رغم أن تاريخه لا يتعدى /120/ عاما لا أكثر، إلا أن الكثيرين يعتبرونه من أحياء "دمشق" القديمة، ويدللون على كلامهم بالحميمية التي يشعرون بها أثناء تجوالهم فيه.

إنه "حي القَصَاع" الذي يقع بين ساحة العباسيين شمالاً، وحي "باب توما" جنوباً، و"شارع بغداد" غرباً، وحي "جوبر" شرقاً، "eSyria" زار حي القصاع بتاريخ "4/10/2011"، والتقى السيد "سليم الإبراهيم" أحد سكان الحي، والذي تحدث عنه بقوله: «ما يميز "القصاع" هو حيويته والنشاط الذي يتمتع به، ففي أي ساعة تزور بها في هذا الحي ستجد أناساً يتجولون في شوارعه، وآخرين يجلسون في شرفات منازلهم يتبادلون الأحاديث، بالإضافة إلى وجود بعض المحال التجارية التي تبقى مفتتحة أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل.

يبلغ عدد سكانه ما يقارب الـ/50/ ألف نسمة، أغلب سكان القصاع قديما كانوا حرفيين عملوا في الصياغة والنجارة والخياطة ولم تعرف القصاع الزراعة علماً أن منطقة القصاع كانت تابعة لجوبر لكن أهلها لم يكونوا من أصحاب الأراضي الزراعية ولم يعملوا في الزراعة

ومن جانب آخر فإن "القصاع" يتميز أيضاً بتنظيم معماري فريد قادر على إشعارك بعبق وأصالة الماضي وحداثة الحاضر، ما يضفي على حياة ساكنيه طابعاً خاصاً ليس بالمقدور الوصول إليه في أي حي آخر».

السيد جرجي شدياق مختار القصاع

وللتعرف أكثر على الحي، "eSyria" التقى السيد "جرجي شدياق" مختار الحي، الذي تحدث عن أسباب تسمية الحي بقوله: «إن تسمية "القصَّاع" جاءت من صناعة "القِصَاع" الفخارية، وهي عبارة عن صحون فخارية كانت تستخدم في تناول الطعام، حيث اشتهر الحي قديماً بصناعة القِصَاع الفخارية التي كانت توزع منه في جميع أرجاء دمشق، ولذلك فقد رافقت هذه التسمية الحي حتى وقتنا الحاضر».

وحول نشأة الحي وتطوره تحدث المختار "شدياق" بالقول: «نشأ الحي كضاحية تقع في شمال شرقي "المدينة القديمة" خارج سور دمشق، ضمن بساتين الزينبية التي حملت تسمية النبع المتواجد فيها، وبدأ توسعه العمراني بالاتجاهين نحو الشمال حتى "ساحة العباسيين"، ونحو الغرب حتى "حي الخطيب".

صورة قديمة لأحد أحياء القصاع

ويعود الفضل في توسع "القصاع" قديماً إلى العوامل التي توافرت في فترة تشييد المستشفى الإنكليزي والمستشفى الفرنسي وبقية المباني المحيطة بها حتى عام /1919/، حيث بدأ توسع الحي يتجه نحو اتجاهات عدة، ثم جاء شق شارع بغداد سنة /1925/م، جامعاً لهذا النشاط العمراني، الأمر الذي أدى إلى اتصاله بالأحياء المجاورة والبعيدة.

وقد توسع الحي بسرعة إبان الثورة السورية عام /1925/، فبعد شق "شارع بغداد" سنة /1925/ لأسباب عسكرية، لجأ عدد كبير من الأسر القاطنة في حي الميدان إلى حي القصاع هرباً من الجحيم الذي كانت القوات الفرنسية تصبه فوق رؤوسهم إثر كل هجمة من هجمات الثوار عليهم خلال الفترة الواقعة بين عامي /1926/ و/1927/، الأمر الذي تطلب بناء مسكان جديدة لهولاء الناس».

منازل القصاع القديمة

يفتقر "القصاع" إلى المنازل الدمشقية القديمة حيث يطغى عليه البناء الحديث المشيد على الطراز المعماري الفرنسي، وحول هذا الموضوع يتحدث "جرجي شدياق": «إن منازل "القَصَاع" حديثة ليست قديمة، فهي بيوت عادية وصغيرة، ترافق بناؤها مع بداية الهجرة باتجاه الحي، فتم بناء المنازل في وقتها على الطراز الفرنسي، وهي المنازل صغيرة مقارنة مع المنازل الدمشقية القديمة، وتتراوح بين ثلاث وأربع غرف بالإضافة إلى شرفة تسمى "البلكون" تشرف على الشارع، وقد اعتاد الأهالي منذ القدم وحتى اليوم على الجلوس فيها يومياً عند المساء والسهر حتى منتصف الليل.

