القرنين الماضيين، ولعل أهم ما يميز هذا الحي أنه كان يحوي بعض مراكز "القيادة الفرنسية" خلال فترة الانتداب، وهذا ما أشارت إليه الدكتورة "سراب أتاسي خطاب" أمينة السر العلمية في "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى"- بقولها:

«حي المهاجرين يزخر بالأبنية والقصور التي بنيت أواخر العهد العثماني، فالبناء الذي يستضيف السفارة الفرنسية اليوم، كان للوالي "عثمان نوري باشا" الذي حكم "دمشق" أواخر القرن التاسع عشر، أما القصر الذي يلاصقه ويعد أحد التحف العمرانية – وأقصد قصر "عطا بيك الأيوبي"-، فقد بني في ثلاثينيات القرن العشرين، ويوجد كذلك في غربي جادة "السكة"، قصر "ناظم باشا" –الوالي العثماني الذي حكم "دمشق" في بدايات القرن العشرين، والذي تعود إليه تسمية "حي المهاجرين" حيث استقبل المهاجرين البلقان المسلمين، ووزع عليهم أراضي على سفح قاسيون، لذا سميت هذه المنطقة "بحي المهاجرين"».

كما يلاحظ الطراز الإسباني المميز في "حي المهاجرين" وخاصة على الأبنية المطلة على "جادة السكة"، ويعود الفضل في ذلك إلى المهندس الأسباني "دا أراندا"- الذي يعد أحد رواد النهضة العمرانية في "دمشق" «1»- والذي سكن هذه المدينة العريقة، وشارك في وضع مخططات هندسية لأكثر من تحفة عمرانية في أوائل القرن العشرين، ومن أشهرها "بناء محطة الحجاز"، و"قصر ناظم باشا" «قصر الجمهوري القديم»، وغيرهما الكثير.

وتزهو جادات "حي المهاجرين" بقصور وبيوت لشخصيات وطنية أخرى، كمنزل الشهيد "يوسف العظمة" – الذي تحول إلى "متحف"، ومنزل العقيد "عدنان المالكي" القريب من متحف "الشهيد العظمة"، وعند استشهاده رقد في الضريح موجود في الساحة التي تقع تحت "جادة السكة" فوراً، والتي سميت بإسمه "ساحة عدنان المالكي"، -هذه الساحة- تحتضن –أيضاً- مقام السيدة "خانتون" أخت "الناصر صلاح الدين الأيوبي"، داخل مقام مبني على الطراز الأيوبي- كما هو متعارف لدى كثير من الأهالي الحي.

ويوجد في المهاجرين العديد من المساجد التي يعود بنائها إلى "العهد العثماني" كمسجد "نافذ الأفندي"، وجامع "الشمسية"، وجامع "الدر المحمدي"- أو ما يعرف "بجامع الفواخير" وغيرهما الكثير، وأشار المختار "أبو أمجد" إلى أنه يوجد كنيسة وحيدة في المهاجرين، وهي غير مستعملة اليوم وتعرف بإسم "كنيسة مصطبة"، وهي موجودة في «الجادة الثانية - موقف المصطبة"»، كما انتشرت المدارس في هذا الحي، ومن أشهرها المدرسة القديمة المسماة "طارق بن زياد" الواقعة في «الجادة الرابعة - موقف "الشمسية"»، وقد قسمت إلى مدرستين بعد أن أعيد بنائها من جديد، الأولى سميت مدرسة "طارق بن زياد" والثانية مدرسة "احمد الصباغ".

هذه الفخامة التي تلاحظ في حي "مهاجرين" لم تمنع بعض الصناعات والحرف من التمركز في هذا الحي، فالسيد "عثمان كفى" أخر الحرفيين العاملين في "صناعة الفواخير"، ذكر أن سوق "الفواخير" الذي كان موجوداً الموجود في "الجادة الثالثة" بين موقف "العفيف" وموقف "شورى"، يعد من الأسواق القليلة إن لم يكن السوق الوحيد الذي كان موجوداً في مدينة "دمشق"، والذي كان مجمعاً للحرفيين والعاملين في صناعة الأواني الفخارية وأنابيب الماء المصنوعة من الفخار- أو ما تعرف بإسم "قساطل فخارية"-.

الحاج "عثمان" أكد أن لا يوجد أي حرفي على قيد الحياة، ممن كانوا يعملون "بسوق الفواخير"، ويعد هو آخر الحرفين الذين عملوا في هذا السوق، وتابع "كفى" بقوله: «كنت أعمل مع والدي من عام /1956/، وعندما توفي في عام /1978/مـ بقيت أعمل سنتين ومن ثم أغلقت الورشة التي كنا نعمل بها في عام /1980/مـ، وهي آخر ورشة بقيت تعمل في "سوق الفواخير".

ويعود السبب في زوال هذا السوق إلى عدة عوامل؛ منها اعتماد الناس على استعمال الأواني الزجاجية أو أنابيب الماء "الحديدية" أو "البلاستيكية" في المباني الحديثة، بدلاً من "القساطل الفخارية" التي قد تراها موجودة في "البيوت العربية القديمة" وخصوصاً عند تمديد الماء إلى "البحرة" المتواجدة في وسط الفسحة السماوية، والسبب الثاني هو صعوبة هذه المهنة والوقت الطويل الذي يحتاجه تصنيع الأواني أو القساطل الفخارية».

«1»: وزارة الثقافة – مقالة بعنوان «المهندس "دا أراندا" رائد نهضة العمارة في دمشق».