ظهرت لمدينة "حلب" كما لغيرها ضواحي سكنية نشأت خارج الأسوار وهذا طبيعي في المدن القديمة المزدهرة، وقبل مائة عام ونتيجة لازدياد السكان وازدهار الحياة الاقتصادية توسعت مدينة "حلب" خارج ضواحيها القديمة، فنشأت أحياء حديثة ومنها "السليمانية" في الجهة الشمالية حيث تبعد عن مركز المدينة "المنشية" قرابة /3/ كيلو متر.

وحول تاريخ منطقة "السليمانية" حدثنا عنها المهندس "عبد الله الحجار" قائلاً: «هي تنسب إلى "سليمان جلبي" صاحب بستان فيها، وتأسست عام /1895/ م، وعرفت كذلك باسم حارة الخياط نسبة إلى "جرجي خياط" الذي كان يتصرف ببستان فيها ويبيع الأراضي للفقراء بأسعار زهيدة وبالتقسيط، وقد فتحت فيها جادة عظيمة سنة /1920/ م توصل إلى بساتين "حلب" ومتنزّهاتها» حيث أشار المؤرخ "كامل الغزي" في وصفه للمنطقة السليمانية في كتاب "نهر الذهب في تاريخ "حلب" قائلاً: «لقد كانت "حلب" في تلك الفترة محاطة في جبهاتها الجنوبية الشرقية والشرفية بكروم "الفستق" و"التين" و"الزيتون" و"العنب" أما في الجهات الشمالية والغربية والجنوبية الغربية فقد كانت محاطة بالبساتين يرويها نهر "قويق" والمياه الفائضة من نهر "حيلان"، ومن بساتين الجهة الشمالية بستان "النيال" وبستان "سليمان حلبي"، وكان هذا من أكبر بساتين تلك الجهة والمتصرف فيه "جرجي بن سمعان" خياط الحلبي المولد والمنشأ، الموصلي الأصل».

هي تنسب إلى "سليمان جلبي" صاحب بستان فيها، وتأسست عام /1895/ م، وعرفت كذلك باسم حارة الخياط نسبة إلى "جرجي خياط" الذي كان يتصرف ببستان فيها ويبيع الأراضي للفقراء بأسعار زهيدة وبالتقسيط، وقد فتحت فيها جادة عظيمة سنة /1920/ م توصل إلى بساتين "حلب" ومتنزّهاتها

كما يصفه المؤرخ "الغزي": «فقد كان البستان المذكور جارياً في تصرفه، وكان يبيع الزارع منه إلى الفقراء ببضعة قروش، ويقسط مجموع القيمة عليهم إلى عدة سنين، ويجري معهم من التساهل مالا يفعله غيره، وهكذا انتشر العمران في البستان المذكور كما انتشر في بستان الميال قبله، ودعيت المحلة بـ"السليمانية" وأحياناً بـ "الخياط"، وضمت طبقة من السكان أقل غنى من الطبقات التي سكنت أحياء المدينة داخل الأسوار كـ "الجلوم" و"الفرافرة" أو خارج الأسوار كالجديدة و"بانقوسا"، كما سكنتها جميع الطوائف، وغلبت عليها طائفة "الروم الكاثوليك"، وقد بنيت كنيسة القديس "بونا فانتورا" للآباء الفرنسيسكان في عام /1907/ م ومازالت قائمة حتى اليوم وفي عام /1911/ م سكن المحلة عدد متزايد من الأرمن فتوسعت المحلة وامتدت وظهرت فيها أزقة وحارات كارام و"تلفون هوائي"، وأخذت أسمائها حسب المناسبات فالرام كان مركز تجمع المياه، والتلفون الهوائي موضع إنشاء محطة اتصالات لاسلكية أقامها الجيش الألماني الحليف للأتراك العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى».

الباحث "عبد الله حجار"

توسعت المحلة أكثر فأكثر ووصلت حدودها إلى جسر الصيرفي شمالاً ونهر "قويق" غرباً ونشأت فيها أفران وحوانيت لتأمين حاجات سكانها وفتحت في عام /1920/ م جادة يصفها المؤرخ "الغزي" بقوله: «جادة عظيمة لا مثيل لها من جهة عرضها وما تؤدي إليه من بساتين "حلب" ومتنزهاتها، طريق معبودة مفروشة بالرصاص مدحرجة بالدحروجة ـ يقصد أنها معبدة ـ أولها من محلة "السليمانية" بـ "حلب" وآخرها مقبرة المسيحيين والفرنسيين الحديثة التي دفن فيها ضحايا الحرب العالمية الأولى من جنود الحلفاء الفرنسيين، طولها نحو /1500/ متراً وعضها عشرون متراً».

لم يبق من مباني حي "السليمانية" السابق سوى النادر من البيوت التقليدية القديمة وأشار الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق للآثار والمتاحف قائلاً: «وبعض الكنائس القديمة حيث أصبح حياً حديثاً بمبانيها وشوارعها وساحتها وخدماتها الخاصة إذا قورنت بأحياء المدينة القديمة داخل السور وفي الضواحي القديمة كالجديدة المجاورة له، مع ذلك فإن حي "السليمانية" يشكل مرحلة تاريخية في تطور مدينة "حلب" لا نزال نذكره بل يجب أن نحافظ على ما تبقى منه خوفاً من أن تضيع معالمه أمام تيار الحداثة الجارف».

تقاطع منطقة "السليمانية"

وختم الدكتور "حريتاني" قائلاً: «لا شك أن بداية ظهور مدينة "حلب" قد تم وفق أسس عمرانية كانت معروفة منذ بدايات التاريخ، وأن المجموعات الأولى في أي مدينة قديمة كانت تتم على مرتفع من الأرض لأسباب متعددة منها دفاعية، ومنها اتقاء فيضان الأنهر القريبة، وأخيراً لتوفير الأراضي المنخفضة الصالحة للزارعة، وهكذا بنيت "حلب" الأولى فوق مرتفع "القلعة" و"هضبة العقبة" و"تلة السودا" وغيرها، وحين ظهر ما نسميه تخطيط المدن لدى "اليونان" و"الرومان" قبل مئات السنين من ميلاد السيد المسيح وظهر ما يسمى بالشارع المستقيم كما في "تدمر" و"أفامية" و"جرش" و"دمشق"، توسعت مدينة "حلب" وكان الطريق المستقيم ولا يزال حتى اليوم هو الذي يبدأ "بباب انطاكية" وينتهي في سوق "الزرب" تحت "القلعة"، وقد أصبح هذا الشارع المستقيم نواة مدينة "حلب" قبل ألفين وأربعمائة عام تقريباً».

الباحث "عبد الله حجار"