في لقاء سابق مع الأستاذ والباحث "محمد قجة" الأمين العام لاحتفالية "حلب" عاصمة للثقافة الإسلامية حول موضوع بيت "المتنبي" تبين أن الأخير قد تحوّل إلى "خانقاه كمشتكين" ثم إلى دار"ابن العديم" فالمدرسة الصلاحية" ثم "المدرسة البهائية "الموجودة حالياً، والآن تحول مكان الدار إلى مركز الإراءة "مركز اللقاء الأسري للأطفال الذين انفصل ذووهم"، ويتمنى اتحاد الكتاب العرب" بتحويل موقع "بيت المتنبي" إلى" متحف" يحمل اسمه، ويزوّد بمكتبة تضم كل ما يتعلّق به، ووضع تمثال له فيه، وإقامة ندوات ومهرجانات عالمية حوله، وتنظيم مسابقة تحمل اسمه, وقلنا بأننا نحلم إذاً أن نحذو حذو الدول التي تهتم بمبدعيها، كما فعل الإنكليز بآثار "شكسبير ." فلنضم هذا الحلم إلى مجمل أحلامنا راجين أن يتحقّق بعضها وألاّ تحذو هذه المقترحات حذو مصير بيت "الكواكبي" الذي لم يهتم به أحد حتى الآن، وعن ذلك يقول الأستاذ "قجة" خلال زيارتنا له يوم الأحد 4/1/2010 ليحدثنا عن هذا الصرح الضائع فيقول:« خلال عملي في إنجاز كتاب " حلب في عيون الشعراء" حاولت التركيز على شعراء كانوا أكثر التصاقاً بالمدينة كـ"الصنوبري" و"البحتري" و"ابن سنان الخفاجي" و"ابن الوردي" و"عمر أبي ريشة"، ولكن طيف "المتنبي" كان يلاحقني في كل مراحل العمل، فالسنوات التسع التي قضاها في "حلب 337- 346 هـ كانت ذروة حياته وإنتاجه الشعري وعلاقاته المتوازنة، وهذه السنوات التسع كانت بالتالي ذروة ما عرفه الشعر العربي من تألق وعظمة خلال تاريخه المديد.، فـ"المتنبي" قمة الشعر العربي في عصوره المتلاحقة، باتفاق النقاد ومؤرخي الأدب، وفترة إقامته في "حلب" قمة عطائه وإبداعه، فـ"حلب" و"سيف الدولة" و"المتنبي" جدلية ثلاثية الأطراف، وكل طرف فيها مؤثر ومتأثر".

"حلب" الحمدانية التي تصدت لمقارعة الإمبراطورية البيزنطية وإيقاف خطرها الزاحف من الشمال، كان السؤال الذي يشغلني دائماً وأنا أقلب الكتب التي درست المتنبي: أين أقام شاعرنا في "حلب" وكيف كانت حياته اليومية فيها، والكتب تتحدث عنه مادحاً واصفاً راثياً متغزلاً هاجياً، وهذه الكتب تعجب به تارة، وتنقده حيناً، وتتجنى عليه أحياناً، لكن الجانب الاجتماعي من حياته لا تقترب منه الدراسات، وليس هذا شأن المتنبي فحسب، فالدراسات النقدية والأدبية في تاريخنا قليلة العناية بهذا الجانب، وهي بذلك تختلف عما نراه لدى شعوب أخرى من عناية بمبدعيها وأماكن إقامتهم أو زيارتهم أو نمط حياتهم، والمناخ الاجتماعي المؤثر فيهم، وهذه الشعوب تقيم لذلك المتاحف الخاصة، وأماكن الذكريات، ولو كانت تلك الأماكن شجرة في حديقة أظلت في يوم من الأيام أحد المبدعين».

المديرية العامة فوضت اللجنة المؤلفة من "محمد قجة" رئيس جمعية العاديات رئيسا والمهندس" فتح الله بلدي" والمهندسة "مارين أسعد" من مديرية آثار" حلب" عضوين بالاستعانة بمن تراه لإنجاز متطلبات العمل اللازمة

في حضرة "سيف الدولة" استطاع أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من الشعراء، وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه.

