من إحدى أقدم المدن في العالم " حلب " المدينة ذات الطابع الخاص، ففي الماضي كانت المركز الاقتصادي لسورية ولا تزال، فضلاً عن كونها عاصمةً للثقافية الإسلامية التي احتفلت بها في العام المنصرم، حلب أكبر بكثير من أن تكون المدينة الثانية في سورية.

وفي عام 1986م أُعلنت المدينة القديمة بحلب جزءاً من التراث العالمي من قِبل منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة.

في حلب ماضٍ مجيد يظهر في كل مكان في العمارة، القلعة، الأسواق التقليدية، في البيوت القديمة والثقافة والفلكلور والموسيقى والحرف اليدوية الذين تمت حمايتهم بعناية من قِبل أهلها وناسها، حلب تفتخر بأصولها الذي يمتد تاريخها لأكثر من ألف عام هي ذاتها التي تشتهر بنوعية الحياة والضيافة الأسطورية، إنها جنة بانتظار أن تُستكشف.

منظر من داخل البيت

إلى داخل البيت الحلبي: يتكون البيت الحلبي من نموذج بناء منفتح نحو الداخل، ومنغلق تجاه الخارج، ويمثل صحن البيت روح هذه الفكرة وعمودها الفقري، بل حياة الأسرة بأكملها، وهذا النموذج من البناء هو النموذج الشائع في الشرق منذ أجيال عديدة، ويظهر أكثر شيوعاً وانتشاراً في أحياء حلب القديمة، فصحن الدار المكشوف، الذي يسمح برؤية كل أرجاء السماء الواسعة، يمثل نواة البيت الحلبي حيث تصطف حوله الغرف في طابق واحد أو طابقين ولا يمكن للمرء الدخول إليه إلا من الصحن بغض النظر عن بعض الاستثناءات القليلة، وبهذا النظام يضمن الساكن خصوصيته التي لا يسمح لأحد أن يشاركه فيها.

ولصحن الدار وظيفتان: الأولى توزيعيه حيث يتم الانتقال منه إلى الغرف المنشودة، والثانية تجميعية يلتقي فيه مساء كل أفراد الأسرة يتجاذبون أطراف أحاديث السمر، وعندما يكون الجو صحواً يتناولون فيه وجبة العشاء.‏

من أحد غرف البيوت الحلبية

يتألف البيت الحلبي عادة من طابقين الأرضي ويضم عدداً من الغرف التي تواجه مساحة الدار بكاملها والعلوي الذي يحتوي غرف أخرى تسمى «المربعات» ويصعد إليها عن طريق سلم حجري مُشكَّل من لبنات ضخمة وعدد من الغرف والمربعات يكون طبقاً لمساحة الدار‏ واتساعها، وقد يصل عددها في الدور الواسعة إلى اثنتي عشرة غرفة هذا عدا عن الأقبية التي تستخدم لتخزين المؤن.

ويوجد في البيوت الحلبية مصاطب صغيرة تغطيها عرائش العنب، أُعدت خصيصاً للموسيقيين وأصحاب الطرب، الذين يمتعون المدعوين في المناسبات السعيدة والحفلات العائلية، وتبدو هذه البيوت متجهمة الوجه نحو الخارج منفرجة الأسارير في الداخل، وجدرانها صمّاء بكماء، لا يتخللها نافذة أو كوة، حتى لا يستطيع المارة استراق النظر عبر باب البيت ليعرفوا من بداخله، فالممر أو (الدهليز) المؤدي إلى صحن الدار، إما متعرج ليمنع رؤية من بالداخل، أو مستقيم، فيحجب صاحب البيت نظر الفضولي بواسطة ستارة عند المدخل.

