يحتفظ الجامع الأموي في مدينة "حلب" بأهم آلة توقيت حتى اليوم، ويعتبر "الإسطرلاب" واحداً من آلات القياس التي استخدمها المسلمون لضبط مواقيت الصلاة.

ولا تزال "حلب" تحتفظ بساعات تراثية لا مثيل لها، وتعتبر قمة إنجازات الحضارة العربية في مجال المواقيت.

يمزج الإسطرلاب بين وظائف الساعة الشمسية، والأبراج الفلكية، لتبيان مغرب التساوي ومشرق التساوي، إضافة إلى خط الزوال ومواقيت العصر والمغرب.‏ وقد حفرت ستة جداول حسابية على صفائح من النحاس مثبتة على حجر القاعدة يستعين بها ميقاتي الجامع

مدونة وطن eSyria بحثت في كتب ومراجع التاريخ "الحلبي" بتاريخ 22/6/2013 حيث اتفق كل من مؤرخي حلب الشيخ "كامل الغزي" و"راغب الطباخ" حول الإسطرلاب بالقول: «أول من صنع الإسطرلاب "عبد الحميد ددة" عام 1881 م، ويعتبر أهم آلة توقيت زمنية باقية حتى اليوم، وما لبث "ددة" أن صنع مثله للسلطان العثماني "عبد الحميد الثاني" ليوضع في قصره "سراي يلدز" في مدينة اسطنبول.

ساعات المزاولة الشمسية

يتوضع هذا الإسطرلاب على قاعدة رخامية وبغطاء نحاسي لا يفتحه سوى ميقاتية الجامع، حيث دلت الجريدة الرسمية في العهد العثماني على وجود موظف مختص يُعرف بالميقاتي ويتقاضى راتباً شهرياً لضبط مواقيت الصلاة، حيث يُعطي الإشارة لمؤذن الجامع فيبدأ بالأذان بينما يحمل مساعده علماً أخضر يدور به الجهات الأربع لمئذنة الجامع فيراه مؤذنو الجوامع الأخرى ليبدؤوا أذانهم وعبر هذه الطريقة كانت تنطلق مواقيت الصلاة من الجامع الكبير إلى الجوامع الحلبية الأخرى».

وأضاف الباحثان: «فاق العرب المسلمون غيرهم من الشعوب والأمم في صنع هذه الآلة لاهتمامهم بالوقت واتجاه القبلة، وصنعوها بكل الأحجام والقياسات، و"الإسطرلاب" هو آلة فلكية قديمة أطلق عليها العرب "ذات الصفائح"، وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد، وقد رسمت السماء على وجه الإسطرلاب بحيث يسهل إيجاد المواضع السماوية عليه، كما كانت تحل المسائل المتعلقة بأماكن الأجرام السماوية، مثل الشمس والنجوم، والوقت أيضاً، واستخدم "الإسطرلاب" كساعات جيب لعلماء الفلك في القرون الوسطى».

ويشير الباحث "محمد مجد" بالقول: «ورثت "حلب" علم الفلك البابلي والحثي والآرامي، ومع تحولها الى حاضرة عربية إسلامية صارت تهتم بمواقيت الصلوات الخمس، فأقيمت المزاول الشمسية على كل حائط في جوامعها خصوصاً، كما تمت الاستعانة بالإسطرلاب، والآلات الفلكية التي تجمع بين الساعة الشمسية والإسطرلاب، ولا يزال جدار الرواق الشرقي للجامع الأموي خط الظلّ المحفور على الجدار وهذا مخصص لمعرفة وقت الزوال أي الظهيرة وذلك بانحسار الجدار القائم فوقه، عندها يحل أذان الظهر، أما الرخامة الجنوبية على واجهة الرواق الشمالي فقد حفرت عليها خطوط متفاوتة الطول بينها زوايا متفاوتة الدرجة على هيئة نصف دائرة كبرى انطلاقاً من دائرة صغرى تم تثبيت مؤشر معدني في مركزها، وحين يقع ظله على أحد الخطوط يكون قد دلّ على توقيت معين».

وأضاف: «يمزج الإسطرلاب بين وظائف الساعة الشمسية، والأبراج الفلكية، لتبيان مغرب التساوي ومشرق التساوي، إضافة إلى خط الزوال ومواقيت العصر والمغرب.‏ وقد حفرت ستة جداول حسابية على صفائح من النحاس مثبتة على حجر القاعدة يستعين بها ميقاتي الجامع».

ويذكر د."محمود حريتاني" بالقول: «كان الجامع الأموي في "حلب" مركزاً لتدريس علم الفلك، وممن اشتهروا من علماء الفلك والمواقيت: ‏الشيخ "خليل بن احمد" المعروف "بابن النقيب" المتوفى عام 1563م و"أحمد آغا" المعروف "بالجزار"، الذي ألّف زيجاً في بروج الأفلاك ودلالات الكواكب وكيفية معرفة طول البلاد وعرضها، كما وضع تقويم النيربين، كما ظلّت وظيفة ميقاتي الجامع الأموي في حلب متوارثة في أسرة عبد الله الحنبلي الميقاتي منذ أوائل القرن السادس عشر ميلادي، ومن أحفاده الشيخ كامل المؤقت المتوفى 1920، بعد أن نقل إلى ولديه "أحمد" و"محمد" معارفه وعلومه الفلكية، لكنهما قتلا في إحدى معارك الحرب العالمية الأولى كما يؤكّد الشيخ راغب الطباخ ثم يقول: وبهذا خلت الشهباء من عالم بالفلك والمواقيت».