«هو آخر حبة في عنقود شعراء المهجر الجنوبي البارزين» كما قال عنه الأديب "عيسى فتوح" في محاضرته التي كانت بعنوان (من أدباء "حمص" في المهجر) التي ألقاها بتاريخ (6/2/2009).

يعد الشاعر المهجري "ميشيل مغربي" أحد مؤسسي العصبة الأندلسية وهو المولود في مدينة "الإسكندرية" من أبوين حمصيين في 16/11/1901 وانتقل والده إلى العالم الثاني قبل أن يرى وليده نور الحياة الدنيا بشهرين.

يطارد الشعر والشعر يطارده، فإن التقيا على غفلة من الأشغال المادية جاء بشعر غنائي بديع..

فأخذته والدته إلى "حمص" مسقط رأس والده وحاضنة تربة أجداده ولما بلغ أشده انتسب إلى الكلية الإنجيلية حيث نال الشهادة الثانوية وتمكن من ناصية البيان. وفي عام /1924/ هاجر إلى البرازيل حاملاً معه ديوانه الشعري "العواصف" باكورة إنتاجه الأدبي الذي نشره في عام /1922/. وفي المهجر عكف "ميشيل مغربي" على ممارسة التجارة مع المطالعة ونظم الشعر في أوقات الفراغ. ونجح "مغربي" في التجارة والشعر معاً، وفي هذا المجال يذكر "جورج صيدح" في كتابه (أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية) «يطارد الشعر والشعر يطارده، فإن التقيا على غفلة من الأشغال المادية جاء بشعر غنائي بديع..».

الباحث الأديب عيسى فتوح

طرق شاعرنا في مهجره أبواباً كثيرة من شعر الحياة ففتحت أمامه على مصراعيها كأبواب السياسة والفلسفة والاجتماع والنقد والوصف والمناجاة. وعنى عناية خاصة بالناحية الوطنية السياسية فكان صوتاً مدوياً في سبيل استقلال سورية وتحررها من الرجعية والتخلف.

زار الشاعر "مغربي" وطنه سورية سنة /1956/ بعد هجرة دامت (33) عاماً فما إن اكتحلت عيناه برؤية حجارها السود ولاح لهما نهر "العاصي" حتى اغرورقتا بالدموع فنظم قصيدة يقول فيها:

هذي تحية مدمعي الهطّال

يا أيها الوطن الحبيب الغالي

في يقظة ألقاك أم في غفوة

من بعد أعوام مررن طوال

وينتقل بنفس القصيدة إلى "حمص" ويتغنى بجمال رياضها وعبير أزهارها فيقول:

يا "حمص"، يا "حمص" الحبيبة مرحباً

بنسيمك المتعطر الأذيال

برياضك الغناء بالأزهار

بالأثمار بالأشجار بالأظلال

إن تنجبي الشعراء فلست بعاقر

من خالدي الشهداء والأبطال

وكما كتب عنه الأستاذ "أديب البستاني" في العدد الخاص الصادر بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس جريدة "حمص": «أحب "ميشيل" الناس وأحب لهم ثوب العافية وحياة الغبطة ولكنه أحب بلاده فوق جميع الناس فنظم عنها الكثير من الشعر فكان بقلبه وقلمه وعقله وخياله ابناً باراً لأمته وعاشقاً مولهاً لبلاده. حمل إلى العالم الجديد وجه الشرق السحيق، وجه شرق الأنبياء والحكماء والمبدعين».

وعاش "ميشيل مغربي" حياته في البرازيل، حاملاً حب وطنه في قلبه ووجدانه، دون أن يعرف للتعصب معنى، محارباً تجار الطائفية والإقليمية الضيقة من أجل أن تبقى كلمة بلاده واحدة، فإذا أطل عيد المولد النبوي احتفل مع إخوانه المسلمين بهذا العيد كأنه منهم، وكأن العيد عيد جميع المسيحيين:

ما لاح أضحى أو تألق "مولدُ"

إلا طربت كأنني أنا منهم

جوّدت آي الذكر في قرآنه

فإذا ملائكة البيان تحوّمُ

إني لفي قلبي المسيح وأحمد

ولفيه آمنةٌ تقيم ومريمُ

«لقد كان "ميشيل مغربي" شاعراً بارع الوصف، أوتي بصراً نفاذاً، وبصيرة قادرة. ظل طويلاً يمني النفس بطبع ديوانه الثاني (أمواج وصخور) منتظراً أن تستأنف دور النشر في لبنان نشاطها بعد الحرب، ولما يئس من الأمر دفع به إلى إحدى المطابع في البرازيل، وصدر الديوان بعد وفاته في حزيران /1977/ عن ستة وسبعين عاماً» كما قال عنه الأديب "عيسى فتوح".