نقصٌ في الاهتمام أم تجاهل موروث؟ شراعان أساسيان لموضوع الحراج منذ زمن طويل، لكنّ هذه الثروة الوطنية الهامة تبقى الهاجس الأهم لدى غالبية المجتمع الريفي الذي اعتاد على حمايتها والاستفادة منها قبل عقود، وبانتظار إيجاد الحلول المناسبة والنهج التشاركي بعد أربع سنوات من انطلاق مشروع السياسة الحراجية.

فبعد سنين طويلة على مفترق الطرق، تمكنت مسألة الحراج من اختيار وجهتها الصحيحة، لتصل إلى الحلول المناسبة بما يسمح بالاستثمار والحماية وفق أسس علمية وتشاركية، حلولٌ ما تزال رهن الإجراءات الفعلية من قبل "وزارة الزراعة".

بفتح الذاكرة والعودة إلى الوراء قليلاً وبنظرة متمعنة إلى الحراج في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في محافظة "طرطوس" سنجد التالي: تجمعات سكنية في الأرياف حولها حواكير صغيرة من الأرض الزراعية للحاجات المنزلية يليها وبشكل ملاصق الحراج ويلي ذلك الأراضي الزراعية فالحراج

ومحافظة "طرطوس" التي تعد من أهم المحافظات الحراجية في القطر، تترقب كغيرها التغيرات المنتظرة منذ انطلاق المشروع لفترة لم تلحظ خلالها تحريك ساكن في هذا السياق، أما واقع علاقة المجتمع المحلي قبل عدة عقود مع الحراج فيصفه رئيس "دائرة الحراج حسن صالح" بأنّه أكثر فاعلية، وفي حواره مع موقع eTartus يقول: «بفتح الذاكرة والعودة إلى الوراء قليلاً وبنظرة متمعنة إلى الحراج في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في محافظة "طرطوس" سنجد التالي: تجمعات سكنية في الأرياف حولها حواكير صغيرة من الأرض الزراعية للحاجات المنزلية يليها وبشكل ملاصق الحراج ويلي ذلك الأراضي الزراعية فالحراج».

حراج قريبة من تجمعات سكنية

ويضيف: «هذه التركيبة البيئية الاجتماعية لم تقم بها إدارة الحراج التي كانت قائمة آنذاك، بل أقامها المجتمع المحلي عندما كانت الحراج تشكل سلسلة غذائية هامة ومتاع له ولأنعامه يتناول منها فوائد مباشرة، وكان يطلق على هذه الحراج مفهوم "الحمي" أي حماية ذاتية من قبل المجتمع، حيث كان يقسم رجال القرية يميناً على كتاب الله بالمحافظة عليها ومنع الآخرين من المساس بها ويدخرونها إلى أيام الشدّة, أيام الشتاء العاصف كمصدر علفي بمتناول اليد وبشكل مباشر إضافةً إلى فوائد أخرى جمة ووفق الحاجة الفعلية».

وبالانتباه إلى أهمية الحراج وتأثيرها البيئي الهام تم التوجه نحو زيادة مساحاتها وبمشاركة المجتمع المحلي في العمل دون إشراكه في المنفعة كما يبين: «انطلقت حملات التحريج الواسعة في منتصف السبعينيات إلى أواخر الثمانينيات وتكلفت الحكومة مبالغ طائلة لإنجاز هذا الموضوع الحضاري البيئي الكبير، وبالتأكيد شارك في تنفيذ هذه العمليات المجتمع المحلي من خلال عمل يومي مأجور، لكنّ إدارة الحراج ارتكبت آنذاك خطأً كبيراً؛ كونه لم يتم الانتباه أثناء القيام بهذه العملية الكبيرة إلى الجانب الاجتماعي الذي كان من المفترض أن يتأطر ضمن الجانب التشريعي الذي يدير المسألة الحراجية في "سورية"».

حراج في منطقة "القدموس"

أما موضوع استصلاح مساحاتٍ حراجية وتحويلها إلى زراعية، فربما اعتبره البعض لمنفعة اقتصادية، لكن قد يكون للبعض الآخر كصبّ الزيت على النار، أو كما يعبّر رئيس "دائرة الحراج": «عندما انتهى المجتمع المحلي من العمل المأجور في تحريج مساحات واسعة لأراضي الدولة وأراضٍ كان سابقاً يضع يده عليها ليجد نفسه خارج الملعب وبحقوق هزيلة أغلبها ضبابي ووهمي، وبدأ الهجوم المعاكس على الحراج وخاصةً مع افتتاح أعمال التحديد والتحرير وفصل الملكيات، وتحول الكثير من الأراضي الحراجية إلى أراضٍ زراعية تتعرض لأقسى عوامل الانجراف والحت والتعرية، ولو بقيت حراجية وأديرت بالمنطق العلمي البيئي الاجتماعي وتأطرت وتحسنت الفوائد المباشرة للناس لكان الخير أعم والنفع كبير ولتم توفير هدر لثروة هائلة بيئياً ومادياً للمجتمع والدولة على حد سواء وللمجتمع قبل الجميع».

