يعد منبر "الجامع الأموي" بحلب أحد أقدم وأجمل المنابر في العالم الإسلامي فقد صنع من الخشب المرصع بالصدف والعاج وخيوط الفضة.

للحديث عن قصة عمل المنبر وتاريخه التقت مدونة وطن eSyria بتاريخ 16/5/2013 الدكتور والمهندس "محمد نور الدين التنبي" مستشار في جمعية العاديات بحلب فقال: «يتناقل الحلبيون وغيرهم أن منبر "الجامع الأموي الكبير" بحلب هو أحد منبرين صُنعا بحلب أيام الملك العادل "نور الدين الزنكي" وثانيهما منبر "المسجد الأقصى" والذي أرسله من "حلب" السلطان "صلاح الدين الأيوبي" حينما فتح "بيت المقدس" وحرره من الصليبيين، ولكن الحقيقة غير ذلك».

يتناقل الحلبيون وغيرهم أن منبر "الجامع الأموي الكبير" بحلب هو أحد منبرين صُنعا بحلب أيام الملك العادل "نور الدين الزنكي" وثانيهما منبر "المسجد الأقصى" والذي أرسله من "حلب" السلطان "صلاح الدين الأيوبي" حينما فتح "بيت المقدس" وحرره من الصليبيين، ولكن الحقيقة غير ذلك

وتابع: «كان يوجد بحلب نجار يعرف "بـالأختريني" من قرية "أخترين" ليس له قرين في براعته وصنعته، أمره "نور الدين الزنكي" بعمل منبر للمسجد الأقصى قبل فتح "بيت المقدس" على أمل أن يفتحه وقال له: اجتهد أن تأتي به على النعت المهندم والنحت المهندس فجمع النجار الأختريني الصناع وأحسن الإبداع، وأتمه في سنين واستحق بحق إحسانه التحسين.

منبر الجامع الأموي بحلب

في أيام "نور الدين الزنكي" حدث حريق في "الجامع الأموي الكبير" بحلب واحترق منبره فاحتيج إلى منبر فنصب ذلك المنبر وكان حسن المنظر فقام النجار الأختريني بعمل محراب آخر مشابه تماماً للمحراب الأول لا فرق بينهما ومن شاهدهما لا يرى أي اختلاف بينهما بل هما توءمان في الشكل وحسن الصنعة.

وفي أيلول من العام 1187 م فتح السلطان "صلاح الدين الأيوبي" "بيت المقدس" وكان الصليبيون قد اغتصبوه في العام 1098 م.

الدكتور محمد نور الدين التنبي

وصلى "صلاح الدين الأيوبي" فيه صلاة الجمعة والمسلمون معه في قبة الصخرة وكان الخطيب والإمام حينها "محيي الدين محمد بن أبي الحسن بن الزكي" قاضي "دمشق"، ثم عينه "صلاح الدين الأيوبي" خطيباً وإماماً للصلوات الخمس فيه وأمر بصنع منبر له، فقيل له إن "نور الدين الزنكي" صنع بحلب منبراً وأمر الصناع بالمبالغة في تحسينه وإتقانه، وقال: "هذا قد عملناه لينصب بالبيت المقدس فعمله النجارون في عدة سنين لم يعمل في الإسلام مثله، فأمر بإحضاره فحُمل من "حلب" ونُصب بالقدس إلى جانب محراب "المسجد الأقصى" وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على 20 سنة. وقيل إن صانعه "الأختريني" مات قبل تركيبه وعجز الناس عن تركيبه فرآه ولده في النوم فقال له: عجزتم عن تركيبه؟ قال: نعم، فأراهم كيفية التركيب فأصبح ولده وركبه».

ويضيف "التنبي": «وصف الرحالة "أبي الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي" "الجامع الأموي الكبير" بحلب في رحلته في العام سنة 1184 م وذكر المنبر الموجود في زمنه وهو منبر "نور الدين الزنكي" بقوله: وهذا الجامع من أحسن الجوامع وأجملها، قد أطاف بصحنه الواسع بلاطاً كبيراً متسعاً مفتحاً كله أبواب قصرية الحسن إلى الصحن عددها ينوف عن الخمسين باباً فيستوقف الأبصار حسن منظرها، وفي صحنه بئران معينتان، والبلاط القبلي لا مقصورة فيه فجاء ظاهر الاتساع رائق الانشراح، وقد استفرغت الصنعة القرنصية جهدها في منبره فما أرى في بلد من البلاد منبراً على شكله وغرابة صنعه، واتصلت الصنعة الخشبية منه إلى المحراب فتجللت صفحاته كلها حسناً على تلك الصفة الغريبة وارتفع كالتاج العظيم على المحراب وعلا حتى اتصل بسمك السقف، وقد قوس أعلاه وشرف بالشرف الخشبية القرنصية، وهو مرصع كله بالعاج والأبنوس، واتصال الترصيع من المنبر إلى المحراب مع ما يليهما من جدار القبلية دون أن يتبين بينهما انفصال فتجتلي العيون منه أبدع منظر يكون في الدنيا وحسن هذا الجامع المكرم أكثر من أن يوصف».