المهندس محمود زين العابدين

معظم البيوت الحلبية التراثية الباقية إلى اليوم يعود تاريخها إلى الفترة الواقعة بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، وهي مشيّدة من الحجر، وتتميز من مثيلاتها في دمشق أن هذه الأخيرة مبنية من مواد هشّة لا تقاوم عوامل الزمن، ويستحضر الحجر من مكان قريب من حلب، ونظراً لطبيعة لونه المائلة إلى اللون الأشهب عرفت حلب بلقبها المشهور (الشهباء)، ويرتبط حجم البيت الحلبي واتساعه بالوضع المادي للسكان، وبناء عليه نجد بيوتاً بسيطة تحوي صحونها غرفاً قليلة على طرف واحد أو طرفين، في حين أن البيوت الكبيرة تحيط الغرف صحونها من ثلاث جهات، ومعظم هذه الغرف مشيّدة على طابقين، وقسم منها تحت الأرض على شكل أقبية، ولبعض البيوت صحن مستقل للتخديم، وتبلغ مساحة البيت الواحد الكبير منها نحو 900 م2 ولها ثلاثة صحون، أحدها للرجال وهو المعد لاستقبال الضيوف (المضافة)، والثاني لسكن العائلة (المسكن–السلاملك) والثالث للتخديم، ولا يوجد في البيت الحلبي وظائف محددة لكل غرفة، كما هو الحال في أوروبا باستثناء المطبخ والحمام، فغرفة المعيشة يمكن أن تستخدم للنوم، والمعروف في سورية أن الغرف تستخدم حسب فصول السنة، فالقسم المستخدم في الصيف يطلق عليه اسم (مصيَف) والقسم المستخدم في الشتاء يطلق عليه اسم (مَشتى)، فالحياة في البيوت القديمة تخضع لاعتبارات الطقس، ويتم اختيار الغرف المناسبة لحالة الجو.‏

أهم جزء في البيوت الحلبية الضخمة العائدة لطبقة الأعيان هو (الإيوان) وتلفظه العامة (ليوان) وهو عبارة عن قاعة مرتفعة السقف محاطة بثلاثة جدران يتجاوز ارتفاع سقفها طابقين، وبذلك تتسامى فوق كل واجهات صحن البيت، وتلفت إليها أنظار كل من هم في الصحن.‏

الإيوان جزء من طراز البناء العربي في سورية منذ القرن الثاني عشر الميلادي، ولا يقتصر على بيوت السكن فقط، بل نجده أيضاً في الأبنية العامة مثل الجوامع والبيمارستانات والمدارس.‏

وإذا كان للرسوم الخشبية الآدمية والحيوانية، سحرها المميز فأن الزخارف النباتية لا تقل بهاء ورونقاً عنها.. فتتألف اللوحات من خلفية حمراء توحي بالدفء، تغطيها باقات الزهور، وزهرات اللوتس، والقرنفل والزنبق.. تتوزع بينها ميداليات بيضاوية الشكل، وزخارف ذات أشكال هندسية مضلّعة، تحوي في داخلها كتابات، ونجد على اللوحات ذات الخلفية الخضراء أو الحمراء رسوماً على شكل سلسلة أغصان مزهرة، وأخرى مورقة دون انقطاع ومزهريات ملأى بالزهور.. وتشكل الكتابات المدوّنة على الخشبيات أفضل مثال على جمالية الخط العربي وتطوره..‏

وهذه البيوت كان قد بناها أثرياء حلب من المسلمين والمسيحيين في القرن الخامس والسادس عشر وهي تحفل منذ القديم ببعض الكنائس والأديرة وهذه الدور هي ( كان زمان) ( السيسي) و(الياسمين) و(زمريا) و(القنطرة) و(بيت وكيل) ومن هذه البيوت ما يمتد عمره لأكثر من 300 عام كبيت) كان زمان) ومنها ما يوجد فيه كهوف يمتد عمرها لأكثر من 1500 عام، كما الكهف الموجود في بيت الياسمين الموصل إلى قلعة حلب (كما يُقال) ومنها ما يعود لإحدى الأباطرة كبيت) السيسي) الذي حمل اسم إمبراطورة النمسا (إليزابيث) التي زارت البيت في الماضي وهو لا يزال بيتاً أثرياً .

لماذا البيت العربي ؟ يعبِّر أحد المهندسين المعماريين اليابانيين العاملين في ترميم البيوت العربية القديمة بحلب بقوله:

(( celui qui fait de choses mouvelles lorsquel a appris lestechmiques amciemmes cluila pour de vemir um maitre ((الرجل الذي يستطيع صنع أشياء جديدة ومعتمد على صناعة القدماء وبالتقنية القديمة.هذا الرجل سيصبح عالماً )) .

يقول الفنان التشكيلي أحمد عائشة إنَّ الغناء يتوسط البيت العربي وهو جزء أساسي منه وهذا ما أكسبه صفة مميزة مهمة, وتعود هذه الصفة إلى الفكر الإسلامي الذي كان له دور في تعزيز هذا النمط, وهو نمط معماري مختلف معماري مختلف ومتميز لأنه نتيجة الزخم الحضاري الذي نتج عن تأثير الحضارات السابقة وانتخب منها ما يناسب ذائقته ونتج بتوليفة لها خصوصياتها.