تلك التغيرات الجذرية لهوية المناطق الحراجية والمستفيدين منها أدت إلى بعض الفوائد، لكنها جاءت مصحوبة بأصناف جديدة من السلبيات والمتاعب، فهل وجد المعنيون حلاً لها؟ يجيب المهندس "حسن": «أفرز هذا الوضع الجديد العديد من المشاكل التي تراكمت مع مرور الزمن وجرت محاولات عديدة لحلها وإصلاح ما أفسد الدهر, ولكن للأسف الشديد جميع هذه المحاولات لم تأخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي ورؤى المجتمع المحلي ولم تحفزه لحل هذه المشاكل، وكانت جميع هذه الحلول مصنفة ضمن باب "الارتجال" وذلك لعدم مشاركة المجتمع المحلي صاحب العلاقة المباشرة في إيجاد الحلول المناسبة ولعدم وجود سياسة حراجية في "سورية" ذات أهداف واضحة مقنعة».

وبعد أن أثبتت تلك المحاولات عجزها وفشلها، وبجهود مشتركة ودعم خارجي وداخلي انطلق مشروع السياسة الحراجية، كما يبين: «وبعد طول انتظار وبرعاية السيد وزير الزراعة ومنذ حوالي أربع سنوات أي عام 2006 وبدعمٍ فني ومالي من "منظمة الأغذية والزراعة العالمية FAO"، بمشاركة فعالة من ممثلين عن المجتمع المحلي والمؤسسات والمنظمات المحلية ذات العلاقة وإدارة الحراج وخبراء وأكاديميين دوليين ومحليين, انطلق مشروع السياسة الحراجية في "سورية" وعلى مرحلتين».

أما النتائج بناء على هذا المشروع: «تم عقد العديد من ورشات العمل في المحافظات الحراجية التي تعاني أكثر من غيرها من المشاكل الحراجية على مستوى العاملين في الحراج أو المجتمع المحلي والمؤسسات ذات العلاقة، وتمّ طرح جميع المشكلات التي يعاني منها القطاع الحراجي في "سورية" إدارياً وفنياً وتشريعياً بكل شفافية ووضوح من قبل جميع المشاركين، واقترحت الرؤى والحلول المنطقية الواضحة والمُرضية للجميع والتي تدفع المجتمع المحلي إلى التشاركية الطوعية في حماية وتطوير الحراج وإدارتها بشكل مستدام».

و كما يبيّن فأهمّ ما توصلت إليه تلك المشاركات إزالة الغموض المتعلق بموضوع الحراج، وبينت للجميع بأنّ:

  • العقلية التي تدار بها الحراج في "سورية" غير صحيحة.

  • التشريعات التي تحكم هذه المسألة مقتضبة غير شاملة ضبابية في مواقع عديدة, تضيع حقوق الدولة والمجتمع والعاملين في الحراج في كثير من أبوابها وفصولها.

  • عدم وجود سياسة حراجية واضحة الأهداف يمكن من خلالها وضع إستراتيجية للوصول إلى الأهداف».

  • وبحسب رئيس "دائرة الحراج" فالرؤية المستقبلية الواضحة لحل جميع هذه المشاكل قد مكنت من التوجه إلى:

  • صياغة سياسة حراجية في "سورية" تؤطر العمل الحراجي وتحدد الأهداف وتضع الإستراتيجية للوصول إلى الأهداف.

  • وضع هيكلية جديدة لإدارة الحراج تيمناً بالبلدان التي كانت تعاني من نفس المشاكل، ووصلت إلى حلول هيكلية تتكون من بنية إدارية قوية قادرة على اتخاذ القرار الذي يدفع المجتمع المحلي إلى التشاركية الطوعية في حماية الحراج وتطويرها والمشاركة بإدارتها بشكل مستمر، وقادرة على المتابعة والتقييم المستمر وحساب النتائج لمنع الوقوع في الأخطاء وإجراء التعديلات المستمرة للوصول إلى أفضل النتائج.

  • صياغة تشريعات حراجية جديدة توصل إلى حسن تطبيق السياسة الحراجية وتأطير تحقيق النهج التشاركي ضمن تشريع واضح شامل عادل دقيق يعالج أدق التفاصيل دون ارتجال أو تحيّز أو ضبابية.

  • وبعد هذه التحاليل والتوجهات فالحراج بالنسبة للكثيرين لن تكون ثروة وطنية إلا باقتران الأقوال بالأفعال: «وكان الارتياح كبيراً عندما تمّ التوصل إلى هذه الخطوة الرائدة وللمرة الأولى في "سورية" وبشكل حضاري مضمون النتائج يوصل هذه الثروة الهامة إلى بر الأمان ويطورها، ويبقي تنفيذ ما تم التوصل إليه برسم "وزارة الزراعة" وإدارة الحراج، ونأمل ألا يتأخر التنفيذ لأنّ التأخير سينعكس "سلباً ويزيد المشكلة تفاقماً"».