«هو رائد الفن التشكيلي الحديث في "سورية"، لا تزال إبداعاته حاضرة إلى يومنا هذا، من عمارة ولوحات فنية».

بهذه الكلمات يصف الناقد الفني الدكتور "عبد العزيز علون" الرسام والمعمار "توفيق طارق".

توفي "توفيق طارق" في "بيروت" عام /1940/ بعدما أصابه مرض عضال، ثم نقل جثمانه إلى دمشق ليدفن بمقبرة "باب الصغير"، حيث دفن هناك عظماء التاريخ العربي من خلفاء وعلماء وقادة، تاركاً آلاف اللوحات والأعمال الفنية الجميلة

ويضيف "علون" الذي يؤلف حالياً كتاباً عن "توفيق طارق"، حيث يكشف لموقع "eDamascus" معلومات عن حياة الفنان لم تنشر من قبل: «"توفيق طارق" من أوائل من أرسوا دعائم الفن في "سورية"، ليرسم فيها لوحات ظلت معلماً بارزاً لها، ورغم ما قدمه الفنان الكبير، إلا أنه لم يحظ بالاهتمام الكافي لما أنجز، فظلم في حياته وحتى بعد مماته، إذ إن المعلومات المتوافرة عنه شحيحة وغير دقيقة بما فيها التي نشرتها وزارة الثقافة والإرشاد القومي عام /1960/».

توفيق طارق

وعن الفنان "توفيق طارق"، تحدث "علون": «إنه فنان سوري ولد عام /1875/ في مكان غير معروف، والده "فؤاد اسماعيل"، وأمه "آمنة". و"توفيق طارق" قصير القامة نحيل الجسم لماح وعصبي المزاج، واستخدم الرسم كوسيلة للتعبير، وتوزعت لوحاته بين "سورية" و"لبنان" و"فلسطين" و"باريس" و"إيران"، و"الأردن"».

كما قال "علون": «لكون جده لأمه "إبراهيم باشا" ضابطاً في الجيش العثماني ووالده "فؤاد اسماعيل" ضابط أيضاً، فتهيأ له الطريق للدراسة العسكرية بعد دراسة الابتدائية في "اسطنبول" والتحاقه بالمدرسة الرشيدية العسكرية عقب دراسته الإعدادية، وفي هذه المدرسة انتمى مع بعض زملائه من الطلاب الضباط إلى حزب "تركيا الفتاة"، وهو حزب قومي تركي يدعو لإبعاد القوميات الأخرى عن الحكم العثماني، والاقتصار على العنصر التركي، ما يناقض توجهات الدولة العثمانية، فألقي القبض عليه مع زملائه عام /1892/، ودفعت والدته أموالاً ورشاوى لإطلاق سراحه، فتم ذلك شرط إبعاده عن "اسطنبول"، لذا أرسلته والدته إلى "باريس" للدراسة، حيث انتسب إلى كلية الفنون الجميلة هناك على العكس مما أشيع حول دراسته الهندسة، وانتمى إلى مدرسة للطبوغرافية، وأمضى ست سنوات بفرنسا وليس سنتين كما أشيع».

د. عبد العزيز علون

وأضاف: «دراسته للطبوغرافيا ساعدته في تخطيط شارع "النصر" أجمل شوارع دمشق، عندما كان يعمل في مكتب "جمال باشا السفاح"، حيث استلهم العمارة المملوكية الإسلامية، وعمَّر مسجداً جميلاً مقابل وزارة الداخلية الحالية، إضافة إلى عمارة مبنى وزارة السياحة الحالي الذي احترق منذ فترة، وبعد تخرجه في أوروبا عام /1901/ اختار دمشق لإقامته، وعاش في حي "السمانة" لينتقل إلى حي "ساروجة" الذي كان يسمى "اسطنبول الجديدة"، وتزوج امرأة دمشقية اسمها "فاطمة سبانو"، التي أنجبت فتاة أسماها "زهرة مديحة" وطفلاً أسماه "فؤاد اسماعيل"».