في عام /1945/م دخل البناء الحديث القصاع، حيث بدأ البناء الطابقي الحديث ينتشر في معظم أرجاء القصاع، وذلك ضمن تخطيط "أوكيشار" المعتمد في بناء الأبنية بدمشق».

يشتهر في "حي القصاع" بمجموعة من المباني تعد تحفاً عمرانية بحد ذاتها، تحدث المختار "جرجي شدياق" عن بعضها بالقول: «إن أول المباني التي شيدت في "حي القصاع" كانت "المشفى الانكليزي" الذي شيد في عام /1896/ من قبل بعثة تبشيرية دانماركية، والتي تخلت عنه فيما بعد إلى البعثة التبشيرية الاسكتلندية، ما أدى لتغير اسمه إلى "مشفى فكتوريا" نسبة لملكة بريطانيا، ليتم فيما بعد وهبه إلى الحكومة السورية عام /1958/ فسمي مستشفى الزهراوي نسبة للطبيب والجراح العربي الأندلسي "أبو القاسم خلف الزهراوي".

وهناك أيضاً "المشفى الفرنسي" الذي يقع قبالة "المشفى الإنكليزي"، وقد شيد في عام /1904/ م ويسمى مشفى "القديس لويس"، وكنيسة "الكريملوس" التي ترافق إنشاؤها مع ولادة حي "القصَاع"، وكنيسة "الصليب" التي تم إنشاؤها في عام /1930/.

ومن أوائل المدارس التي عرفها حي "القصاع" هي مدرسة "يوحنا الدمشقي"، ومدرسة "الراهبات العذرية" الموجودة اليوم في برج الروس تحت مسمى "بلابل المحبة"، ومدرسة المعونة الدائمة».

ويتميز حي "القصاع" بوجود سوق تجاري هام يتوسطه وهو "سوق القصاع" الذي أضفى طابعاً فريداً من نوعه ليس على الحي وحده وإنما على مدينة دمشق نتيجة لطبيعة عمله التي ساعدته على افتتاح أبوابه خلال أيام العطل حيث تجد أن بقية أسواق دمشق تغلق أبوابها فيه.

ومن المناطق الهامة في "القصاع" حديقة "الصوفانية"، وقد تحدث عنها

المختار "جرجي شدياق": «تقع هذه الحديقة في منطقة "الصوفانية" التي كانت تعرف في السابق "بالصفوانية" إلى الشمال الشرقي من حي "باب توما" قرب منطقة برج الروس ويمر منها نهر بردى في طريقه إلى الغوطة الشرقية، وقد أقيم على بالقرب منها مقاه ومنتزهات ازدهرت خلال العهد العثماني وأيام الاحتلال الفرنسي، كما مثَّل فيها طلبة مدرسة "مكتب عنبر" وهي الثانوية الوحيدة في دمشق بتلك الفترة مسرحية "طارق بن زياد" عام /1908/، كما غنت في الحديقة السيدة "أم كلثوم" وذلك ضمن حفل أقيم لطلاب "مكتب عنبر».

وأضاف "شدياق" قائلاً: «إن حي "القصاع" كان يحتوي على ملاعب للأطفال وأندية رياضية عديدة، ومن هذه الأندية "الصليب، الغساني، النهضة"، وكان لكل ناد ملاعبه التي تتناسب مع الأنشطة التي يقوم بها، وكان يوجد لكل نادي فرق كشفية، إلا أن توسع الحي أدى إلى هدم هذه الملاعب والأندية، وإقامة أبنية سكنية عوضاً عنها».

وختم المختار "شدياق" بالقول: «يبلغ عدد سكانه ما يقارب الـ/50/ ألف نسمة، أغلب سكان القصاع قديما كانوا حرفيين عملوا في الصياغة والنجارة والخياطة ولم تعرف القصاع الزراعة علماً أن منطقة القصاع كانت تابعة لجوبر لكن أهلها لم يكونوا من أصحاب الأراضي الزراعية ولم يعملوا في الزراعة».