يعدّ من أهم الأماكن السياحية في مدينة حلب، ويؤدي دوراً مهماً في دعم الاقتصاد الوطني، ويستقطب السيّاح والزوّار من داخل سورية وخارجها، كما يساهم في عملية الترويج السياحي والتنمية الاقتصادية.

وكانت خطة وزارة السياحة تهدف من ذلك إلى المحافظة على الصناعات التقليدية، والمهن اليدوية، وحمايتها من الاندثار في زمن اكتساح الآلة للأسواق، وتدفق الإنتاج الكمي، وكذلك كانت الخطة تهدف إلى الاهتمام بهذا الموقع الأثري المهم، وإعادته إلى الأضواء، وتوظيفه بشكل سياحي يظهر عظمة تاريخ الحرفيين ومهارتهم، واستقطاب السيّاح ليطّلعوا على عراقة البناء، ومهارة الصنعة.

إنه "خان الشونة" الذي يقع جنوب باب "قلعة حلب"، وشمال "المدرسة الخسروية" التي تشغل حالياً قسماً منه الثانوية الشرعية. وقد بني هذا السوق في عهد والي حلب "خسرو باشا "سنة 955 هـ/ 1548م ملاصقاً لمدرسة الخسروية، ووقفاً له. وكان يؤخذ ريعه للإنفاق على طلبة العلم الذين يدرسون العلوم الشرعية في المدرسة.

الحرفي محمد نحاس مهندس

وعندما تعرضت مدينة حلب لزلزال مدّمر سنة (1236 هـ/ 1821م) تضرر السوق بشكل كبير، وأغلق حتى بداية القرن الماضي، حين وضعت الدولة خطة لاستصلاح العقارات المتضررة من جراء الزلزال، فسُنَّ قانون دعي بقانون الإجازتين، ويقضي بأن كل شخص يقوم باستصلاح عقار مهدم من جراء الزلزال يصبح في ملكيته، وقد استغل في ذلك القنصل الإيطالي "بول ماركوبيلي" هذا القانون، وعمد إلى ترميم السوق جزئياً، وأصبح في ملكيته. وكان الخان قد استخدم في السابق مستودعاً للحبوب والغلال و"الشونة"، وهي عشبة كانت تستخدم علفاً للحيوانات، ومنها أخذ السوق اسمه. و"الشوين": يعني التخزين، وقد أطلق عليه اسم خان خطأ؛ وذلك لأن الخانات تحولت إلى مستودعات، وصار يطلق على كل مستودع اسم "خان"، وهذا ما حصل لخان الشونة بعد تغير وظيفته.

eAleppo التقت المهندس المعماري "محمود زين العابدين" مؤسس مركز "شادروان" للتراث العمراني ليحدثنا عن عناصر خان الشونة ومحتوياته فقال: «يتألف الخان من قيساريتين متعامدتين الأولى تفتح باتجاه شمال جنوب، والثانية باتجاه الشرق، وتتوزع الدكاكين على طرفي هاتين القيساريتين، وتتميز أروقة السوق بأقواسها المنتظمة والفتحات الخاصة بالإضاءة والتهوية السقفية والجانبية، وتتميز أبواب المحلات الخشبية بالزخارف الجميلة، وبطريقة الفتح والإغلاق التقليدية، وبأعمال الزخرفة الإسلامية على الخشب المنتشرة في السوق، وكذلك الفوانيس النحاسية المتميزة. وللسوق فناء داخلي واسع تزيد مساحته على (750م2) تتوسطه بركة ماء، وعلى جانبيه سلسبيل وعرائش خشبية مزخرفة، وتحيط به أحواض الزرع الغنية التي تضيف إليه سحراً ونضارة، وهناك تراس (سطح) أفقي ذو مساحة شاسعة يتربع فوق المحلات، وهو ذو إطلالة رائعة على قلعة حلب، وعلى المدرسة الخسروية من الطرف الآخر».