وحول الموضوع ذاته يحدثنا الدكتورالكاتب والباحث "محمد جمال طحان" عن التطورات التي طرأت على هذه الدار منذ تلك الفترة حتى تاريخه، فيقول:« منذ فترة وجيزة زارت "جمعية الشعر" في اتحاد الكتاب العرب موقع بيت "المتنبي" في "حلب" واستمعت إلى دراسة حوله، وتبع ذلك ندوة من خمس جلسات أقامتها كلية الآداب في جامعة "حلب" على مدرج المتنبي تحت عنوان "المتنبي والشعر في "حلب" بين الماضي والحاضر" شارك فيها ما ينوف عن عشرين باحثاً ودارساً من الوطن العربي وجامعة "طهران"، على هامش الندوة التقينا الأستاذ "محمد قجة" ليحدثنا عن قصة اكتشاف بيت "المتنبي"، من بدايتها، وما التحوّلات التي جرت على بيته منذ ذلك التاريخ تساءلتُ: أين أقام شاعرنا المتنبي في "حلب"، وكيف كانت حياته اليومية فيها؟ ولقد جاءني خيط من الإجابة على تساؤلي في كتاب "بغية الطلب في تاريخ "حلب" "لابن العديم"، حين تحدث عن قدوم "المتنبي" إلى "حلب" حيث أقام في "خانقاه سعد الدين كمشتكين" وهي "خانقاه" أنشأها "سعد الدين كمشتكين" قرب دور "بني العديم"، وكان ملاصقاً لـ"المدرسة الصلاحية" من جهة الشرق ، والآن يعرف هذا المكان بـ"القلقاسية». ويقول "راغب الطباخ" في كتابه "أعلام النبلاء" عن المدرسة مايلي: «موقع هذه المدرسة شمالي الخان المعروف بخان "خاير بك"، وأمام الخان المعروف بـ"خان الكتّان"، وهي مدرسة صغيرة، وقد كانت أشرفت على الخراب فعمّرها السيد "بهاء الدين بن السيد تقي الدين القدسي" في حدود /1260هـ / ومنذ ذلك الحين صار الناس يسمونها بالبهائية ».

هذا مايؤكّده "كامل الغزي" في كتابه "نهر الذهب في تاريخ "حلب" و"محمد أسعد طلس" في كتابه "الآثار الإسلامية والتاريخية في "حلب"، فالمدرسة "البهائية" القائمة أمام "خان الكتان"، وخلف "خان خاير بك"، تقوم على أنقاض المدرسة "الصلاحية" التي كانت قائمة في منطقة "آل العديم" في حي "سويقة علي" المشهور والذي يضم "خان الوزير"، ويتحدث ابن العديم بوضوح على أن "خانقاه سعد الدين كمشتكين" قامت على أنقاض دار "أبي الطيب المتنبي" الذي سكن "حلب" بين /948 - 957م/ ومن المؤكد أن "دار المتنبي" كانت ساحتها أكبر من المدرسة "البهائية الحالية"، ثم دخلت أجزاء من هذه الدار في البناء المجاور وهو خان "خاير بك". لا شك أن تدمير "حلب" أكثر من مرة غيّر شكل البناء والعمارة،ولكن الذي يهمنا هو المكان الذي حدّدناه وكانت فيه دار "المتنبي" ذاته».

قرارات تنتظر التنفيذ..

من جهة أخرى فقد حصلنا على وثيقة رسمية تدلّ على أن لجنة تشكلت منذ عام/2004/ لإعداد دراسة حول إمكانية تحويل الموقع إلى متحف، وقد صدر القرار من السيد المدير العام للآثار والمتاحف بتشكيل لجنة لإعداد الدراسة اللازمة لإقامة متحف في "حلب "باسم" المتنبي" وفي المكان الذي كان يقوم عليه بيته في "حي السويقة "خلف "خان الوزير"، وبيّن "نديم فقش" مدير الآثار والمتاحف ب"حلب" أن «المديرية العامة فوضت اللجنة المؤلفة من "محمد قجة" رئيس جمعية العاديات رئيسا والمهندس" فتح الله بلدي" والمهندسة "مارين أسعد" من مديرية آثار" حلب" عضوين بالاستعانة بمن تراه لإنجاز متطلبات العمل اللازمة» ومنذ ذلك الوقت لم نتلقَّ أي نبأ عن تحرّك على هذا الصعيد، بل إن كتاب"حصيلة احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية" الذي أصدره المركز الإعلامي للاحتفالية بتكليف من الأمانة العامة للاحتفالية في آذار /2007/ يؤكد في الصفحة/88/ أن متحف "المتنبي" من المشروعات التي هي قيد الدراسة الفنية وتحتاج إلى متابعة، وقد حصلنا على قرار أصدره السيد وزير الثقافة يرصد فيه الاعتمادات اللازمة من ميزانية الاحتفالية لإتمام المشروع، إلا أن شيئاً جديداً لم يطرأ على الموضوع.