حيّر سرّ صناعة هذا السيف كلّ صانعي السيوف في أوروبا، حيث حاولوا جاهدين على مر العصور، اكتشاف كيفية صنعه، والمواد الداخلة في صناعته، إلا أنّ كلّ تلك المحاولات باءت بالفشل، وظلّ السر مقتصراً على بلاد الشام.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 21 نيسان 2014 السيوفي "مصطفى السيوفي" أحد أشهر صناع السيوف الدمشقية، الذي يقول: «كان الصناع الدمشقيون يقومون بصنع آلاف القطع من هذا السيف الذي كانت تزود به الجيوش في مختلف الفترات التاريخية، والغريب أن سر المعدن الذي يصنع منه السيف الدمشقي لم يتم اكتشافه رغم محاولات الأوروبيين في العصور القديمة معرفة سر صلابة السيف الدمشقي، وقد لاحظ قادة الجيوش الصليبية تميز هذا السيف من غيره من السيوف وأنه يصنع في مدينة "دمشق" فقط، وبمعدن غريب فحاولوا معرفة المعدن الذي يصنع منه فلم يتمكنوا من ذلك، فسمي المعدن الذي يصنع منه السيف الدمشقي المعدن الأسطوري، حتى إن العلماء على مدى مئة سنة ماضية قدموا الكثير من النظريات والاكتشافات حول تصنيع هذا السيف، وتوصلوا في آخر أبحاثهم إلى أن سر صناعة هذا السيف هو تصنيعه بتقنية النانو، ولكنهم لم يصلوا إلى تحليل واضح لهذه الصناعة المندرسة».

إن السيوف الدمشقية مازالت تحتل مكانة مرموقة ومميزة في الشارع السوري والعربي رغم عدم مقدرة بعضهم على اقتنائها، وتعدّ جزءاً جوهرياً من تاريخ وثقافة وتراث هذا البلد، مشيداً بما قامت به الأعمال التاريخية التي قدمت على شاشات التلفزة بتعريف المجتمع العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص بجودة السيف العربي اليمني والدمشقي، لافتاً إلى أن السيف الدمشقي كان سيفاً للأمراء وأعظم قادة الجيوش

وتابع يقول: «إنه مشهور بحدته وصلابته ومرونته، حدته القاطعة لكل شيء حتى الحجر، وهو قادر أيضاً على قطع السيوف الأخرى، ومرونته حيث يتمايل كالورقة. بل يقال إن بإمكان السيف الدمشقي شق قطعة الحرير في الهواء، وهناك شيء عجيب آخر في هذا السيف، حيّر الشعوب لقرون طويلة، هو أنّ تفاعل المعادن والمواد في نصل السيف الدمشقي تجعل خطوطاً متموّجة تظهر على سطح النصل، فتبدو وكأنّها شرائط معدنية قد رُصّت جنباً إلى جنب، وكلّ شريط يحمل تموجاً مختلفاً عن الآخر، إلا أنّ ذلك لم يكن سوى نتيجة للتفاعل الغريب لتلك المعادن والمواد في الهواء، ما أعطاها شكلاً أخاذاً جميلاً.

مصطفى السيوفي

السيف الدمشقي ظلَّ دمشقياً على مرّ العصور، فلم يَبُح صُنّاعه بالسر، وما استطاعت الحضارات أن تكشف سرّه المكنون، وقد أطلق عليه بعضهم تسمية "سيف الآلهة"، ومع مرور الوقت عُرف سبب هذه التسمية، فمن أشهر الأساطير التي رويت تلك التي تقول: إنّ الإله «حدد» كان يرسل إلى الدمشقيين برقاً يضرب قاسيون، فيترك في ترابه آثاراً هي عبارة عن نترات حديدية كان السيوفيون يخرجون ليستخرجوها من ترابه، وليبدؤوا أولى خطوات صناعة هذا السيف الخالد.

إنّ صناعة السيف الدمشقي كانت سابقاً تتضمّن ترصيعه بالجواهر، والجوهر كناية عن كلّ أنواع الأحجار الكريمة الثمينة، لتتميّز سيوف القادة من سيوف باقي المحاربين والفرسان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السيوف التي كانت تقدّم هدية للملوك والأمراء، الذين طالما أبهرهم تفنّن صانعيها بترصيعها بالجواهر، إضافة إلى انبهارهم بمضيّ هذا السيف، وقدرته على الطعن النافذ، على الرغم من نحوله وخفة وزنه، ولكن عادة ترصيع السيف لم تعد رائجة، فبات الصناع يكتفون بزخرفته بآيات قرآنية، أو رسوم جميلة».

