كما في الخيال تتراكم البيوت منذ قدم التاريخ فوق بعضها متلاصقة ومتناسقة ومؤلفة نسيجاً عمرانياً قديماً يعود وقفه إلى أوقاف "القدس" مع أنه في وسط مدينة "اللاذقية"، وكأنه مدينة داخل مدينة تعود بك إلى بدايات العام (1900) حيث كان مكاناً ليتلاقى فيه الحجاج الأرمن ليأخذوا قسطاً من الراحة أثناء سفرهم إلى مدينة "القدس" ليقوموا بمناسك الحج ويتلاصق هذا المكان بكنيسة "السيدة العذراء" للأرمن الأرثوذكس والتي تعود بتاريخها إلى (1245)م ومع بداية المذابح الأرمنية قدم عدد كبير من الأرمن النازحين وقطنوا بمكان الحجاج والذي يدعى "هيكيدون" ومع مرور السنين أصبح يدعى بـ "كيدون الأرمن"...

وهو مكان معروف له باب رئيسي يغلق في الليل وتقيم فيه مجموعة كبيرة من أتباع الطائفة الأرمنية(الأرثوذكس والكاثوليك) بالإضافة إلى عدد من مسيحيي الطوائف الأخرى ومعناه في اللغة الأرمنية "بيت الروح".

كنا في الكيدون نقوم بمساعدة الثورات التي انطلقت في "اللاذقية" ضد الفرنسيين فكنا نخطط معهم ونقدم المأوى للثوار ونخفيهم ضمن الكيدون ونقدم لهم الطعام، وكان عمري في ذلك الوقت حوالي 14 سنة كنت أقوم مع الشباب بتقديم الدعم للثوار وأقوم بنقل المياه والطعام لهم

موقع eLatakia التقى أحد المعمرين وهو السيد "كرابيت أغوب فارامانيان" والذي ولد في الحي في عام (1933) وهو الأكبر سناً ممن يقطنون في الكيدون والذي حدثنا عن تاريخية الكيدون بالقول: «أنا ولدت في الكيدون ومنذ طفولتي كان هناك عدد كبير من المنازل في الكيدون وكان يمتد على مساحة أكبر حيث يصل إلى الشارع الرئيسي وفي وقتها لم يكن موجوداً وهذا المكان تبلغ مساحته حوالي "أربع دونمات" وكان يسكن فيه حوالي مائة عائلة بعضهم هاجر إلى "أرمينيا" وبعضهم ذهب لفترة قصيرة من الزمن ثم عاد ثانية، كان في الكيدون "أووش" يقيم فيه حوالي عشر عائلات وكان للكيدون حماماً مشتركاً يتقاسمه جميع من في الحي حيث شكلوا مع الوقت عائلة واحدة أما الماء فكان للكيدون صنبور ماء مشترك له مكانان للمياه يسقى كل من في الحي الكبير».

الاطفال يلهون بحرية

وعن عمر الكيدون والعمل والإقامة فيه أضاف: «في عام 1917ـ 1918 تم التأسيس الحقيقي للكيدون حيث كان في السابق مكان لتجمع الحجاج ومع القدوم الكثيف للأرمن أصبح ملجأ وسكناً من الصعوبات، كما أنه بدأ يأخذ شكله الحقيقي بمفهوم الحي في عام (1945)م حيث تم وضع باب جديد مع الوقت بدلاً من الباب الخشبي القديم ليحمي سكان الكيدون ليلاً. عمل معظم من في الكيدون بأعمال حرفية وأتقنوها فمنهم المكنسيان ومنهم من كان يعمل في النقل وكانوا جميعاً يتعاونون في المناسبات وفي أوقات الشدائد وكان الكيدون هو مكان تجمع لكل القادمين من الطائفة الأرمنية القادمين من أرمينا للحج كان الجميع يداً واحدة ليتغلبوا على قسوة الحياة في بداية القرن العشرين والذي عانى منه كل سكان المنطقة نتيجة الفقر».

شارك أهالي الكيدون في الثورة التي قامت ضد الفرنسيين عن ذلك يضيف السيد "كرابيت": «كنا في الكيدون نقوم بمساعدة الثورات التي انطلقت في "اللاذقية" ضد الفرنسيين فكنا نخطط معهم ونقدم المأوى للثوار ونخفيهم ضمن الكيدون ونقدم لهم الطعام، وكان عمري في ذلك الوقت حوالي 14 سنة كنت أقوم مع الشباب بتقديم الدعم للثوار وأقوم بنقل المياه والطعام لهم».

السيد "كرابيت أغوب فارامانيان"

  • ما الخدمات التي قدمت للكيدون؟
  • ** في البداية كنا نستخدم صنابير المياه العامة ومن ثم قامت مجموعة من العائلات في البداية بالاشتراك بساعة المياه وتم تمديد الخراطيم للمنازل ومع الوقت قامت البلدية بمد قسطل مياه تم تفرعه إلى كل المنازل في الكيدون ومع الوقت بدأنا نرمم المنازل التي كان أغلبها مبنياً من الطين والحجارة والتوتياء مع المحافظة على الشكل التقليدي والقديم للممرات الضيقة والغرف المتعلقة ببعضها وفوق بعضها البعض ولاتزال ساحة الكيدون يجتمع فيها الأهل والأقرباء ويحتفلون بالمناسبات الدينية الخاصة وقد تم تبليطها بالإسمنت المسلح.

    بدرج حديدي يصل منزله