في التاسعة من عمرها بدأت السوبرانو: "رشا رزق" تعلم الموسيقى على يد الأستاذ "نعيم حنّا"، لتكون هذه المرحلة المبكرة بداية المسيرة الفنيّة الحافلة لمغنية الأوبرا السورّية التي تخرّجت من المعهد العالي للموسيقى "بدمشق" في العام /2002م/.

سنوات طويلة من البحث والاجتهاد والتجريب المقترن بالدراسة الأكاديمية والتدريس في المعهد العالي للموسيقى، هيأت "رشا" لموسم حصادٍ غنّي في العام /2008م/ بالتزامن مع اختيار "دمشق" عاصمة للثقافة العربية، مما أتاح للعديد من الموسيقيين السوريين تقديم نتاجهم في إطار فني شاملٍ ومتنوع من العروض الموسيقية والمسرحية .

مهما كانت الأغنية جميلة فإن الإبداع الحقيقي في أي عمل من هذا النوع مردّه لمؤلف الموسيقى التصويرية، والأهم منه المخرج على صعيد اختياره للأغنية والمشاهد المرافقة لها .. المخرج الجيد هو مخرج مثقف موسيقياً لأن السينما كما هو معروف يطلق عليها الفن السابع أي أنها نتاج لكل الفنون التي سبقتها ومنها الموسيقى، ونجاحي في أغنية فيلم"كراميل" وغيرها هو حصيلة عمل متكامل..

وضمن هذا الإطار شاركت "رشا رزق" في تراجيديا "كارمن" من إخراج "جهاد سعد" وهو عرض مسرحي أوبرالي مشترك "فرنسي- سوري"، وقدّمت حفلاتٍ ناجحة لفرقة "إطار شمع" مع زوجها الفنّان "إبراهيم سليماني" ومجموعةٍ من الموسيقيين السوريين، كما ساهمت في تكريم الموسيقار "صلحي الوادي" بغنائها قطعة أوبرالية من تأليفه بحفلة "الآرت هاوس" آخر الحفلات التي أقيمت في عدّة مدنٍ سورية لتكريم الموسيقار الراحل، وأخيراً شاركت كمغنية كوارلٍ أساسية في حفلات "زياد الرحباني" حيث تقاسمت الضوء مع عدّة مغنيات سوريات على مسرح قلعة "دمشق" في تظاهرةٍ وصفت بالاستثنائية كما صوت "رشا" وحضورها.

موقع"eSyria" التقى "رشا رزق" على خلفية مشاركتها في حفلات "زياد رحباني" لتسليط الضوء على مجمل مسيرتها الفنيّة:

رصدنا انطباعات جيدّة من الجمهور عن أدائك في حفلات "زياد" الأخيرة.. منهم من وصفك بالساحرة خاصّة عندما أديت أغنية "صباح ومسا" للسيدة "فيروز" .. ما سر هذا النجاح برأيك؟: «ربما يكون السر في أنني أفكر بالفن كفن.. فالنجومية يجب أن لا تكون محور اهتمام الفنّان قبل أن يكون لديه هدف يعمل من خلال فنّه على تحقيقه حتى يتمكن من بناء سمعة مهنية جيّدة... والبقية تأتي فيما بعد حينما نعمل على إضافة شيء جوهري لثقافتنا وفننا وموسيقانا، مع الحرص على أن يكون ما نقدّمه مفهوماً من الجمهور بشرائحه المختلفة ، فمهمتنا في النهاية كموسيقيين هي رفع سوية التذوّق لدى الجمهور، لهذا أعطي الكثير من الوقت للعمل قبل التفكير في أي شيء آخر، وردة فعل الجمهور تعنيني كثيراً، وأكون في غاية السعادة عندما تكون إيجابيّة..»