الحرفي محمد شهابي

وأضاف: «أما محتوياته فيختلف خان الشونة عن باقي خانات مدينة حلب، إذ إنه يتألف من طابق واحد، وسوقين متعامدين، وفناء داخلي، وأبواب أربعة، بينما الخانات الأخرى تتألف من طابقين، وفناء يتوسط الخان، ويستخدم الطابق الأول للتجارة، وإسطبلاً للدواب بينما يستخدم الطابق الثاني منزلاً للإقامة؛ مما يدل على أن اسم خان أطلق خطأ على هذا السوق؛ وذلك لكونه تحول إلى مستودع في بعض مراحله، أسوة ببقية خانات المدينة، وصبغ باسمها على الرغم من أنه سوق تجاري منذ تأسيسه. وقد تم استملاك الخان من قبل وزارة الثقافة سنة 1402هـ/ 1982 م، التي بدورها تنازلت عنه لوزارة السياحة، فباشرت بترميمه، تحويله إلى سوق للمهن اليدوية، وقد روعي في الترميم المحافظة على شكل الخان، ونسيجه المعماري، ووظيفته كسوق تجاري على طرازه القديم نفسه من حيث البناء والزخرفة والتزيينات، وتوزيع الإنارة، وطريقة زراعة الفناء الداخلي، وأبواب المحلات، ورسوم الأرضيات، مع التمازج الرائع بين "الحجر الأبيض" و"الحجر الأسود"، فنرى الحجر الأبيض الذي ينقل لبرودة متداخلاً بتشكيلات هندسية رائعة مع الحجر الأسود الذي ينقل الدفء من مكان إلى آخر. ونرى أيضاً "الزجاج المعشق والملون" على الشبابيك والنوافذ بالتشكيلات التراثية ذاتها، و"الفوانيس النحاسية" الموزعة هنا وهناك بانسجام وتناغم جميلين. إضافة إلى الزخرفة الإسلامية على الخشبيات والسجاد اليدوي ذي النقوش الجميلة، والكتابات الشعرية المكتوبة بالخط العربي الأنيق، والمحاطة بالزخارف على جدران الغرف كنموذج للغرفة الحلبية العتيقة. وقد وضع السوق في الاستثمار سنة 1409هـ/ 1989م من قبل مديرية السياحة في حلب، فتم تشكيل لجنة من المختصين، قامت باختيار عدد من الحرفيين المهرة في مدينة حلب، وتسليمهم محلات السوق بأجور رمزية ليباشروا إحياء حرفهم فيه».

كما زارت eAleppo الخان مؤخراً والتقت مع بعض أصحاب المهن اليدوية فكانت اللقاءات التالية:

الحرفي "محمد حسام نحاس مهندس" يعمل حرفياً يدوياً في مجال الحفر على النحاس قال: «نعمل في مجال الطرق على النحاس وتواجدنا في خان الشونة منذ تأسيسه عام /1989/م، وبالنسبة لهذه المهنة هي مهنة الآباء والأجداد وأنا أعمل في هذه المهنة أباً عن جد. وجدي هو الذي أحضر هذه المهنة من طرابلس "لبنان" وجاء بها إلى حلب

وكما تلاحظ أن اسم العائلة ارتبط باسم المهنة وهي عادة موروثة بحلب حيث أن بعض العائلات ارتبط اسمها باسم مهنة أصحابها كعائلة "الحلاق والنجار والزيات والصباغ والحداد"».

وعن مهنة الطرق على النحاس أضاف: «نحن نحضر الصفائح النحاسية ونصنع منها منتجات نحاسية مختلفة كـ"الصواني و دلات القهوة والطناجر والشمعدانات ..." وأي شيء آخر تكون فيها القطعة جميلة ومنقوشة تلفت النظر وذلك عن طريق الطرق على النحاس أو عن طريق الحفر.والزخارف التي نستعملها هي زخارف ونقشات إسلامية تعتمد بالدرجة الأولى على حرفة ومهارة الصانع الحلبي. كما أنَّ مهنة النحاس مهنة قديمة في" دمشق" و"حلب" وتعتمد بحلب على الحفر اليدوي الكامل.

أما الزبائن فمعظم زوار الخان هم من السياح الأجانب الذين يزورون حلب بالإضافة لمجموعات كبيرة من الوفود المغتربين السوريين الذين يأتون لزيارة الخان واقتناء الهدايا التذكارية التي تعبر عن تراث وتاريخ وعراقة هذا البلد».

كما زرنا معرضاً للمطرزات الشرقية اليدوية فالتقينا السيد "محمد شهابي " الذي حدثنا عن مهنته داخل الخان فقال: «نعتمد في معروضاتنا على شغل "الخرز" وشغل" النول" و"الصوف" وأشياء كثيرة متنوعة. ومعظم بيعنا مركز على الزوار الأجانب فبضاعتنا مصدر تراث حضاري بالدرجة الأولى وتعتمد على دقة الصناعة والابتكار في إنتاج الصنف ولكل صنف ميزاته وألوانه وهذا مايجذب السائح بشكل كبير جداً".