خامس الخلفاء الراشدين الخليفة "عمر بن عبد العزيز" رضي الله عنه الذي لقّب كذلك لعدالته وتعففه وزهده...

هذا الضريح موجود في المقام المشاد بالقرب من المسجد المسمى باسمه في بداية "حي الأرمن" من جهة حي "باب الدريب" في مدينة "حمص".

وقد اختلف الباحثون والمؤرخون حول مكان الضريح الحقيقي، فقد أشارت العديد من الكتب التاريخية والمراجع المتنوعة إلى وجود أربعة أماكن يشار إليها بلافتات على أنها مكان ضريح الخليفة "عمر بن عبد العزيز" (ر) الحقيقي، ثلاثة منها في "حمص" وواحد في "غوطة دمشق"، وأغلب الظن أن السبب في هذا اللبس، هو إجماع المؤرّخين على أنَّ الخليفة "عمر" دفن في "دير سمعان" (المسعودي ج 3 ص 192-الطبري جزء 8 ص136- معجم البلدان ج2ص517 وغيرهم) لكنهم اختلفوا في تحديد موقع الدير لأنهم لم يستطيعوا معرفة أي "سمعان" هو المقصود هل هو "سمعان العمودي" أم "المتباله" أم "العجائبي"؟؟.

ففي معجم البلدان رجح "ياقوت الحموي" أن يكون "دير سمعان العجائبي" في غوطة دمشق هو المقصود.. أما "المسعودي" فقال: «إن دير سمعان من أعمال حمص مما يلي بلاد قنسرين..»، أما "الطبري" فاكتفى بقوله في "دير سمعان" فقط.

كانت "حمص" عند الفتح الإسلامي إحدى أجناد الشام الأربعة وهي: (جند دمشق، وجند حمص، وجند الأردن، وجند فلسطين)، ثم سلخت "قنسرين" ومعها "حلب" عن جند "حمص" في عهد الخليفة "يزيد ابن معاوية" أي قبل الخليفة "عمر" بخمسة وثلاثين عاماً مما ينفي احتمال وجود القبر قرب "دير سمعان العمودي" أو "دير سمعان" في أنطاكيا أو أي دير آخر شمال مدينة حماه وإلا لقال أحدهم إن القبر في بلاد "قنسرين" وليس "حمص".

أما عن احتمال وجود القبر في غوطة "دمشق" في "دير سمعان العجائبي" فهو احتمال ضعيف أيضاً لأن هذا الدير لم يكن ديراً للتنسك والتعبد، فهو كما وصفه المؤرّخون دير يجاور القصور والبساتين يؤمّه الزوار من كل حدبٍ وصوب لمشاهدة الكوة التي يظهر فيها خيال العجائبي.

أما المكان الذي سها عنه المؤرخون والذي هو المكان الأكثر ترجيحاً لاحتضان قبر الخليفة "عمر" (ر) فهو دير "مار سمعان المتباله" قرب أسوار مدينة حمص..

والسبب الرئيسي في عدم ذكر دير "حمص" كمرشح لاحتضان المدفن هو جهلهم بأنه كان في "حمص" دير من أهم أديار المنطقة بني على اسم القديس "سمعان المتباله" الحمصي (الصالوص) وكان عامراً في عهد الخليفة "عمر"(ر)، وقد مر به الشاعر "أبو فراس بن أبي الفرج البزاعي" فلما رآه خراباً بفعل زلزال مدمّر كان قد حصل في المنطقة غمّه ذلك فقال:

يا دير سمعان قل لي أين سمعان؟

وأين بانـوك خبرني متى بانـوا؟

أجـابنـي بلسـان الحـال إنَّهـم

(كانوا) ويكفيك قولي إنهم كانوا

وردت في (معجم البلدان ج 2 ص 517)

ولد الخليفة عمر (ر) سنة 63 هجرية، والده "عبد العزيز بن مروان"، ووالدته "ليلى أم عاصم" (جدها الخليفة "عمر بن الخطاب" ر).

توفي الخليفة العادل وعمره 38 سنة، دامت خلافته 29 شهراً وعدة أيام، وقد أصبح خليفة عندما كان في الخامسة والثلاثين من عمره فقعد للناس على الأرض بقميص واحد على حصير من القش كي يكون قريباً من الجميع.. وقد تبرع بأمواله ومجوهرات زوجته لبيت المال، وأعاد الجواري إلى بلادهن، ولما لم يبقى فقير اشترى بأموال الزكاة عبيداً وأعتقهم في سبيل الله كما ذُكر في سيرة حياته المدونة بجوار الضريح.

ومن الثابت حسب إجماع المؤرخين، أن الخليفة "عمر" (ر) كان قد اعتزل الحكم واعتكف في "دير سمعان"!! وتزهّد ولمّا شعر بدنو أجله اشترى من الراهب رئيس الدير مكاناً ليدفن فيه لأجل محدد ثم يعاد لمالكي الدير (معجم البلدان).

توفي الخليفة "عمر" (ر) سنة مئة وواحد هجرية فبكتـْه الأمة الإسلامية من الشرق إلى الغرب بكل فئاتها وشعوبها بكت أخلاقه ومناقبه وعدله وسماحته وحكمته..

إنه فخر كبير وفرح عظيم لنا جميعاً أن يحتضن تراب "حمص" أمير مؤمنين أجمع المسلمون على محبّته، وشهد التاريخ والعالم أجمع بعدله وأعماله البارة وصلاحه.