كيف تعرّفت إلى "زياد الرحباني" وكيف وجدته عن قرب؟

«تعرفت إلى "زياد" من خلال مهرجان جريدة "الأخبار" اللبنانية في "بيروت" العام الماضي/2007م/ الذي شاركت فيه مع فرقة "إطار شمع"، وقتها طلب مني الغناء في حفلته بنفس المهرجان مع كلٍ من "نهى ظروف ومنال سمعان"، مما مهد لمشاركتي في حفلاته "بدمشق" ولكن بصيغةٍ أكبر بما يتناسب مع حجم الكورال والأوركسترا والبرنامج الذي تم تقديمه.. "زياد" دقيق في كل ما يتعلق بالأداء، والتعامل معه مريح جدا لأنه يملك رؤية موسيقية في غاية الوضوح ويحدد للمغني بالضبط ما الذي يريده منه..»

من أجواء حفلات"زياد الرحباني" الأخيرة في دمشق

هل توافيقنا الرأي بأن العام /2008/ المتزامن مع اختيار "دمشق" عاصمة للثقافة العربية كان موسماً مهماً بالنسبة لك؟

«نعم.. ما حققته في هذا العام هو حصيلة تعب سنواتٍ عديدة قطفت ثمارها في العام /2008م/ ليس أنا فقط وإنما عدد كبير من الموسيقيين السوريين، ربما كنت أنا من المحظوظين أكثر من غيري لأنني أعمل على أكثر من نوعٍ موسيقي، إلا أن احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية خلقت لنا فرصاً كبيرة للعمل، كذلك الأمر بالنسبة للعاملين في مجال تنظيم الأحداث الفنيّة، أي على الصعيد الفني والثقافي والتنظيمي، هذا الأمر في غاية الأهمية والأهم أن تستمر هذه الحالة..أنا متفائلة جداً بذلك..»

تحدثنا أن هذا النجاح حو حصيلة سنوات طويلة من التعب والاجتهاد والبحث.. أنت حالياً أستاذة في المعهد العالي للموسيقى.. دعينا نعود إلى البدايات ونتحدث عن دراستك للموسيقى أكاديمياً..

«بدأت دراسة الموسيقى في عمر التاسعة على يد الأستاذ "نعيم حنًا"، وأدين له بالفضل لأنه أسس لدراستي للموسيقى أكاديمياً فيما بعد.. عندما دخلت إلى المعهد العالي للموسيقى في العام /1998م/ اخترت دراسة الغناء الأوبرالي، لأنه لم يكن في المعهد قسم لتدريس الغناء الشرقي.. كان لدي أساس جيد في الموسيقى الشرقيّة، فانصب اهتمامي على دراسة أنواع الموسيقى الحديثة " الجاز، البلوز.." انطلاقاً من دراسة الموسيقى الكلاسيكية كمرحلةٍ أولى، والمعهد العالي للموسيقى"بدمشق" يؤسس طلابه جيداّ في الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وهي أساسية بالنسبة لأي متخصص ، لأن المدارس التعليمية الموسيقية في الغرب عمرها أكثر من أربعمائة سنة، وهي ضرورية بالنسبة لأي مهتم بالتجديد في الموسيقى مهما كان نوعها حتى العربية منها..

أما بالنسبة للغناء الأوبرالي فقد استفدت منه كثيراً في تنمية إمكاناتي الصوتية ففيه الكثير من التقنية ويعطي مساحة صوتية واسعة، وإمكانية عالية في التحكم الصوتي و يعتمد بصورة رئيسية على التدريب مع ضرورة توافر الموهبة والإمكانية.. ورغم أدائي للغناء الأوبرالي فأنا أحب الطرب الشرقي وأحرص على أدائه بإتقان كما يجب أن يغنى، إلا أن ذلك يكلفني المزيد من الجهد والوقت لكي أتمكن من الانتقال من صوت رنين الرأس في الغناء الأوبرالي، إلى صوت الحنجرة في الغناء الشرقي..»

نبقى في الغناء الشرقي.. لقد قمت بأداء مجموعة من أغاني الفنّانة "سعاد محمد" في حفل تكريمها بدار الأوبرا السورية، مما أثار شهية العديد من النقاد للتعبير عن إعجابهم بمقدرتك الصوتية وإجادتك للغناء الشرقي، ومنهم الصحفي "رفعت بنيان" في مقالٍ له بجريدة "النور" في 30/5/2007 وصفك فيه بالملكة.. ما هي أهم الأًصوات الشرقية التي تأثرت بها؟ وما سر الإجادة في الأداء؟

