دبلوماسي، أديب، وشاعر، ومؤرخ، كتب القصيدة الوطنية على شكل موشح , فجدد بالأوزان, واهتم بالجرس الموسيقي .

مدونة وطن eSyria التقت الباحث "محمد حسن" بتاريخ 24/9/2012 فتحدث قائلاً: «ولد "خير الدين الزركلي" في 25 حزيران 1893، نشأ في دمشق وتعلم في مدارسها الأهلية، ثم انتقل إلى بيروت ليتابع دراسة الآداب الفرنسية في الكلية العلمانية التي عُيّن فيها مدرساً بعد تخرجه، عرف عنه ولعه بكتابة الأدب وقرض الشعر منذ صغره. أصدر عام 1912 جريدة "الأصمعي" الأسبوعية، وأنشأ مع "إبراهيم حلمي" صحيفة "لسان العرب" عام 1918، ومع "يوسف حيدر" صحيفة "المفيد" التي استمرت حتى دخول الفرنسيين لسورية عام 1920، فجاهرهم العداء ودعا لمقاومتهم، فحكم عليه بالإعدام غيابياً وهنا قال:

كان أسمر البشرة، نحيل الجسم حلو القسمات، دمث الأخلاق، خفيف الروح، حلو الحديث، سريع البديهة بارع النكتة، عصبي المزاج

أبكي دياراً خلقت للجمال

أبهى مثال

أبكي تراث العز والعز غال

صعب المنال

أبكي نفوساً قعدت بالرجال

عن النضال

اضطر بعد "معركة ميسلون" لمغادرة الشام قاصداً القاهرة ولم يبق فيها إلا أشهراً عدة، حيث غادرها للحجاز بدعوة من "الشربف حسين" آنذاك، وبعد الحجاز غادر لعمّان وبقي فيها للعام 1923، عمل خلالها مفتشاً في حكومة شرقي الأردن، ثم رئيساً لديوان الحكومة، وانتهى به المطاف إلى مصر التي انصرف فيها للعمل الثقافي حيث أنشأ "المطبعة العربية"، وقد طبع فيها كتبه ونشر الكثير من كتب التراث، ولكن صحته ساءت نتيجة العمل بالمطبعة ما جعله يسافر للاستجمام إلى الحجاز.

الزركلي في مكتبه.

سافر إلى القدس وأصدر عام 1930، جريدة "الحياة"، وشارك في يافا في تحرير جريدة "الدفاع" مع "إبراهيم طوقان"، و"عبد الكريم الكرمي"، و"سامي السراج". ندب عام 1946 لإدارة وزارة الخارجية في "جدة" إضافة لكونه مندوباً للسعودية في الجامعة العربية بالوقت نفسه».

ويتابع بالقول: «تميز "الزركلي" بكثرة رحلاته للعديد من الدول العربية والأجنبية، وقد أفادته هذه الرحلات في تحصيل العلوم والمعرفة وجمع المعلومات والبيانات عن الشخصيات التي ضمتها موسوعته في الأعلام».

أهم مؤلفات الزركلي.

وعن "الزركلي" الشاعر والثائر يقول: «يعتبر "الزركلي" شاعر الوطن، فمعظم أشعاره وقصائده ولدت في أحضان الثورة على الاستعمار الفرنسي الذي احتل سورية، فما ناب بسورية خطب ولا ألمت بأهلها ملمة إلا مسح بشعره مواجع المنكوبين ومدمع المعذبين، وكانت أشعاره بمثابة النار المستعرة على المحتل الذي أصدر بحقه حكم إعدام غيابياً.

