"علي الناصر" هو أحد رواد الشعر العربي الحديث؛ بل هو من أوائل من كتب "الشعر السطري" أو ما أطلق عليه "شعر التفعيلة"، إضافة إلى الشعر التقليدي الذي حافظ فيه على الأوزان والقوافي، وهو في كلا الاتجاهين أبدع لغةً وأوحى صوراً وامتلك موقفاً متميزاً تجاه الحياة والناس.

عن حياة الشاعر "علي الناصر" تحدث ابن أخيه الحاج "محمد رضا الناصر" لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 1 آذار 2014، فقال: «ولد "علي الناصر" في مدينة "حماة" عام 1980، وتلقى تعليمه في أحد كتاتيبها على عادة أبناء جيله ثم دخل المدرسة الإعدادية في مدينته وأتم دراسته الثانوية في "دمشق" ومنها سافر إلى "إستانبول" لدراسة الطب، فاختص في طب الأمراض الجلدية والزهرية وتخرج طبيباً عسكرياً عام 1917 برتبة نقيب، وكانت مدينة "حلب" مستقره إذ افتتح عيادته هناك وبعد ذلك تزوج من فتاة ذات أصول تركية وأنجب منها ولده "وائل" وابنته "تيماء". توفي عام 1970 إذ عثر عليه مقتولاً في عيادته غيلةَ برصاصة مزقت صدره ورئته».

أعجبت بـ"علي الناصر" وقدرته مبدعاً وإنساناً وأحببته حب تلميذ لأستاذه، كان معتداً بملكته الشعرية اعتداداً بالغاً حتى إنه لينظر إلى صديقه الشاعر الكبير "عمر أبو ريشة" تلميذاً من تلاميذه وإنما الحظ واتى "عمر" وأخطأه

ويتابع الحاج "محمد" فيقول: «كان الطبيب "الناصر" ذا مزاجيةً متفردة لم تنعكس فقط على مرضاه بل حتى على أهله لكنه كان ذا أخلاق نبيلة جعلته يحترم الكبير ويحنو على الصغير شرط أن يتركوه إذا شعر بحاجته إلى الوحدة والانعزال، كما أنه كان يجيد أربع لغات وهي: العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية، ثم أضاف إليها لغة خامسة وهو في سن متأخرة وهي اللغة الفارسية؛ وذلك من محبته لشاعر الفرس الكبير "حافظ الشيرازي" حتى يتمكن من قراءة أشعاره بلغتها الأصلية».

كتاب الشعلة اليقظة للأستاذة هبة الناصر

غادر الشاعر الدنيا تاركاً لنا قصائد جميلة خطتها أنامله، وللخوض في غمار تجربته الشعرية الغنية، مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور "موفق السراج" أستاذ اللغة العربية الذي تحدث قائلاً: «"علي الناصر" شاعر مبدع متميز على مستوى المضمون الإنساني للقصيدة وعلى مستوى الشكل الشعري الحديث، وقد انتزع اعتراف بعض النقاد بأنه أحد رواد القصيدة العربية الحديثة، وعلى الرغم من ذلك لم يحالفه الحظ في الذيوع والشهرة كما حالف غيره من الشعراء».

ثم أضاف: «له عدد من الدواوين المطبوعة منها ديوان "اثنان في واحد"، ومن قصائد الديوان قصيدة "نهمٌ والجمال" جاء فيها:

"نهمٌ والجمال زاهٍ وهذي.. همسات الفناء تضحك مني

لا أبالي استهزاءها بعد علمي.. أنني في الحياة أتبع فني

مغريات الجمال أقوى من الموت.. فيا ملهمات للحب غني

واجعلي الموت غفلة العمر.. واسقِ صامتات القبور خمر التمني"».