أما عن عمله في "دمشق" فذكر "علون" أنه عمل برسم الصور الوجهية لبعض وجهاء الشام، وفي دائرة والي "دمشق" كمعمار مخطط، ثم أرسله "جمال باشا السفاح" إلى جبهة قناة "السويس" مع فرقة الهندسة العسكرية، ثم انهزم الجيش العثماني، ليفر "توفيق طارق" إلى "فلسطين"، فاعتقلته القوات البريطانية، وأودعته معسكر "اللد" مع الفنان الشاب "ميشيل كرشة"، دون أن يعرف أحدهما الآخر، وبقي "توفيق طارق" مغمىً عليه لثلاثة أيام، وعندما استيقظ وجد بدوياً قرب سور المعسكر يطرده أحد الجنود بعد ضربه، فرسمه "توفيق طارق" بسرعة، فاندهش الجميع، وعندما علم قائد المعسكر باللوحة قدم للفنان ثياباً جديدة وانعقدت أواصر الثقة بينهما إلى أن تمكن الفنان من الفرار إلى "دمشق"».

من لوحات توفيق طارق

وأوضح "علون": «أنه في عام /1926/ حكمت إحدى اللجان بتفضيل لوحة "ميشيل كرشة"، ما أدى لانزعاجه أيما انزعاج، وكان من أعضاء اللجنة عالم اللغة العربية "محمد كرد علي" أحد أصدقاء "توفيق طارق"، فترك "دمشق" وسافر إلى "بيروت"، بعدما قاسى جور حكام دمشق، وبما أنه يتحدث التركية حسب على الأتراك في فترة الحكم العربي الفيصلي، ولأنه كان يتقن الفرنسية حسب على الانتداب، ثم لأنه كان عاشقاً لدمشق وأهلها حسب على الوطنيين العرب، رغم أنه جاء دمشق هرباً من ظلم الأتراك».

واعتبر "علون": «أن "توفيق طارق" رسم أجمل اللوحات عن الحج خلال رحلته مع "عبد الرحمن باشا اليوسف" أمير الحج، حيث رسم قبر "النبي محمد "ص"، كما رسم مسيرة الحج بمحمليها الشامي والمصري، إضافة إلى لوحة عن السعي بين الصفا والمروة، وبعض هذه اللوحات موجودة في "بيروت" لدى أسرة "الإيبش" الدمشقية».

ولفت "علون" إلى أن «الفنان أمضى فترة قصيرة كنقيب للمهندسين في "دمشق" إلى أن طرد من مكتبه، ليعمل في بيروت بمكتب مسح الأراضي، حيث أمضى بقية وقته بالرسم، ولدى معظم الأسر اللبنانية لوحات وبعض خرائط الأراضي لتوفيق طارق، وجمع /39/ لوحة من أعماله في قصر ابن شقيق شيخ الإسلام "أبي الهدى الصيادي" بحيفا في "فلسطين"، وظل يحتفظ بلوحاته هناك إلى أن افتعلت العصابات الصهيونية بفترة الثلاثينيات حريقاً بهذا القصر، لتسرق اللوحات وتبيعها، وشاهدنا في معرض بمتحف الشعوب البدائية في "باريس" مجموعة لوحات سرقتها العصابات الصهيونية واشترى بعضها الرئيس الاسرائيلي "شمعون بيرز" من هذا البيت، وتعود لتوفيق طارق وعرضها للبيع بسعر مرتفع، وكان ذلك بفترة ثمانينيات القرن الماضي».

ويقول: «إن "توفيق طارق" عاش مع الفنان السوري "رشاد زكي مصطفى" في منزل واحد ببيروت، وتوجد لوحات مشتركة بينهما، كما أنه درَّس وأثر على عدداً من الفنانين السوريين واللبنانيين والفلسطينيين الذين تتلمذوا على يديه، ومنهم "رمزية زنبركجي" و"زهير الصبان" و"خالد العسلي" و"أنور علي الأرناؤوط" و"عصمت طلعت"، كما أنه أسس في "ساروجا" بالثلاثينيات مع عدد من الفنانين والممثلين والموسيقيين نادياً للفنون علم فيه الرسم والعمارة».

