عمود روماني بارتفاع يزيد على أربعة أمتار، سبق لبلدية "اللاذقية" أن وضعته في أحد الحدائق المنصفة على أحد تقاطعات "الكورنيش الجنوبي" حمل اسماً غريباً، وكان من الأهمية المكان، أن أعطى اسمه للحي الذي وضع فيه فعرف بحي "العمود" أو حي "عمود سنكليس".

كثير من أبناء "اللاذقية" لا يعرفون مصدر كلمة "سنكليس التي يرددونها" لكن البعض يقول أنه ليس الاسم الحقيقي بل إن التسمية محورة عن اسم لقديس مسيحي عاش في "اللاذقية" هو "سانت ألكسي" وقد حور أبناء "اللاذقية" اللفظ في كلمة واحدة.

توجد الآن في "روما" كنيسة خاصة بالعرسان تدعى "البازليك" تحمل اسمه، وهذا القديس معروف لدى كل الطوائف والكنائس المسيحية حول العالم، أي هو قديس جامع تكرمه جميع الطوائف

eSyria قررت البحث في أصل هذه التسمية، متوجهة إلى "الكنيسة المارونية في اللاذقية"، حيث التقينا الأب "جهاد ناصيف"، الذي أكد لنا صحة التحوير، وما سمعناه سابقاً عن وجود قديس عاش في ذلك المكان، بقصة رواها قائلاً:

طريق القطار حيث كانت المغارة

«في القرن الرابع الميلادي عاش في مدينة روما الإيطالية شاب يدعى "ألكسي"، رغب في السفر إلى سورية لزيارة الأماكن المقدسة، والعيش فيها كناسك، وكان ذلك الشاب ابناً لحاكم "روما"، وكان ينوي تزويجه معارضاً أن يصبح ابنه ناسكاً، ولذلك قام بتكليله رغماً عن إرادته، ولكن الشاب في يوم زفافه استطاع الهرب بعيداً حيث اختار قارباً متجهاً إلى الشرق.

شاءت الظروف أن يرسو هذا القارب على شاطئ مدينة "اللاذقية" حيث المنطقة المعروفة حالياً باسم "الكورنيش الجنوبي" وهناك توجد مغارات طبيعية، مع عين ماء ينبع من إحداها، فقرر الحياة فيه ناسكاً متعبداً، قبل أن يتابع سيره إلى "الرها" في "القامشلي" والى "القدس" من بعدها.

صورة من منتصف القرن الماضي لمغارة سنكليس

لم يستطع "سانت ألكسي" العودة إلى "اللاذقية" بعد إنهاء حجه، بل عاد به المركب مجدداً إلى وطنه الأم، هناك عاش في قصره غريباً تحت درج القصر».

كما تحدث الأب "جهاد" عن مكانة القديس "ألكسي" في الثقافة العالمية، حيث «توجد الآن في "روما" كنيسة خاصة بالعرسان تدعى "البازليك" تحمل اسمه، وهذا القديس معروف لدى كل الطوائف والكنائس المسيحية حول العالم، أي هو قديس جامع تكرمه جميع الطوائف»

عمود غرانيتي عثرت عليه esyria مطموراً تحت رمال الشاطئ

أما عن سبب ارتباط اسم القديس "ألكسي" بالعمود أو الأعمدة التي كانت موجودة فقالً:

«لجأ القديس "ألكسي" إلى تلك المغارة حيث نبع الماء في فترة كانت تنتشر في سورية حركات دينية مختلفة، مثل تلاميذ القديس "سمعان" "العموديين" وتلاميذ القديس "مار مارون"، ويأتي وجود هذا العمود كتأكيد على تأثره بهذه الحركات، وانتمائه لها، ولا توجد وثائق تؤكد حقيقة كونه العمود الحقيقي الذي استخدمه القديس، ولكن وجوده في ذلك المكان قرب المغارة التي تحمل ذات الاسم، ونبع الماء أيضاَ، هي إشارات كبيرة تؤكد هذه الفكرة»

الآن يسعى الأب "جهاد" لتأكيد هذه الفكرة، التي تؤكدها بعض المراجع ونفتها أخرى، وهو يقوم بمجموعة من الدراسات حول ذلك، برغم أن المغارة التي تقع على "الكورنيش الجنوبي" بين مجموعة من المغارات الأخرى قد أزيلت قبل عقود، عندما تم تنفيذ خط القطار الذي يصل مرفأ "اللاذقية" بالمحطة، كما جفت مياه نبع الماء، إلا أن صورة فريدة للمغارة التقطت في منتصف القرن الماضي، تمتلكها الكنيسة المارونية في "اللاذقية"، توضح مدخلاً مبنياً من الحجارة، خلفه مغارة تصل إلى النبع المذكور، كان القديس يستخدمها في تلك الفترة..

لإيضاح الصورة بشكل أكبر توجهت esyria إلى الموقع المقصود، حيث كان يوجد مجموعة مغارات تدعى "مغاور النساك" أزيل معظمها ولم يبق لمغارة "سنكليس" أثر، كما أن عين ماء "سنكليس جفت هي أيضأً، ولكن عموداً من "الغرانيت" عثرنا عليه مطموراً تحت رمال الشاطئ، عزز قناعتنا بأن تلك المنطقة كانت فعلاً مكاناً للنسك، وربما لم يكن القديس وحده من لجأ إليها بل إن مركزاَ دينياً للحركة العمودية كان هناك بدليل وجود أكثر من عمود.

إن جهود الأب "جهاد" لا تقتصر فقط على الدراسة، فهو أيضاً يسعى لبناء كنيسة في الموقع المذكور، وعن ذلك يقول:

«أسعى لأن احصل ولو علي 150 متراً في ذلك المكان لأعيد بناء الكنيسة المفقودة ومشروع كهذا يحقق للبلد مكاسب هامة فتحظى "اللاذقية" بقيمة سياحية مضاعفة نظراً لأهمية مكانة القديس "ألكسي"

في العالم» .