وإلى الآن ومع كل هذه الاتجاهات تبقى الرغبة ضعيفة للاتجاه نحو البيت العربي لأنَّ الإنسان الغربي فقط هو الذي يملك نظرة عن البيت العربي بأنه جميل أو يُستحق أن يُشاهد ويُعاش فيه وذلك لأنَّ الأجنبي يستطيع أن يرى تلك الهيئة المعمارية بنظرة موضوعية خاصة ومتميزة عن البيت العربي الذي لا يستطيع أن يجدها العربي ذاته في البيت العربي وللأسف. ونحن في عصر يبحث عن الاختلاف والبيت العربي والبيت العربي يؤدي هذا الاختلاف ضمن البلد، أي نحن لا يلزمنا تذكرة سفر لغرناطة لأن نعيش ببيت عربي بل على العكس أجدادنا وآباؤنا عاشوا ببيوت عربية فلماذا نتخلى عنها الآن ؟؟

والاهتمام بترميم البيوت يأتي على الأغلب من مصادر خارجية وذلك لوجود عوائق تحيل دون المساعدة في ترميم بعض البيوت العربية مثل (التراخيص وتنفيذ معاملاتها المعقدة...) وهناك كثير من البيوت هضم حقها في إعادة تأهيلها وترميمها بسبب هذه الحواجز، ومعظم البيوت التي رممت هي بجهود فردية محضة لأنها بالحقيقة مسألة الترميم مكلفة وتحتاج لوقت طويل وجهد مبذول وإما أصحابها مترفون أو لهم باع طويل في فن العمارة.

من صفات الأسرة السورية القديمة:‏ ولأن الأسرة السورية قديما لم تعتد على الخروج من الدار كثيراً ولا ترضى أن يراقبها أحد أو يطلع غريب على حياتها، جعلت من ساحة الدار مكاناً أشبه بالحديقة الغناء حيث تتوضع في وسطه بركة ماء مرمرية ترطب الجو وتعكس أرضيتها ضوء القمر والنجوم وتحتل أحواض الورود والزهور والياسمين جوانب الساحة كافة، وتنتصب أشجار الكباد والليمون والبرتقال ودوالي العنب في كل مكان.‏

حتى وكأن المعماري السوري في ذلك، أراد أن يخاطب فيما بناه وصنعه كل حواس الإنسان فأراه المناظر الخلابة حيثما التفت وجعله يستنشق عبير الورود ويسمع صوت خرير المياه وزقزقة العصافير، مخاطباً بذلك روحه وعقله وجاعلاً إياه يتأمل ويستوحي, ويقيم الاتصال المباشر مع الله والكون، لا مع الناس وهو في عزلته التامة عن العالم الخارجي .

بيوت حلب القديمة.... فنادق ومطاعم وقبلة للسياح‏: رغم أن دمشق هي السباقة في هذه الظاهرة إلا أن بيوتها تحولت إلى مطاعم ومقاهٍ دون الفنادق، ولن تقف حلب التي تنبهت فيما بعد لهذه الظاهرة مكتوفة الأيدي بل راحت تقحم نفسها في هذا الاتجاه ولكنها لم تكتف بالمطاعم والمقاهي فقط بل عمدت إلى تحويل بيوتها القديمة إلى مطاعم وفنادق أيضاً، وقد لاقى هذا الأمر كل الترحيب والرضا من قبل أثرياء البلد والمغتربين والسياح بمختلف جنسياتهم ولعل أكثر ما ساعد على نجاح هذه العملية في حلب، هي مدينة حلب ذاتها التي تعتبر من أقدم مدن العالم، هذا إضافة إلى تمركز مثل هذه البيوت في منطقة واحدة تعتبر من أهم مناطق حلب تاريخياً، وهي منطقة الجديدة وذلك فضلاً عن قيام أصحاب هذه المطاعم والفنادق بمعاملات مميزة لروادهم وزوارهم كالاتصال بهم من حين لآخر للسؤال عنهم والاطمئنان عن صحتهم حتى ولو كانوا خارج القطر، وإرسال الهدايا لهم في المناسبات والأعياد المتنوعة واختيار عناصر خدمة المطاعم والفنادق من المجازين والمؤهلين وممن يتقنون لغات عديدة.

