تعتبر البيوت العربية القديمة بـ"حلب " والتي تشغل جزءاً كبيراً منها شاهداً حقيقياً على عصور مرَّت كان فيها للمهندس المعماري الحلبي بصمته في هذا المجال .

eAleppo تجولت في أزقة وحارات "حلب" القديمة والضيقة في معظمها لتستكشف سر صنعة العمارة العربية الحلبية بما حوت وأعدت التقرير التالي:

يتكون البيت الحلبي من نموذج بناء منفتح نحو الداخل، ومنغلق تجاه الخارج، ويمثل صحن البيت روح هذه الفكرة وعمودها الفقري، بل حياة الأسرة بأكملها، وهذا النموذج من البناء هو النموذج الشائع في الشرق منذ أجيال عديدة، ويظهر أكثر شيوعاً وانتشاراً في أحياء "حلب" القديمة، فصحن الدار المكشوف، الذي يسمح برؤية كل أرجاء السماء الواسعة، يمثل نواة البيت الحلبي حيث تصطف حوله الغرف في طابق واحد أو طابقين ولا يمكن للمرء الدخول إليه إلا من الصحن بغض النظر عن بعض الاستثناءات القليلة، وبهذا النظام يضمن الساكن خصوصيته التي لا يسمح لأحد أن يشاركه فيها ، ولصحن الدار وظيفتان: الأولى توزيعية حيث يتم الانتقال منه إلى الغرف المنشودة ، والثانية تجميعية يلتقي فيه مساء كل أفراد الأسرة يتجاذبون أطراف أحاديث السمر، وعندما يكون الجو صحواً يتناولون فيه وجبة العشاء، ويتألف البيت الحلبي عادة من طابقين الأرضي ويضم عدداً من الغرف التي تواجه مساحة الدار بكاملها والعلوي الذي يحتوي غرف أخرى تسمى« المربعات

لماذا البيت العربي ؟

يعبِّر أحد المهندسين المعماريين اليابانيين العاملين في ترميم البيوت العربية القديمة بـ"حلب" بقوله:

الليوان

(( celui qui fait de choses mouvelles lorsquel a appris lestechmiques amciemmes clui_la pour de vemir um maitre (الرجل الذي يستطيع صنع أشياء جديدة ومعتمد على صناعة القدماء وبالتقنية القديمة، هذا الرجل سيصبح عالماً )) .

يقول الفنان التشكيلي "أحمد عائشة ":«إنَّ الفناء يتوسط البيت العربي وهو جزء أساسي منه وهذا ما أكسبه صفة مميزة مهمة، وتعود هذه الصفة إلى الفكر الإسلامي الذي كان له دور في تعزيز هذا النمط، وهو نمط معماري مختلف معماري مختلف ومتميز لأنه نتيجة الزخم الحضاري الذي نتج عن تأثير الحضارات السابقة وانتخب منها ما يناسب ذائقته ونتج بتوليفة لها خصوصياتها، وإلى الآن ومع كل هذه الاتجاهات تبقى الرغبة ضعيفة للاتجاه نحو البيت العربي لأنَّ الإنسان الغربي فقط هو الذي يملك نظرة عن البيت العربي بأنه جميل أو يُستحق أن يُشاهد وأن يُعاش فيه وذلك لأنَّ الأجنبي يستطيع أن يرى تلك الهيئة المعمارية بنظرة موضوعية خاصة ومتميزة عن البيت العربي الذي لا يستطيع أن يجدها العربي ذاته في البيت العربي وللأسف.