«من الأصوات التي أحبها كثيراً وتأثرت بها:"أسمهان، أم كلثوم، سعاد محمد، السيدة فيروز، فريد الأطرش، محمد عبد الوهاب، صباح فخري.." هذه الأصوات أضافت للموسيقى العربية أشياء لم تكن موجودة من قبل، طورت الموسيقى بشكل أكاديمي ومدروس، ومن المهم أن نتابع مسيرتهم، وأن نؤدي أغانيهم مثلما أدوها هم وأحسن.. بناءاً على المعرفة الموسيقية الجيدة، وفهم أبعاد ماقدّموه للموسيقى العربية، فالمسألة ليست فقط مسألة حب ومحاكاة وإحساس وإنما فهم ودراسة ومعرفة وهذا الأهم..»

تحدثت في لقاءات سابقة عن مشروعك الموسيقي الخاص.. ما هي أبعاد هذا المشروع؟ وكيف وجدت صداه لدى الجمهور؟

«ضمن إطار فرقة "إطار شمع" حاولنا أنا وزوجي "إبراهيم سليماني" تقديم نماذج متنوعة فيها شيء من الحداثة والتجريب بجرعات متفاوتة، بالإضافة إلى موسيقى يمكن تقبلها بسهولة من الجمهور الذي يتفاعل عادة مع ما يعبر عنه.. أنا كأستاذة في المعهد العالي للموسيقى أعمل على نقل تجارب كبار الأساتذة والمنظرين الموسيقيين العالميين لطلابي، وفي الوقت ذاته أقوم بتأليف قطع من الموسيقى السورية المعاصرة فيها شيء من الحداثة مع الحرص عن عدم الابتعاد عن الجمهور كي لا أفقد صلتي معه، فأنا بحاجة لقاعدة شعبية تتذوق الموسيقى التي أقدمها.. إلى الآن تبدو هذه القاعدة ضيقة إلى حدٍ ما ولكن يمكن توسيعها من خلال الدعم الإعلامي الكبير، وشركات إنتاج عملاقة مهتمة بهذا النوع من الموسيقى، فضلاً عن كثرة الاحتكاكات مع الجمهور.. ربما سيتحقق ذلك تدريجياً.. كل ما يمكنني قوله أن ردة فعل الجمهور مرضية بالنسبة لي حتى الآن..»

لك تجارب عديدة في مجال غناء شارات المسلسلات التلفزيونية، وبرامج الأطفال وحققت أغنيتك في الفيلم اللبناني "كراميل" نجاحاً كبيراً .. ما الذي يمكن أن تضيفه الأغنية لفيلم أو مسلسل؟

«مهما كانت الأغنية جميلة فإن الإبداع الحقيقي في أي عمل من هذا النوع مردّه لمؤلف الموسيقى التصويرية، والأهم منه المخرج على صعيد اختياره للأغنية والمشاهد المرافقة لها .. المخرج الجيد هو مخرج مثقف موسيقياً لأن السينما كما هو معروف يطلق عليها الفن السابع أي أنها نتاج لكل الفنون التي سبقتها ومنها الموسيقى، ونجاحي في أغنية فيلم"كراميل" وغيرها هو حصيلة عمل متكامل..»

أخيراً بقي أن نسألك عن التمثيل هل سيكون لك تجارب أكبر في هذا المجال بعد عددٍ من الأدوار المسرحية التي قمت بها مثل مسرحية"الزير سالم والأميرة هاملت"، وتراجيديا "كارمن"..إضافة إلى دورٍ قصير في أحد الاسكتشات في مسلسل"عربيات"؟

«التمثيل بالنسبة لي هو جزء لا يتجزأ من عملي ودراستي كمغنيّة أوبرا.. وفي هذا المجال تعلمت الوقفة على المسرح والتعاطي مع الجمهور وهذا جزء مما يعرف بفنون الأداء، بالإضافة إلى الخبرة التي تعلمتها من أداء بعض الأدوار مثل"أوفيليا، الجليلة.."عموماً كل الأدوار التي أديتها لها علاقة بالغناء كل المخرجين الذين تعاملت معهم أثنوا على أدائي في التمثيل.. هذه الحصيلة إلى الآن ونترك الباقي للمستقبل..»