وبهذا الأسلوب الذكي وغيره من الأساليب الأخرى المتنوعة استطاع أصحاب مثل هذه المشاريع في حلب، أن يوجهوا الأنظار إلى مدينتهم، حتى أصبحت هذه المدينة بفنادقها ومطاعمها الأثرية الستة وخلال فترة قصيرة قبلة للسياح والزوار، ومقصدهم الثاني بعد مدينة دمشق.‏

من المطاعم والفنادق إلى استوديوهات التصوير:‏ ولأن أغلب الدور السورية بحاراتها وشوارعها وأزقتها كافة، عاصرت العديد من الأحداث والوقائع المختلفة التي مرت على سورية خلال تاريخها الطويل فقد توجهت إليها أنظار المخرجين وصنّاع الدراما التاريخية وغيرها أيضاً لتصوير أعمالهم ومسلسلاتهم التلفزيونية ولاسيما تلك التي تتحدث عن حقب تاريخية قديمة وراحوا في كثير من الأحيان يغيرون معالمها ويبدلون خصائصها وسماتها لتصبح أكثر ملائمة للحدث الدرامي المراد تصويره، الأمر الذي أثر بشكل أو بآخر على طابع هذه البيوت وخصائصها المميزة، ومن هذه المسلسلات: خان الحرير وباب الحديد والعرس الحلبي وحي المزار وصهيل الألم.. وغير ذلك.‏

الاستثمار السياحي للبيوت التقليدية: يرى المهندس المعماري محمود زين العابدين مؤسس مركز شادروان للتراث المعماري في حلب أنَّ سورية شهدت في السنوات الماضية نهضة سياحية واسعة رافقها توجهٌ عمليٌ جادٌ في إعادة صياغة مفهوم الصناعة السياحية على الرغم من مقومات إيجابية ساهمت في إنعاش السياحة في سورية.

ومن أهم الاستثمارات السياحية التي انتشرت في سوريا إعادة توظيف البيوت العربية التقليدية وتحويلها إلى مطاعم وفنادق وقد انتشرت هذه الظاهرة بكثرة في مدينة حلب القديمة لانتشار عدد من البيوت التقليدية التي حافظت على هويتها المعمارية من قرون وكانت هذه البيوت مسكن ولاة حلب في العهد العثماني أو سكن التجار والأغنياء وكانت أشبه بمتحف يضم فنون العمارة الإسلامية، وقد رافق هذه التجربة عدة إيجابيات وسلبيات على الرغم من إشراف وزارة السياحة والمديرية العامة لآثار والمتاحف ومديرية الثقافة على أعمال الترميم والهدم والبناء لبعض أقسام تلك البيوت وبما يتناسب مع التراث المعماري العام كي تظل محافظة على هويتها المعمارية الخاصة بها.

ويبرز المهندس زين العابدين في كتابه (حلب عمارة المدينة القديمة نماذج وتجارب) بعضاً من الجوانب الإيجابية للتوظيف السياحي وجوانب أخرى تضفي بآثارها السلبية على الدور العربية كما يوضح لنا عن أهم العوامل التي أدت إلى هجرة البيوت العربية في رأيه.

فللتوظيف السياحي جوانب إيجابية أهمها :

  • المساهمة في صناعة السياحة بشكل عام و السياحة الثقافية بشكل خاص .

  • ترميم عدد من البيوت العربية التقليدية المهملة أو المهدورة المهددة بالانهيار مع إعادة توظيفها بالشكل اللائق لها.

  • جذب السياح نحو الأحياء الشعبية للتعرف إليها وللتعرف إلى عناصر البيت العربي التقليدي وإلى النمط المعيشي للسكان في السابق.

  • أما الجوانب السلبية فهي:

  • تشويه بعض البيوت العربية التقليدية بأعمال ترميمية غير مدروسة أو بسبب إضافات لا تنسجم مع الطراز المعماري العام للبيت.

  • هجرة بعض القاطنين المحافظين بعد أن فقدت الخصوصية لسكان الحي بسبب دخول الكثير من الأجانب والغرباء إلى الحي مما يتعارض مع العادات والتقاليد المتوارثة لخصوصية الحي.

  • إحداث اختناقات مرورية يصاحبها ضجيج وتلوث بيئي بسبب المركبات التي تعمل على البنزين الغني بالرصاص أو الديزل وبنسبة عالية من مادة الكبريت.