ويتابع: «أعمال "توفيق طارق" تنتشر في العديد من الدول، حيث اقتنت شقيقة شاه "إيران" "فروغ الملوك" عدداً من لوحاته، كما يوجد في "دمشق بعض اللوحات في القصر الجمهوري كلوحة "معركة حطين" وهي الأجمل بين لوحاته، وقد رممها الفنان "رشاد قصيباتي"، وتعود قصة هذه اللوحة إلى حديثه مع ابنته "زهرة مديحة" حول انزعاجه من اللوحات الكاذبة التي تصور انتصارات الفرنجة على العرب والمسلمين، لذا قرر تصوير انتصارات العرب والمسلمين على الفرنجة، فصور معركة حطين، فظهرت مئات الخيول والفرسان بلحظة الانتصار، حيث رسمت الخيول بدقة تظهر أصالة الخيل العربي، فصور الانتصار دون مبالغة، متبعاً الأسلوب الإمبراطوري الفرنسي إذ ساير أساليب الفنانين الذين صوروا انتصارات نابليون بأسلوب فرح وجميل، فعناصره تبنى بقوة عبر كتل الشخوص المعبرة باللوحة من حيث توزيعها والألوان التي تطغى بشكل مهم، كما أن هناك لوحات نسخها عن لوحات عالمية كلوحة "أبو عبد الله الصغير" آخر الخلفاء في الأندلس، وهي لوحة استشراق، نسخها "توفيق طارق" كسبيل للتدريب والتعبير عن قدراته، مصوراً المرأة المتجردة والخليفة السعيد بين ثلاث من جواريه، واستطاع "توفيق طارق" تقديمها بلمسات دقيقة وجميلة، إضافة إلى لوحة "مجلس الخليفة المأمون" الحافلة بالزخارف الإسلامية، كواجهات المباني العربية التي يقف أمامها الخليفة، وأمامه عدد من الوزراء والفقهاء والضيوف، فتكاد تنطق اللوحة في تعبيرها».

واعتبر "علون": «أن "توفيق طارق" في أيامه الأخيرة قبل بالأسلوب الانطباعي بعدما رفضه، حيث أعجبته هذه المدرسة بتعبيرها السريع، فرسم بعض اللوحات القليلة من أجملها لوحة المرأة التي تستقي الماء، وتحمله من النبع لتعبر الشارع، فكانت الألوان فيها منسجمة تدخل فيما بينها على أساس حوار الانسجام، فنفذ قاعدة الانسجام حيث يكون كل لونين متقابلين متضادين، وكل لونين متجاورين منسجمين، فنفذ فكرة الانسجام بالألوان المتقابلة والمتجاورة باللوحة لتكون لوحة جميلة، وهناك لوحة "عقدة الفردوس" في منطقة الربوة حيث يوجد انعطاف لبردى الذي يعبر تحت الطريق وتحت أحد المنازل، وهذا المنعطف يجمع بين العمارة والخضرة والأعشاب وظلال الأشجار، فقدم لوحة جميلة، بجمع عناصر الطبيعة مع بعضها، فتجد أشجار الحور العالية، ورصيف المياه المصطدمة بالأحجار القديمة، لتدور حول الطريق وتصل المدينة، ونشاهد فيها تركيب المنظور القريب والبعيد فالقريب عند الجسر الذي تبدأ فيه اللوحة، والبعيد عند امتداد النهر من الجهة اليمنى، وهي تساير أسلوب المرحلة الإمبراطورية، وليس المرحلة الانطباعية في فنه، وتقدم حقيقة الفنان "توفيق طارق" كفنان متقن ومبدع بريشته، مستخدماً لمسات قريبة من بعضها بعضاً، وشطحات الريشة المتقاربة، فلا تنجز معه اللوحة بيوم بل بسنين، على العكس من لوحاته الانطباعية الأخيرة، ومادة اللون لديه كثيفة وتركب على الخشب غالباً، والجمال لديه أيضاً بالواجهات المعمارية التي اعتمد فيها على الأعمدة، والأقواس المسننة».

وختم "علون" حديثه: «توفي "توفيق طارق" في "بيروت" عام /1940/ بعدما أصابه مرض عضال، ثم نقل جثمانه إلى دمشق ليدفن بمقبرة "باب الصغير"، حيث دفن هناك عظماء التاريخ العربي من خلفاء وعلماء وقادة، تاركاً آلاف اللوحات والأعمال الفنية الجميلة».