تجول ريشته في فضاء "دمشق" القديمة باحثاً عن جماليات ورؤى وأفكار، استعان بذاكرته فرسم البيوت الدمشقية وحاراتها وأزقتها بجميع تفاصيلها الجميلة والتي تتزين بعطر الياسمين الدمشقي.

إنه الفنان "محمد هشام الخياط" الذي التقاه موقع "مدونة وطن" "eSyria" وكان معه الحوار التالي:

  • الفن التشكيلي رؤية وحدثاً، متى بدأت تشعر بهاجسه؟
  • البيت الدمشقي العريق

    ** كان ذلك في عام 1968م عندما كنت طالباً في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق، فكنت أتذوق الفن التشكيلي بشكل كبير، باعتبار العمارة والفن التشكيلي فنين متكاملين، فكنت دوماً أحاول الرسم بشكل تشكيلي وفني خلال سنوات الدراسة في الجامعة، بعد تخرجي في الكلية وجدت نفسي قادراً على توظيف ما تعلمته في العمارة على الفن التشكيلي، ولكن باتجاه واحد والذي هو العمارة الدمشقية القديمة بشكل خاص والعمارة الإسلامية والعربية بشكل عام، وتوظيف كل شيء من الظل والاتجاه واللون نحو الفن التشكيلي، ومع الأيام ازداد اهتمامي بمستقبلي كرسام أو فنان تشكيلي أكثر منه كمهندس معماري، حيث كان لي مشاركات عديدة في معارض جماعية مع عديد من الفنانين السوريين، وبعدها تفرغت بشكل كامل للرسم ضمن تجربة فنية معينة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمارة.

  • تتجه من خلال أعمالك التصويرية لتوثيق مدينة دمشق القديمة، ما السر في ذلك؟
  • الأصالة والحنين

    ** باعتباري عشت معظم أيام حياتي ضمن الحارات الدمشقية وبيوتها التاريخية القديمة، فكان لذلك تأثير كبير على موضوع أعمالي الفنية، فمعظم لوحاتي التشكيلية مستوحاة من هذه الحارات والأزقة والبيوت القديمة، التي يفوح منها عبق التاريخ وأصالة المكان والزحام، وطبعاً كان للعمارة دور كبير في توجهي نحو هذه التجربة الفنية أي "البيوت الدمشقية وحارتها القديمة"، أما بالنسبة إلى التوثيق فلا أعتبر نفسي موثقاً تاريخياً بقدر ما أعتبر نفسي موثقاً فنياً، فلوحاتي تحمل طابع التوثيق الفني أكثر من توثيق التاريخي، لأنك قد تجد تفاصيل معينة ضمن منزل في لوحة فنية ليس لها وجود في هذا المنزل في الواقع، وطبعاً هذا كله ضمن المنظور جمالياً وفكراً معيناً.

  • في لوحاتك اهتمام برموز وتفاصيل في البيوت الدمشقية القديمة تتجه نحو التراث الاجتماعي والثقافي القديم، ما سر ولع الفنان بهذه الرموز والتفاصيل الدمشقية، وهل هي محاولة لبعث هذه الرموز وإعادة شحنها بواقع حديث أو إعادة تشغيلها في مخيلة الجيل الحديث؟
  • التوثيق الفني بريشة الخياط

    ** تمتلئ أعمالي بحس شرقي وخصوصاً البيوت الدمشقية العريقة، وبحثي عن الرموز وتفاصيل هذه البيوت محاولة لأن أكون محلياً وشرقياً، أعتبر هذه البيوت القديمة عشقي الوحيد، المنطقة كلها بلادي الخليج وبلاد الشام ومصر والعراق، وهذه التفاصيل والرموز استلهمتها من منطقتي من تراثي الدمشقي، إذا رسمت مثل الأوروبي والأمريكي فأنا لم أضف شيئاً، فهذه التفاصيل والرموز تعطي هوية للوحتي بأنها شرقية ومحلية أقدمها بطريقتي وفهمي وتقنياتي وخاماتي الخاصة، وذلك كله بهدف تذكير الناس بضرورة الحفاظ على هذا الإرث الحضاري العريق أولاً، وعكس الجمالية التي تتمتع بها هذه البيوت القديمة من خلال التفاصيل الرموز التي أصبحت شبه منقرضة في حياتنا الجديدة.

  • للضوء سحر خاص في أعمال الفنان "محمد هشام الخياط"، وهناك معانٍ مختلفة استطعت بمهارة أن توظفها للتعبير عنها، فما تقول عن ذلك؟
  • ** دون الضوء تنعدم الرؤية ودون التأثيرات الضوئية اللونية تفقد اللوحة روحها وحيويتها... ومن جهة أخرى قد يرى البعض أن لي معنى من استخداماتي لها في اللوحات لأعبر عن رحمة الخالق أو مصدر انبعاث الوحي، لكن جميع المعاني عندما يكون الفنان في حالة انسجام أثناء الرسم تتجسد تلقائياً ولا تكون مقصودة.

