بعد أن اشتغل المخرج العراقي "جواد الأسدي" على نص جان جينييه "الخادمتان" في عام 1995، مع "جوليا قصار" و"رندا الأسمر" و"رينيه ديك"، عاد مرة أخرى لإحياء ذاك العرض من جديد على مسرح "بابل" ببيروت مع الممثلتين "كارول عبود" و"ندى أبو فرحات"، ضمن تظاهرة "جان جينييه بعيون عربية"،

وتبع ذلك تقديمه لهذا العرض مساء أمس على خشبة الصالة متعددة الاستعمالات، معيداً إنتاج تلك الجريمة الحقيقية التي هزت فرنسا عام 1933 وتحدث عنها "جينييه" في نص "الخادمات" معرياً من خلاله ثنائية السيد والعبد، وراسماً صورة قاسية عن المجتمع الفرنسي آنذاك.

لا أحب التركيز على الجانب النفسي وحده، ولا على الجسد بشكله التعبيري، فما حاولت الشغل عليه هو أن أحصل على الطاقة التي طلبها المخرج، من خلال التركيز على اللحظة المسرحية فقط، دون معرفة ماضي الشخصية ولا مستقبلها

يقول المخرج "جواد الأسدي" عن إعادة عرضه القديم: «في "الخادمتان" محاولة لاستعادة مناخ اشتغلته قديماً، سواءً على صعيد التمثيل على الخشبة، أو السينوغرافيا بشكل عام من إضاءة وديكور وموسيقا، إضافة إلى حرصي على أن يكون إعداد النص قوياً، والمنصة من الناحية الجمالية مبهرةً جداً، فضلاً عن التكامل بين الصوت والضوء والخشبة والممثلين عليها».

المخرج جواد الأسدي

وعن سبب اختيار نص "جان جينييه" أوضح المخرج أن نص "الخادمات" يحوي رسالة مهمة، تتضمن دعوة لأن يتخلص الناس الخَدَم من الشخص الذي يستخدمهم، يقول "الأسدي": «أنا دائم الاهتمام بفكرة وجود المرأة، وعذاباتها وشقاءاتها في مجتمعات ذكورية كمجتمعاتنا، ومن هنا جاء تركيزي على نص "جينييه" فضلاً عن الاهتمام بتفاصيل الجسد التعبيرية، لأنني أعتقد أنه بالإمكان استنطاق الجسد ليقول أشياء كثيرة لا يستطع النص المكتوب قولها».

من جهتها أوضحت الممثلة اللبنانية "كارول عبود" أن هذا الدور كان مغرياً لها لتؤديه على الخشبة خاصة بعدما اجتمع عامل النص المهم والمخرج القوي فضلاً عن الرؤية الدراماتورجية الهامة لمثل هذا النص.

الممثلتان ندى أبو فرحات وكارول بشارة

وعن شغلها على هذا الدور قالت "عبود": «لا أحب التركيز على الجانب النفسي وحده، ولا على الجسد بشكله التعبيري، فما حاولت الشغل عليه هو أن أحصل على الطاقة التي طلبها المخرج، من خلال التركيز على اللحظة المسرحية فقط، دون معرفة ماضي الشخصية ولا مستقبلها».

بدورها قالت الممثلة "ندى أبو فرحات": «كان هذا الدور تحدياً كبيراً لي، خاصة أنني مع زميلتي "كارول" نجسد تقريباً الشخصية نفسها، بذات الأبعاد النفسية، لذلك حاولنا أن نكون متشابهتين كثيراً، وهذا شكل صعوبة كبيرة للأداء المسرحي، خاصة في ظل تبادل الأدوار في كثير من الأحيان، بين كوني ضحية أو جلاداً، وبين كوني سيدة أو خادمة».

من العرض

ويرى الممثل والمخرج المسرحي "غسان مسعود" أن عرض "الخادمتان" ذكي ودقيق، وليس فيه ثرثرة إخراجية بل دقة ومهنية عالية جداً، وفيه نوع من المسرح التعبيري صعب التحقيق، ويقول: «هذا النوع من المسرح نفتقده، فهو بحاجة إلى مخرج ذي معرفة عالية ليستطيع أن يتصدى لهذا النوع من المسرح التعبيري ذي المستوى العالي، وأعتقد أن "جواد الأسدي" برع بهذا النوع من المسرح منذ ثلاثين عاماً وحتى الآن، وأنا أعتبر أن هذا العرض فيه إضافة نوعية للشغل المسرحي الذي يشتغله هذا المخرج المهم».

أما "علي الهادي" أحد الحاضرين فرأى أن العرض جيد من ناحية العلاقة الثنائية بين الخادمتين، إضافة إلى اللعبة التي لعبتاها باستحضار شخصية السيدة، لكنه في الوقت ذاته يتعارض مع المخرج في ذهابه المزمن باتجاه قضايا الجسد، ويرى أنه كان بإمكان "الأسدي" أن يتجه بذاك الاتجاه لكن بطريقة ضمنية، وليس بفجاجة.

بدورها قالت "ليلى عيسى": «هناك مبالغة لا داعي لها، وأنا لست مع كل هذا الاستعراض في الأداء واللغة، فالرسالة التي يريدها العرض وصلتنا من دون استخدام الكلمات النابية، إلا إن كان المخرج يريد منها إحداث صدمة للمتلقي، مع أنني أعتقد أنه استطاع تحقيق ذلك من خلال الأصوات العالية للموسيقا، ومن خلال ماكياج الممثلتين، لكنني بالعموم أحببت المزاوجة بين اللغة الفصحى والعامية، وأعتقد أن "الأسدي" لجأ إلى العامية هارباً من اللغة الفصحى التي لم تستطع أن توصل الجمهور إلى ذاك التصعيد القوي».