الأستاذ عامر رشيد مبيض

وحول كتابات منبر "نور الدين الزنكي" يقول: «كان مكتوباً في الجهة الشرقية عن يسار المنبر في أطرافه الأربع بعد البسملة: أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته الشاكر لنعمته المجاهد في سبيله المرابط لإعلاء دينه العادل نور الدين ركن الإسلام والمسلمين منصف المظلومين من الظالمين أبو القاسم محمود بن زنكي بن أيوب ناصر أمير المؤمنين عز الله أنصاره وأدام اقتداره وأعلى مناره في الخافقين ألويته وأعلامه وأعز أولياء دولته وأذل كفار نعمته وفتح له وعلى يديه وأقر بالنصر والزلفا عيناه برحمتك يا رب العالمين وذلك في شهور أربعة وستين وخمسمئة" (1168 م).

وكان مكتوباً على المصراع الأيمن من الباب: عمله سليمان معالي رحمه الله، وعلى المصراع الأيسر: عمله حميد بن ظافر رحمه الله، وعلى الجهة الغربية اليمنى في أطرافه الأربع بعد البسملة "في بيوت أذن الله..." إلخ الآية، وفي الجهة اليسرى أي الملاصقة للمحراب في الأطراف الأربع أيضاً بعد البسملة "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله..." إلخ الآية.

وكتب على طرفي التاج: صنعه حميد بن ظافر الحلبي رحمه الله، وصنعه فضائل وأبو الحسن ولدي يحيى الحلبي رحمه الله.

وقد احترق هذا المنبر حينما دخل "حلب" صاحب "سيس" /عاصمة أرمينية الصغرى/ إلى الجامع وأحرق الجانب القبلي منه وذلك في العام 1285 م.

أما المنبر الحالي فقد صُنع زمن المماليك البحرية حكام "مصر" وكانت "حلب" تتبعها وذلك في أيام السلطان الملك الناصر "محمد بن قلاوون" وأقامه كافل "حلب" "قره سنقر الجوكندار" في العام 1326 م عندما رمم جامع "حلب" وصانعه "محمد بن علي الموصلي" بتولي "محمد بن عثمان بن الحداد".

هذا المنبر مصنوع من خشب الآبنوس بديع الصنعة تتخلل أجزاءه قطع رقاق صغار من العاج تدل على براعة صانعه ورقي في تلك الصنعة في ذلك العهد ولكنه لم يكن مثل المنبر القديم الذي صنعه "نور الدين الزنكي"».

مكتوب على تاج باب المنبر الحالي: "عمل في أيام مولانا السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمد عز نصره، وتحت ذلك: عمل العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن علي الموصلي، وعلى مصراعي الباب: بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عثمان الحداد، وكُتب وراء المنبر في أعلى الجدار: أمر بعمله المقر العالي الأمير الشمسي قراسنقر الجوكندار الملكي المنصوري عز نصره".

لقد تم ترميم هذا المنبر في احتفالية "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية في 17 آذار 2006 م وهو منبر دقيق الصنع مزين بالحشوات الخشبية من خشب الصنوبر والجوز والأبنوس ومرصع بالعاج والصدف وخيوط الفضة، وقد تم عزله عن الرطوبة وحمايته من السوس والحشرات بموادّ خاصة وتم تعويض بعض الأجزاء المفقودة بناء على دراسة مستفيضة».

وختم حديثه: «المنبر هو من أقدم المنابر الحلبية الباقية ويعد من القطع الفنية الثمينة النادرة حيث صنع من الأخشاب الثمينة كالأرز والأبنوس وطعّم بالعاج والصدف، ارتفاعه 3.57 م وعرضه 1.08 م، يصعد إليه الخطيب بـعشر درجات ويتألف من أربعة أجزاء هي: المدخل، المجنبتان، مجلس الخطيب، المعبر.

أما منبر "نور الدين الزنكي" الذي حُمل إلى "القدس" فإنه لم يزل باقياً فيها إلى أن احترق حين دخول اليهود بيت المقدس في العام 1969 م».

أما الأستاذ "عامر رشيد مبيض" وهو مؤرخ "حلب" المعاصر فيتحدث حول المنبر: «يقول "ابن العجمي" هذا المنبر /والمقصود المنبر الحالي للجامع/ هو غير المنبر الذي سمعت أن أحد أبناء قرية "أختارين" من قضاء "حلب" قد صنعه والذي توفي قبل أن يقوم بجمعه ولم يتوصل من بعده أحد إلى جمعه إلى أن ظهر في الحلم لابنه كاشفاً له الطريقة التي يجب أن يتبعها وبذلك نجح ابنه في تركيبه.

وقال "ابن العجمي" أيضاً: قرأت في تاريخ الإسلام أن "نور الدين" أمر بإقامة منبر للجامع الأقصى وكان يوجد في "حلب" نجار ماهر جداً بالأعمال التقنية هو الذي صنع المنبر له وكان عملاً رائعاً ولدى احتراق "الجامع الأموي الكبير" في "حلب" أعيد إنشاؤه بالكامل مع الحفاظ على شكله الأصلي ثم صنع النجار نفسه وكان اسمه "الأختريني" منبراً آخر شبيهاً بالأول حمل إلى "بيت المقدس" بعد تحريره ونصب إلى جانب محراب "الجامع الأقصى"».