من إحدى الحارات الضيقة في حلب

ونحن في عصر يبحث عن الاختلاف والبيت العربي يؤدي هذا الاختلاف ضمن البلد، أي نحن لا يلزمنا تذكرة سفر لغرناطة لأن نعيش ببيت عربي بل على العكس أجدادنا وآباؤنا عاشوا ببيوت عربية فلماذا نتخلى عنهاالآن ؟؟

والاهتمام بترميم البيوت يأتي على الأغلب من مصادر خارجية وذلك لوجود عوائق تحيل دون المساعدة في ترميم بعض البيوت العربية كـ "التراخيص وتنفيذ معاملاتها المعقدة " وهناك كثير من البيوت هضم حقها في إعادة تأهيلها وترميمها بسبب هذه الحواجز، ومعظم البيوت التي رممت هي بجهود فردية محضة لأنها بالحقيقة مسألة الترميم مكلفة وتحتاج لوقت طويل وجهد مبذول وإما أصحابها مترفون أو لهم باع طويل في فن العمارة»

من ساحة الدار

إلى داخل البيت الحلبي :

كما التقينا المهندس المعماري "محمود زين العابدين" مؤسس مركز شادروان للتراث العمراني ليحدثنا عن مكونات البيت العربي الحلبي ومما يتألف فقال: «يتكون البيت الحلبي من نموذج بناء منفتح نحو الداخل، ومنغلق تجاه الخارج، ويمثل صحن البيت روح هذه الفكرة وعمودها الفقري، بل حياة الأسرة بأكملها، وهذا النموذج من البناء هو النموذج الشائع في الشرق منذ أجيال عديدة، ويظهر أكثر شيوعاً وانتشاراً في أحياء "حلب" القديمة، فصحن الدار المكشوف، الذي يسمح برؤية كل أرجاء السماء الواسعة، يمثل نواة البيت الحلبي حيث تصطف حوله الغرف في طابق واحد أو طابقين ولا يمكن للمرء الدخول إليه إلا من الصحن بغض النظر عن بعض الاستثناءات القليلة، وبهذا النظام يضمن الساكن خصوصيته التي لا يسمح لأحد أن يشاركه فيها ، ولصحن الدار وظيفتان: الأولى توزيعية حيث يتم الانتقال منه إلى الغرف المنشودة ، والثانية تجميعية يلتقي فيه مساء كل أفراد الأسرة يتجاذبون أطراف أحاديث السمر، وعندما يكون الجو صحواً يتناولون فيه وجبة العشاء، ويتألف البيت الحلبي عادة من طابقين الأرضي ويضم عدداً من الغرف التي تواجه مساحة الدار بكاملها والعلوي الذي يحتوي غرف أخرى تسمى« المربعات» ويصعد إليها عن طريق سلم حجري مُشكَّل من لبنات ضخمة وعدد من الغرف والمربعات يكون طبقاً لمساحة الدار‏ واتساعها، وقد يصل عددها في الدور الواسعة إلى اثنتي عشرة غرفة هذا عدا عن الأقبية التي تستخدم لتخزين المؤن

كما يوجد في البيوت الحلبية مصاطب صغيرة تغطيها عرائش العنب، أُعدت خصيصاً للموسيقيين وأصحاب الطرب، الذين يمتعون المدعوين في المناسبات السعيدة والحفلات العائلية.

وتبدو هذه البيوت متجهمة الوجه نحو الخارج منفرجة الأسارير في الداخل، وجدرانها صمّاء بكماء، لا يتخللها نافذة أو كوة، حتى لا يستطيع المارة استراق النظر عبر باب البيت ليعرفوا من بداخله، فالممر أو (الدهليز) المؤدي إلى صحن الدار، إما متعرج ليمنع رؤية من بالداخل، أو مستقيم، فيحجب صاحب البيت نظر الفضولي بواسطة ستارة عند المدخل.

