يقع جامع "الأطروش" أو ما يسميه العامة "الطروش" مقابل باب "قصر العدل" ومن هنا تأتي أهمية هذا الجامع والذي يعتبر صغير الحجم، ورغم ذلك فهو شاهد على العديد من الأحداث التاريخية التي مرّت على "حلب"، والتي سنأتي على ذكرها تباعا.

«يقع جامع "الأطروش" في محلة "القصيلة" جنوب "قلعة حلب" ويعد من روائع المساجد المملوكية، وكان يعرف بجامع "الدمرداش"، ابتدأ ببنائه الأمير "علاء الدين اقبغا الجمالي" عام 801هجري 1398 ميلادي، ومات قبل إتمامه، وأتم بناؤه في 811هجري 1408 ميلادي، يمتاز المسجد بواجهته المملوكية الجميلة ومئذنته ذات الموقفين**.»

الباب الشمالي لا يقل إبداعا وروعة وفوق الباب توجد لوحة حجرية مكتوب عليها نفس ما كتب فوق الباب الثاني، وفوق هذا اللوحة توجد لوحة مزخرفة كبيرة فيها زخارف هندسية وأشكال نباتية رائعة**.

«أعيد بناء القبلة في 1922 بعد أن تهدمت وأنشئ المحراب والمنبر الحاليان ورممت الشرفة العليا للمئذنة، وفي عام 1953 أعيد ترميم المئذنة وتقويتها، وأنشئت أحواض الوضوء في القبلة، وفي عام 1962 فرشت القبلية ببلاط الموزاييك وجدد بلاط الصحن ببلاط من حمام الطباش ببحسيتا، وفي 1963 أنشئت أحواض الماء في الأروقة الشرقية**.»

صحن الجامع

وتعتبر واجهة المسجد من أجمل وجهات المساجد الموجودة في العالم الإسلامي: «إذ تحمل كتابات وزخارف هندسية ونباتية رائعة، بالنسبة للواجهة الغربية والتي فوقها المئذنة تتألف من ست نوافذ تحيط بها الأحجار الرخامية السوداء والصفراء وحولها أعمدة حجرية مزخرفة وتوجد فوقها زخارف هندسية ونباتية، وفي الوسط يقوم الباب تحت المئذنة وهو باب كبير مكون من دفتين من الخشب النفيس، وعلى جانب البابين مقعدين حجريين، وللباب إطار مزين بعقد حجري مدبب يحيط به شريط من الزخارف النباتية، وفوق الباب وضعت لوحة حجرية محفور عليها "عمّر هذا الجامع العز الأشرف العالي المولوي العادلي المخدومي الكافلي السيني "دمرداش الناصري" ملك الأمراء إبن الأمراء والمساكين والفقراء كافل المملكتين الشريفتين الحلبية والطرابلسية أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره وآله ابتغاء لوجه الله تعالي في العشرة الأخيرة من شوال المبارك ستة أحد عشر وثمانمائة من الهجرة النبوية"**.»

وللجامع باب يقع في الجهة الشمالية : «الباب الشمالي لا يقل إبداعا وروعة وفوق الباب توجد لوحة حجرية مكتوب عليها نفس ما كتب فوق الباب الثاني، وفوق هذا اللوحة توجد لوحة مزخرفة كبيرة فيها زخارف هندسية وأشكال نباتية رائعة**.»

قبلية الجامع

ومنذ لحظة دخولنا للجامع أبهرتنا فسحته والتي يطلق عليها "صحن الجامع"، حيث يحدثنا عنها السيد "علي الجواد" وهو الدليل السياحي الخاص بمساجد "حلب القديمة": «للجامع صحن واسع مستطيل مفروش بالرخام يتوسطه حديقة صغيرة كانت سابقا مدفن لأشراف حلب من أهل بيت النبي –ص- ثم ظهرت القبور وحولت إلى حديقة، أما المئذنة فلعل أهم ما يميز هذا الجامع مئذنته المبنية على الطراز المملوكي ذي الثمانية أضلاع وهي أشبه ما تكون بمرصد وتتكون من شرفتين وتوجد عليها زخارف هندسية.»

وكما كل الجوامع الإسلامية فهناك ما يميز هذا الجامع عن غيره من القبلية إلى المحراب والوضاء الشتوي يتابع عنها السيد "علي": «للجامع واجهة قبلية تتألف من خمسة أبواب موزعة على الجدار بانتظام وانسجام هندسي وشكل القبلية مستطيل وتشرف على الشارع من خلال نافذتين من الجهة الغربية، أمّا المحراب فيقع وسط القبلية وقد بني من الحجر المنحوت تعلوه نصف قبة كروية تحيط به من الجانبين عمودين دائريين من المرمر المنحوت، وهناك الوضاء الشتوي الذي يقع في الجهة الشرقية للقبلة وإذا عدنا إلى التاريخ وجدنا أن هذا المسجد قد مر بمأساة مفزعة في عام 1300 هجرية، وهو العام الذي حدث فيه الزلزال المشهور والذي ضرب مدينة "حلب"، حيث قام المتولي على الجامع الحاج "أحمد جاموس" من بعده ببعض الإصلاحات وأزال كمية من الأتربة التي كانت عليه، ولم يجعل للسطح مزاريب تذهب بالماء فثقل التراب عليه فأدى إلى سقوط السقف، وكانت القبلية قبل سقوطها آية في الجمال تقوم على ثمانية أعمدة صخرية وأربع دعائم لحمل السقف وتشغل مساحة 600متر مربع، وبني منبرها من الرخام الخالص ومحرابها من خشب "الأمانوس" النادر تصدعت القبلية وتحطمت الأعمدة الستة وبقي فيها عمودان يشهدان على عظمة وضخامة هذه القبلية، وانهار المنبر الرخامي والمحراب الخشبي، وفي عام 1340 هجرية، قام أهل "القصيلة" و"ساحة الملح" بجمع التبرعات من المحسنين وبناء ما تهدم من الجامع فعاودوا بناء القبلية إلى ما كانت عليه وأصلحوا المئذنة والسقف وقاموا مكان الأعمدة ساريتين كبيرتين ثم قاموا ببناء منبر جديد من الحجر الأبيض يحتضنه عامودان دائريان من المرمر الأبيض.»

مئذنة الجامع

**يذكر أن المعلومات السابقة موثقة في كتابي "حلب القديمة" للأستاذ "فايزالحمصي" والمنشور من قبل "المديرية العامة للآثار والمتاحف"وكتاب "الهندسة النشائية في مساجد حلب" للمهندسة "نجوى عثمان".