  • أما العوامل التي أدت إلى هجرة البيوت التقليدية: فقد شهدت العقود الثلاثة الماضية تراجعاً واضحاً في عدد ساكني البيوت العربية التقليدية للمدينة بسبب هجرتهم إلى المناطق الجديدة، فأدى إلى ترك من البيوت مهجورة ومهددة بالانهيار, إضافة إلى تحويل بعضها إلى ورشات للعمل أو تأجيرها للعائلات ذات الدخل المحدود أو المهاجرين من القرى والمدن المجاورة، ويعود سبب الهجرة إلى العوامل الآتية:

    1- العامل العمراني: مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي ظهرت توجهات تخطيطية جديدة فرضت فتح عدد من الشوارع العريضة ضمن النسيج العمراني القديم فأدى إلى فصل عدد من الأحياء بعضها عن بعض إضافة إلى انتشار عدد من الأبنية المتعددة الطوابق التي أصبح بعضها مطلاً على أفنية البيوت التقليدية وهذا ما أدى إلى خدش خصوصية البيت العربي، كما رافق ذلك إحداث الضجيج الناتج عن الحركة المرورية غير المدروسة وما رافقه من تلوث بيئي.

    2- العامل الاقتصادي: تميزت عمارة البيوت التقليدية بأنها تشغل مساحات واسعة وبسبب العدد الكبير لأفراد الأسرة ومع ارتفاع أسعار العقار وما يترتب عليه من التكاليف الإنشائية مما أدى إلى التوجه للسكن في الأبنية "الخرسانية "المتعددة الطوابق وضمن شقق سكنية ذات مساحات ضيقة وبتكاليف مادية أقل أو اللجوء إلى نظام الاستئجار لهذه الشقق وخاصة بالنسبة إلى الشباب المقبل على الزواج الذي لا يملك المبلغ الكافي شراء مسكن خاص به.

    3- العامل الاجتماعي: اختلفت العادات والتقاليد التي كانت منتشرة في السابق عن يومنا هذا اختلافاً كلّياً، فقد كان يسكن في البيت الواحد ثلاثة أجيال (الوالدان و الأبناء والأحفاد) وكانت مساحة البيت تتسع لهذا العدد الكبير من الأفراد ومع ظهور الاتجاهات الفردية ومن خلال استقلالية الأبناء وانتقالهم إلى بيوت أصغر، إضافة إلى التطور والثقافة الذَين رافقا المرأة وأصبحت تقضي وقتاً طويلاً خارج البيت كي تحقق دخلها المادي مما أدى إلى هجر هذه البيوت ذات المساحات الواسعة التي بات من الصعب جداً أن تعيش فيها أسرة صغيرة فتحولت هذه البيوت إلى ورش للحياكة أو النجارة أو غيرها من المهن الأخرى وتحوَّل بعضها الآخر إلى مستودعات لحفظ البضائع دون الاهتمام بصيانة هذه البيوت بل أدى سوء الاستخدام إلى تشويه هذه البيوت وتخريب بعضها أو تهدمها أحياناً.

    دور الجهات المعنية: أمام هذا التدهور الذي أصاب عدداً من البيوت التقليدية قامت الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة في محاولة جادة لإنقاذ المدينة القديمة وما تحتوي عليه من بيوت تقليدية فقد قامت لجنة حماية المدينة القديمة بتلقي طلبات سكان البيوت الذين يودون ترميم بيوتهم وساهمت بعض الجهات الغربية في الحفاظ على التراث العمراني لمدينة حلب القديمة ومن أهم هذه الجهات الحكومة الألمانية(BMZ/GTZ) التي اشتركت عام 1992م مع الحكومة السورية المتمثلة في (مجلس مدينة حلب) في افتتاح مشروع إعادة إحياء مدينة حلب وتم تشجيع عدد من الجهات للمساهمة في المشروع وذلك تحت إدارة المدينة القديمة وهي قسم خاص ضمن بلدية حلب فقاموا بإنشاء قسم دراسات للبنية التحتية وقسم للإدارة العمرانية وقسم الحماية البيئية في المحيط العمراني وقسم للاعتمادات المالية السكنية ومهمته تأسيس صندوق الطوارئ ليؤمن قروضاً معفية من الفوائد مما ساعد عدداً من السكان على ترميم بيوتهم فقد تم وضع 360 بيتاً في حالة إنشائية مستقرة.