ومعظم البيوت الحلبية التراثية الباقية إلى اليوم يعود تاريخها إلى الفترة الواقعة بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، وهي مشيّدة من الحجر، وتتميز من مثيلاتها في دمشق أن هذه الأخيرة مبنية من مواد هشّة لا تقاوم عوامل الزمن، ويستحضر الحجر من مكان قريب من "حلب"، ونظراً لطبيعة لونه المائلة إلى اللون الأشهب عرفت "حلب" بلقبها المشهور (الشهباء)، ويرتبط حجم البيت الحلبي واتساعه بالوضع المادي للسكان، وبناء عليه نجد بيوتاً بسيطة تحوي صحونها غرفاً قليلة على طرف واحد أو طرفين، في حين أن البيوت الكبيرة تحيط الغرف صحونها من ثلاث جهات، ومعظم هذه الغرف مشيّدة على طابقين، وقسم منها تحت الأرض على شكل أقبية، ولبعض البيوت صحن مستقل للتخديم، وتبلغ مساحة البيت الواحد الكبير منها نحو/900/ م2 ولها ثلاثة صحون، أحدها للرجال وهو المعد لاستقبال الضيوف (المضافة)، والثاني لسكن العائلة (المسكن –السلاملك) والثالث للتخديم، ولا يوجد في البيت الحلبي وظائف محددة لكل غرفة، كما هو الحال في أوروبا باستثناء المطبخ والحمام ، فغرفة المعيشة يمكن أن تستخدم للنوم، والمعروف في سورية أن الغرف تستخدم حسب فصول السنة، فالقسم المستخدم في الصيف يطلق عليه اسم (مصيَف) والقسم المستخدم في الشتاء يطلق عليه اسم (مَشتى)، فالحياة في البيوت القديمة تخضع لاعتبارات الطقس ، ويتم اختيار الغرف المناسبة لحالة الجو.‏

أهم جزء في البيوت الحلبية الضخمة العائدة لطبقة الأعيان هو (الإيوان) وتلفظه العامة (ليوان) وهو عبارة عن قاعة مرتفعة السقف محاطة بثلاثة جدران يتجاوز ارتفاع سقفها طابقين، وبذلك تتسامى فوق كل واجهات صحن البيت، وتلفت إليها أنظار كل من هم في الصحن، والإيوان هو جزء من طراز البناء العربي في سورية منذ القرن الثاني عشر الميلادي ، ولا يقتصر على بيوت السكن فقط، بل نجده أيضاً في الأبنية العامة مثل الجوامع والبيمارستانات والمدارس».‏

وأضاف : «إذا كان للرسوم الخشبية الآدمية والحيوانية، سحرها المميز فإن الزخارف النباتية لا تقل بهاء ورونقاً عنها.. فتتألف اللوحات من خلفية حمراء توحي بالدفء، تغطيها باقات الزهور، وزهرات اللوتس، والقرنفل والزنبق.. تتوزع بينها ميداليات بيضاوية الشكل، وزخارف ذات أشكال هندسية مضلّعة، تحوي في داخلها كتابات، ونجد على اللوحات ذات الخلفية الخضراء أو الحمراء رسوماً على شكل سلسلة أغصان مزهرة، وأخرى مورقة دون انقطاع ومزهريات ملأى بالزهور.. وتشكل الكتابات المدوّنة على الخشبيات أفضل مثال على جمالية الخط العربي وتطوره..‏

وهذه البيوت كان قد بناها أثرياء حلب من المسلمين والمسيحيين في القرن الخامس والسادس عشر وهي تحفل منذ القديم ببعض الكنائس والأديرة وهذه الدور هي "كان زمان" ،"السيسي" و"الياسمين)"و"زمريا" و"القنطرة" و"بيت وكيل" ومن هذه البيوت ما يمتد عمره لأكثر من /300 /عام كبيت"كان زمان " ومنها ما يوجد فيه كهوف يمتد عمرها لأكثر من /1500 /عام كمثل الكهف الموجود في بيت الياسمين الموصل إلى قلعة حلب " كما يُقال" ومنها ما يعود لإحدى الأباطرة كبيت "السيسي" الذي حمل اسم إمبراطورة النمسا "اليزابيت" التي زارت البيت في الماضي وهو لا يزال بيتاً أثرياً».