كانت آلة "الجرجر" قبل قرن توجد في كل البيوت الريفية لشدّة حاجة الأهالي إليها أثناء موسم الحصاد، وخلال العمل عليها كانت تقام طقوس جميلة حولها تحتفظ بها ذاكرة من عاشها حتى اليوم.

مدونة وطن "eSyria" التقت الجدّ "محمّد المحمّد" من قرية "قلعة الهادي الغربية" بتاريخ 14/11/2013 للتعرف على آلة "الجرجر" المحلية الصنع وعن ذكرياته مع تلك الآلة، فقال: «عمري الآن يقترب من المئة عام، وحضرتُ ولسنوات طويلة أجواء وفعاليات وجود تلك الآلة وأهميتها في قرى "القامشلي"، وكانت في الماضي تقوم مقام الحصادة الحديثة الآن، حيث كانت تُصنع عند بعض المهرة في النجارة بالمدينة وتوجد في كل بيت ريفي تقريباً، لأن الحاجة إليها كبيرة في المناطق الزراعية، وكانت وظيفتها خدمة حاجة الأهالي من "التبن"، من خلال طحن أغضان العدس والشعير والقمح لتحولها إلى "التبن" الناعم، وتقوم بفرز الحبوب أيضاً وتضعها في مكان بعيد عن "التبن"، وكان كل أفراد الأسرة يجتمعون في الصباح الباكر في ساحة كبيرة بعد تجهيز عدّتهم "والجرجر" لتنفيذ العمل».

يصعد شخص على الخشبة التي تقع أعلى "الجرجر" ليشكل ضغطاً عليها، وتقوم الدابة بالدوران حول الأغصان المنتشرة بشكل دائري بمساحة شاسعة، وشيئاً فشيئاً تصغر المساحة المنتشرة فيها الأغصان، فيبدأ الأهالي بإلقاء تلك الأغصان على "الجرجر"، وهم يرفعون أصواتهم بالغناء والضحك والتحدي لمن يلقي أكبر كميّة، وكانوا يتوقفون لدقائق يشربون الشاي ويسردون "النكت" للضحك، ومن ثم يعاودون حيوية العمل والنشاط في صور جميلة جداً

وأشار إلى أن الآلة تحتاج إلى مساحة دائرية واسعة نوعاً ما، لأنها تقوم بعملية الدوران اعتماداً على دابة ما، تمر من خلال القطع الحديدية التي تحملها على الأغصان فتطحنها وتحولها إلى "تبن"».

الباحث "جوزيف أنطي"

وتابع "محمّد" عن تفاصيل آلة "الجرجر" وقال: «تتألف من قطعتين من الخشب قاسيتين من الجانبين بطول المتر ونصف المتر، وقطعة خشبية في المقدمة بعرض نصف متر تقريباً وفي الخلف أيضاً، وهناك قطعة خشبية مربعة الشكل بطول /75/سم مخصصة لجلوس الشخص عليها أثناء عمل "الجرجر" ودورانها، وفي داخل الخشب وفي الأسفل تسند بالقطعتين الجانبيتين؛ وهما القطعتان الحديديتان اللتان تقومان بالطحن، كل واحدة دائرية الشكل قطرها يقارب المتر وعليها ما يقارب عشر قطع حديدية حادة حجم كل واحدة /13/سم، وتشبه تصميم الحصادة لكن بشكل صغير جداً، ورغم بساطتها وحجمها المتواضع إلا أنها أدّت ولسنوات طويلة عملاً عظيماً ومهماً للغاية، ولم يبق منها سوى الصور الجميلة في الذاكرة والمخيلة».

أما السيّد "نوّاف عمّي" من قرية "تل علو" فقد عاصر وجود "الجرجر" لفترة قصيرة وبعدها دخلت الحصادة إلى عالم الزراعة، وعن عملها قال: «يصعد شخص على الخشبة التي تقع أعلى "الجرجر" ليشكل ضغطاً عليها، وتقوم الدابة بالدوران حول الأغصان المنتشرة بشكل دائري بمساحة شاسعة، وشيئاً فشيئاً تصغر المساحة المنتشرة فيها الأغصان، فيبدأ الأهالي بإلقاء تلك الأغصان على "الجرجر"، وهم يرفعون أصواتهم بالغناء والضحك والتحدي لمن يلقي أكبر كميّة، وكانوا يتوقفون لدقائق يشربون الشاي ويسردون "النكت" للضحك، ومن ثم يعاودون حيوية العمل والنشاط في صور جميلة جداً».

الباحث التاريخي "جوزيف أنطي" تحدّث عنها بالقول: «عمرها أكثر من قرن، ولأن المنطقة كانت وماتزال زراعية بحتة فقد كانت الحاجة إلى تلك الأداة كبيرة، وقد تصدى لصناعتها وبجهود ذاتية أشخاص مبدعون من المنطقة الصناعية في مدينة "القامشلي"، وبعد أن واكب التطور الزراعي المنطقة من خلال وجود آلات زراعية ضخمة كالحصادة غابت "الجرجر" منذ عشرات السنين، ولم يعد يحتاج إليها الأهالي، ومن شدّة تعلق البعض بماضيها وإنجازاتها فإنهم يخلدونها في منازلهم، حيث وجدتها في بعض المعارض التراثية التي أقيمت في المدينة».