  • ما فلسفتك تجاه أي عمل فني تشكيلي، وماذا تعني لك أي لوحة ترسمها، وهل توجد علاقة صداقة بينك وبينها؟
  • ** اللوحة التشكيلية بصوره عامة فن لا خلاف على ذلك، مهما كان نوعها فهي تتبع خصوصية الفنان بما يطرحه للمتلقي، ولكل عمل خصوصيته المتعارف عليها، كما لكل فنان أسلوبه الخاص في طرح أفكاره الفنية والتي يقدمها من خلال لوحاته، ونجد هناك بعض الفنانين يستخدمون رموزاً مخفية تخص ذلك الفنان كما يقال "المعنى في قلب الشاعر"، أما أنا فاللوحة عندي هي مرحلة أعيشها بمفردي دون شريك معي لإسقاط ما في داخلي، وبالطبع يوجد علاقة بيني وبين اللوحة فانا منها ولها، وكلانا واحد.

  • أنت مهندس معماري في الأصل، إلى أي مدى أثر فن العمارة على تجربتك الفنية؟
  • ** إذا وضعنا العمارة بمفهومها الحديث في دائرة الضوء، نستطيع أن نصفها بإنها عبارة عن حجوم وأشكال نحتية تخلق فراغات فنية، وتكوينات على درجة عالية من التناسق والانتظام والجمال الحسي والتعبيري بعيداً عن المحورية والتماثل في معظم الحالات، وهي فن من الفنون الجميلة وحيها الطبيعة العفوية، تصبغها الوحدة ويضبطها الإيقاع ويغنيها الاتزان، فالعمارة بذلك خلاصة علم وفكر وفن وتجربة، فالمعماري المرهف يجب أن يكون فناناً قبل كل شيء، لأن عمله ينعكس على الأرض والإنسان، ويصل الماضي بالحاضر ويغني المستقبل، وبناء عليه تتضح حقيقة أن العمارة هي بؤرة الفنون التشكيلية وهي الإطار الذي يحوي جميع حقول هذه الفنون، فالفنان التشكيلي ينقل مشاعره بطريقة تختلف عن الطريق التي ينقلها "الأديب، المسرحي، الموسيقي أو الشاعر"، ولكنها نفس طريقة المعماري من حيث ربطها بمعاني الأشكال التي ينظم بها الفنان التشكيلي أعماله الفنية، حيث تتآلف في وحدة معبرة تحمل مشاعر الفنان والمعماري.

  • ماذا تقول عن تجربتك الفنية الطويلة؟
  • ** من خلال تلك التجربة التي ما زالت ممتدة منذ أربعة عقود أجد أنه من الرائع أن تعمل بمجال عمل تعشقه وتحقق فيه ذاتك، وأن تستجمع مفردات من خيالك وتعمل على نسجها معاً لتترجم بعد ذلك خطوطاً على أسطح ورقية تجسدها في لوحة فنية معبرة، فهو شعور ممتع لا يعادله شيء، وأصبحت أكثر إيماناً بأن الفرصة ربما تأتي للإنسان لكن النجاح لا بد أن يسعى إليه.

    كما التقينا السيدة "إلهام سليمان" مديرة المركز الثقافي العربي بأبو رمانة، والتي قالت: «تشيد لوحات الفنان "الخياط" واقعاً مألوفاً لعين المتلقي وهي تصور مناظر ومحطات ومواقف في تكوينات بصرية شديدة العذوبة والتماهي مع أماكن وأوصاف حقيقية، حيث تزدحم بمفردات من البيئة الطبيعية والإنسانية وكأنها في لحظة تحد ومواجهة مع الإنسان المعاصر، فهذا النوع من التلوين والإبداع يظهر الكثير من الحرفية والفنية للفنان "الخياط"، فأظهر البيئة الدمشقية بحميمية فيها الكثير من الحنين لهذه البيوت المتداخلة، ويظهر بداخلها الكثير من التفاصيل التي نحب أن نراها.

    الجدير بالذكر أن الفنان التشكيلي "محمد هشام الخياط": من مواليد مدينة "دمشق" سنة 1947م، تخرج في كلية الهندسة المعمارية بجامعة "دمشق" سنة 1970م، وعمل مصمماً ومهندساً معمارياً في المكاتب الهندسية، واهتم بدراسة وتوثيق مدينة "دمشق القديمة" من خلال رسوماته الخاصة، وأعماله موزعة في مجموعات خاصة حول العالم، وهو الآن متفرغ لدراسة ورسم بيوت مدينة "دمشق القديمة" مستفيداً من خبراته في دراسة المنظور والظل والنور، كما شارك في العديد من المعارض المشتركة داخل سورية وخارجها، بالإضافة إلى إقامة معارض فردية عدة.