وقد وصف "معركة ميسلون" في قصيدته "الفاجعة" حيث قال:

الله للحدثان كيف تكيد/ بردى يفيض وقاسيون يميد

غلت المراجل فاستشاطت أمة/ عربية غضباً وثار رقود

وفي قصيدته "نجوى" تغنى بوطنه الذي عاش معه كل لحظة بقلبه وروحه ومشاعره قال:

العين بعد فراقها الوطنا/ لا ساكناً ألفت ولا سكنا

ليت الذين أحبهم علموا/ وهمو هنالك ما لقيت هنا

وقال عن الوطن سورية:

سورية نحن لها نحمي حماها أبدا/ نبني لها صروح عزٍّ فوق هامات العدا

واثناء مهرجان خطابي أقيم في مصر لمؤازرة الثورة العربية في سورية أنشد بالقول:

الأهل أهلي والديار دياري / وشعار وادي النيربين شعاري

ما كان من ألم بجلق نازل / واري الزناد فزنده بي واري».

ويتابع الباحث: «التزم "الزركلي" بشعره قواعد الشعر العربي، جمع جزالة اللفظ ومتانة الأسلوب، فجاء شعره ونثره غاية في الجودة والإبداع، لم يشغله عمله الصحفي والدبلوماسي عن الكتابة والتأليف، فأثمرت جهوده عن عدد من المؤلفات منها: "ما رأيت وما سمعت"، "عامان في عمان"، "صفحة مجهولة"، قصة شعرية قصيرة "مجدولين"، قصة تمثيلية نثرية "وفاء العرب"، كما اهتم بجمع عدد كبير من الوثائق التاريخية المهمة التي تعد مادة علمية أساسية في كتابة التاريخ، وقد بلغ عدد الوثائق "4574" وثيقة وهي حصيلة لرحلة حياته من 1921 وحتى وفاته 1976.

وتعتبر موسوعة "الأعلام" من أهم أعمال "الزركلي" في مجال التأريخ، حيث اعتبرت الموسوعة أشمل معجم عربي مختصر ترجم فيها لنحو "13435" علماً من القديم والجديد، والمنهج الذي التزمه لاختيار من يترجم لهم هو أن يكون لهذا العلم مكانة أو منصباً هاماً.

ولابد من الإشارة إلى أن "الزركلي" أخذ العلم عن أئمة أعلام شيوخ الشام وهم "جمال الدين القاسمي"، "طاهر الجزائري"، "محمد كرد علي"، "أبو الخير الميداني" و"محمد كامل القصاب"».

وعن مكانة "الزركلي" في المحافل العلمية يضيف: «ظل "الزركلي" موضع حفاوة وتقدير المجامع العلمية، فانتخب عضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق 1930، وعضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة 1946، وبالمجمع العراقي 1960، ولابد من القول إنه على الرغم من اضطلاعه بالأعمال الرسمية والمهام الحكومية بقي الأدب شغله الشاغل، وبقي شاعراً وأديباً وباحثاً في تراجم الأعلام وكاد يكون فريداً بين معاصريه».

وأما عن صفاته الشخصية فهو يقول: «كان أسمر البشرة، نحيل الجسم حلو القسمات، دمث الأخلاق، خفيف الروح، حلو الحديث، سريع البديهة بارع النكتة، عصبي المزاج».

يشار إلى أن "الزركلي" ظل بعد خروجه من العمل الدبلوماسي مقيماً في القاهرة التي عاش فيها أغلب حياته، وفي إحدى زياراته لدمشق أصيب بوعكة صحية ألزمته الفراش لعدة اسابيع، فلما قارب على الشفاء عاد للقاهرة للاستجمام، لكن حياته لم تطل فوافته المنية في 25 تشرين الثاني 1976عن عمر ناهز 83 عاماً، عاشها باحثاً ومؤرخاً وسياسياً بارعاً.

قال عنه الدكتور "محمود الربداوي": «"خير الدين الزركلي" هو الرجل الموسوعي المعرفي, والشاعر المناضل, هو الثائر الذي أقضَ مضجع المستعمر, كتب في منفاه أجمل القصائد للوطن, وهو رائد الشعر الوطني في القرن العشرين».