النقش بالفضة على السيف

أما عن تاريخ هذا السيف الأسطوري، فقد حدثنا "محمد السيوفي" الذي يملك ورشة لتصنيع السيوف في "سوق مدحت باشا" في "دمشق"، فقال: «يعود تاريخه إلى القرن الثامن الميلادي، وسمعة السيف الأسطورية تكونت عبر التاريخ عندما وجد الأوروبيون أنفسَهم أمام مدافعين عن أراضيهم مسلحين بسيوف أكثر تقدماً وأقوى وأحدّ من سيوفهم البدائية العريضة. واختفت في القرن السابع عشر الميلادي على نحو غامض، ولم يبق من هذا النوع من السيوف إلا القليل الموجود لدى الأغنياء المبيع بأثمان غالية جداً، بل إن متاحف العالم تفتخر بحصولها على سيف دمشقي كما في "متحف برن" في سويسرا، حيث يوجد قسم عن التاريخ العربي ومن بينها السيف الدمشقي، والسيف الموجود هناك يعدّ العمدة في السيوف الدمشقية الحقيقية.

وللسيف الدمشقي نصب تذكاري في ساحة الأمويين وسط العاصمة "دمشق"، يدل ويشير إلى قوة المدينة ومنعتها وإرثها الحضاري، ويحكي عن الانتصارات والإنجازات من خلال المعارك التي خاضها سكان المنطقة في الذود عن حمى الوطن؛ إذ كان إنشاؤه عرفاناً بالجميل وتذكيراً بمهارة الحرفي الدمشقي في صناعته للأسلحة الحربية، حتى إن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عندما سورت مبناها اختارت السيف الدمشقي الذي يظهر مكان الأعمدة في مقاطع السور كله.

النصب التذكاري في ساحة الأمويين

ولم تكن مصادفة أن تغني "فيروز"، ويكتب "سعيد عقل" الشام وتاريخها من ثلاثة أماكن في قلب عاصمة الأمويين التي دانت لها الدنيا ولم تدن لأحد، حيث كان أجملها قصيدة "كتبت مجدك في قلبي وفي الكتب"، و"شـام يا ذا السيف لم يغب"، و"سائليني حين عطرت السلام"،... وغيرها الكثير».

بدوره "معتصم عبده" أحد المتسوقين المهتمين بالتراث والفلكلور يقول: «إن السيوف الدمشقية مازالت تحتل مكانة مرموقة ومميزة في الشارع السوري والعربي رغم عدم مقدرة بعضهم على اقتنائها، وتعدّ جزءاً جوهرياً من تاريخ وثقافة وتراث هذا البلد، مشيداً بما قامت به الأعمال التاريخية التي قدمت على شاشات التلفزة بتعريف المجتمع العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص بجودة السيف العربي اليمني والدمشقي، لافتاً إلى أن السيف الدمشقي كان سيفاً للأمراء وأعظم قادة الجيوش».

وكانت جريدة "تشرين" السورية قد كتبت مقالاً عن السيف الدمشقي بتاريخ 23 شباط 2008، أوردت فيه: «وللوقوف على لغز السيف الدمشقي حلل العلماء على مدى مئة عام مكونات 10 أنصال دمشقية، حيث أظهرت هذه التحليلات أنّ فولاذَ wootz يَحتوي كميات صغيرة مِنْ أربعة عناصر شائبة: كبريت، فوسفور، سيليكون ومنغنيز. وبدأت راحة العالمين "جون فيرهوفن، وألفريد بيندري" تزداد عندما قاما بصنع الفولاذ الخاص بهما باستخدام نوع من الحديد التجاري يدعى حديد Sorel، الذي تم صقله وترسيبه من خام خاص في كندا يحتوي على روابط جزيئات الكربيد وكميات صغيرة مِنْ الفاناديوم والتيتانيوم.‏

ونظراً لأن الأنصال الدمشقية الأصيلة تعد كنوزاً حقيقيةً فلم يكن مالكوها يسمحون لعلماء المعادن بتقطيعها. لكن الباحثين تمكنا من أخذ قطع صغيرة من عدة أنصال أصلية من متحف في سويسرا للدراسة كانت كلها تحتوي على كميات صغيرة جداً مِنْ الفاناديوم. وهذا يؤكد أنّ الفاناديوم هو عنصر شائب رئيس من أجل صناعة الفولاذ الدمشقي».