وعلى الرغم من إيمانه بأن مغريات الجمال أقوى من الموت كما ورد في القصيدة فإن هاجس الموت لم يفارقه في قصائد عديدة من الديوان كقصيدة "تلاقيت والموت"، وقصيدة "في حمى القبر"

التي قال فيها:

"إذا متُّ فارموا جانب الحقل جيفتي.. قرىً للضواري والطيورِ الكواسرِ

وللطير ما يبقى من الجسم مأكلاً.. وللدود ما تحوي حشاشة شاعرِ

فلست أرجي في حمى القبر راحةً.. وما أنا مفراح لزورة زائرِ

دعوني فقد كفنت في ميعة الصَّبا.. غرامي وآمالي وغَّر خواطري".

ونرى الشاعر في تلك الأبيات مهادناً للموت مستسلماً له على الرغم من يقينه بأنه لن يجد راحة فيه البتة ولن يفرحه أو يخفف عنه زيارة الزائرين، وكيف لا يشعر بقسوته وضراوته وقد قضى على آماله وخواطره الجميلة وغرامه حين كان في ريعان الشباب؟

وبين دعوته للحب والتمتع بملذات الحياة ووقوفه عند الموت الحقيقة الثابتة التي يؤمن بها الناس جميعاً ولا يختلف حولها اثنان، لم ينس الشاعر صورة أمه التي طواها الموت منذ زمن، فتمنى أن يغمض عينيه على صورتها، فتكون مؤنساً لروحه في ليله المظلم الطويل قائلاً:

"أأغمض عيني على صورةٍ.. تؤانس روحي بليلي الطويل؟

فهيهات هيهات: أمي غدت هباءً.. فما أعسر المستحيل!".

أستاذة اللغة العربية "هبة محمد رضا الناصر" جمعت خلاصة شعر الطبيب "علي الناصر" بل وخلاصة تجاربه الحياتية في مؤلفها "الشعلة اليقظة" الذي أوردت فيه دراسة تحليلية لبضع قصائد، منها قصيدة "نعمى بصوتك":

«نعمى بصوتك لو هبت على حجر.. لأنبت الزهر أشكالاً وألوانــا

أو دغدغت أذن ميت قد عفا أثراً.. لهب منتفضاً في اللحد نشوانـا

نور عينيك سر الله أرسله.. ليملأ الكــــون آلاء وإيمــــانــا

لولا روائعك المثلى لما نطقت.. آلهة الشعر والفنان ما كانـا

ظننت أني ثكلت الشعر من زمن.. فرحت أرفع بالإلهام صلبانـا».

من خلال هذه القصيدة نجد أن موقف الشاعر من المرأة لا ينفصل عن موقفه من الحياة فما حبه للمرأة وتعلقه بها إلا تعلق بالحياة وهرب من الموت. فالشاعر "الناصر" استقى صورة فنية من الطبيعة العامة ومن الإنسان صفاته وأفعاله.

وختاماً لا بد من الإشارة إلى أن عدداً من النقاد قد كتبوا رأيهم في شعره منهم صديقه الأديب "فاضل السباعي" الذي قال: «أعجبت بـ"علي الناصر" وقدرته مبدعاً وإنساناً وأحببته حب تلميذ لأستاذه، كان معتداً بملكته الشعرية اعتداداً بالغاً حتى إنه لينظر إلى صديقه الشاعر الكبير "عمر أبو ريشة" تلميذاً من تلاميذه وإنما الحظ واتى "عمر" وأخطأه».

الجدير بالذكر أن الشاعر "علي الناصر" رحل تاركاً لنا عدداً من دواوينه المطبوعة وهي: "قصة حب" 1928، "الظمأ" 1931، "السريال" 1947، "اثنان في واحد" 1968، "هذا أنا" 1961، وله نماذج شعرية مخطوطة منها: "قصة أيام" ، "قصة الكون الثاني"، "الأغوار"، "الجديد". إضافة إلى عدد من المؤلفات في القصة والمقالة والترجمة منها: "البلدة المسحورة" (قصة) 1935، "دن الدموع" (قصة) 1954.