كان لمدينة "حلب" عبر التاريخ دور بارز في الحضارتين العربية والإسلامية وكانت على الدوام مركز إشعاع فكري وثقافي، كما أكسبها موقعها الجغرافي أن تكون ممراً وملتقىً لمختلف الثقافات والحضارات البشرية فكانت أول مدينة سورية وفي منطقة الشرق الأدنى ككل تعرف فن الطباعة.

حول قصة "حلب" مع الطباعة وأول مطبعة عرفتها يقول المهندس والباحث "عبد الله حجار" لموقع eAleppo: «وُجدت في مدينة "حلب" أول مطبعة في الوطن العربي وبالأحرف العربية وذلك في العام 1704م وقد جلبها إلى المدينة البطريرك "أثناسيوس الدباس" من رومانيا وقد قام بصنع حروفها الشماس "عبد الله زاخر الحلبي"، وخلال وجودها في "حلب" طبع عليها /المزامير/ وبعض الكتب الدينية الأخرى».

وفي العام 1923 كان عدد مطابع "حلب" 14، ارتفع عددها إلى 16 في العام 1938 وإلى 38 في العام 1956 والى 48 في العام 1960، وهي تؤمّن الطباعة المحلية والجرائد والقرطاسية وبعض المجلات

وحول مصير تلك المطبعة قال "حجار": «حدثت في تلك الفترة خلافات مذهبية بين طائفتي الأرثوذكس والكاثوليك في "حلب" وقد دفعت تلك الخلافات إلى انتقال /أو هرب/ صاحب المطبعة الشماس "عبد الله زاخر" إلى لبنان في العام 1720 منفصلاً بذلك عن كنيسة "الدباس" الأرثوذكسية ليعتنق الكاثوليكية هناك، وقد اصطحب معه تلك المطبعة».

الأستاذ عبدالله الحجار

وختم: «ولكن يمكننا القول بأنّ بوادر النهضة الحقيقية في "حلب" ظهرت بتأسيس "المطبعة المارونية" التي أدخلها المطران "يوسف مطر" في العام 1858 حيث بدأت بطبع- إلى جانب الكتب الدينية- مقالات المفكرين "فرانسيس المراش" و"نصر الله دلال" وتوزيعها على الجماهير».

أما الدكتور "عبد الرحمن حميدة" في كتابه /محافظة "حلب"/-منشورات وزارة الثقافة السورية 1992 فقال: «تفتخر "حلب" بأنها أول مدينة في الشرق الأدنى عرفت فن الطباعة الحديثة فقد قامت فيها أول مطبعة جاءت من "فالاشيا" في العام 1704م وذلك على يد المطران "أثناسيوس دباس"، وابتداءً من ذلك التاريخ ظهرت عدة كتب دينية وتاريخية في "حلب" منقولة إلى العربية من اللغات الأجنبية، وفي العام 1730م أسس "أ. زاخر" مطبعة صنع حروفها بنفسه وطبع عليها /المزامير/ ولكن "المطبعة المارونية" التي تأسست في العام 1857م بجهود المطران "ج. مطر" تعتبر أول مطبعة حديثة في "حلب"».

المؤرخ الحلبي محمد راغب الطباخ

ويتابع الدكتور "حميدة": «وفي العام 1923 كان عدد مطابع "حلب" 14، ارتفع عددها إلى 16 في العام 1938 وإلى 38 في العام 1956 والى 48 في العام 1960، وهي تؤمّن الطباعة المحلية والجرائد والقرطاسية وبعض المجلات».

ويقول المؤرخ الحلبي "محمد راغب الطباخ" 1877 -1951 في كتابه /أعلام النبلاء بتاريخ "حلب" الشهباء/ ما يلي حول أسبقية "حلب" في فن الطباعة: «في كتاب /آداب اللغة العربية/ لجرجي زيدان– الجزء الرابع الصفحة 55 أنّ أسبق مدائن سورية للطباعة هي "حلب" فقد ظهرت الطباعة فيها بأوائل القرن الثامن عشر وطُبع أول كتاب في العقد الأول من العام المذكور».

ويضيف "الطباخ": «النهضة الأدبية التي عمت اليوم بلاد الشام كان بدؤها في مدينة "حلب" منذ أوائل القرن الثامن عشر وقد أحرزت لها الشهباء في ذلك العصر مجداً آخر وهي أنها سبقت كل البلاد الشرقية بفن الطباعة العربية، وكانت بعض مطبوعات لغتنا الشريفة نُشرت قبلها بالآستانة العلية لكنها كانت بحرف عبراني ثم طُبعت /المزامير/ في قزحية سنة 1610 بالحرف السرياني المعروف بالكرشوني أما الحروف العربية فكان ظهورها لأول مرة في "حلب" في العشر الأول من القرن الثامن عشر.

وأصل هذه المطبعة مجهول إلى اليوم فلا يُعلم من أمرها شيء ولعل حروفها حُفرت وسُكبت في مدينة "حلب" نفسها وهي حروف خشنة والطبع عليها غير متقن وإن كان جلياً نضراً وقد زعم العلامة "شتورر" في كتابه /المطبوعات العربية/ أنّ حروف مطبعة "حلب" هي حروف مدينة بكرش عاصمة الفلاخ، جلبها إلى "حلب" "أثناسيوس الرابع" البطريرك الإنطاكي وقد خطّأ المستشرق الشهير "دي ساسي" رأي "شتورر" لما وجد من الاختلاف بين حروف كتب بكرش و"حلب".

وكان "أثناسيوس" رحل سنة 1698 إلى بلاد الفلاخ ودخل على أميرها "حنا قسطنطين برنكوقال" ونال منه أن يسعى بطبع الكتب الطقسية باليونانية والعربية فأجاب الأمير إلى ملتمسه وعين له كاهنا كرجياً يُدعى "أنثيموس" ليحفر له حروفاً عربية ففعل وطبع في بكرش باليونانية والعربية كتاب /الليتورجيات الثلاث/ سنة 1701 ثم كتاب /القنداق/ ووزعها مجاناً على كهنة الروم ثم عاد "أثناسيوس" إلى "حلب" واهتم بطبع كتب أخرى طقسية في هذه المدينة ولا نعلم كيف توصّل إلى سكب الحروف ولعله استصحب معه الكاهن "أنثيموس" المذكور فحفر له حروفاً جديدة أو كان هو أتقن هذا الفن فعلّمه قوماً من الحلبيين».

وحول أهم الكتب التي طبعها "أثناسيوس" بأول مطبعة عربية في "حلب" يقول "الطباخ": «كتاب /المزامير/ طبع 1706 وهو ترجمة "عبد الله بن الفضل الإنطاكي" الكاتب الشهير– كتاب /الإنجيل الشريف/ طبع بقطع كبير سنة 1706– كتاب /الدر المنتخب/ من معاملات القديس "يوحنا فم الذهب" نقله عن اليونانية البطريرك "أثناسيوس" وطبعه سنة 1707– كتاب /النبوات/ طبع سنة 1708– /عظات أثناسيوس/ البطريرك طبع سنة 1711–/البركلستيون/ أو بالأحرى /براكليتكوس/ أي المعزّي طبع في "حلب" سنة 1711– كتاب /صخرة الشك/ وهو كتاب ينفي بعض العقائد التي تعلمها الكنيسة الرومانية طبع 1721 وأخيراً لا نعلم كيف انتهت هذه المطبعة وكيف بطلت آلاتها وتضعضعت حروفها».