محل "بوظة بكداش" من المحلات القديمة في سوق "الحميدية" التي بدأت العمل بهذه المهنة في العام 1895 ولا تزال، كما يؤكد السيد "موفق بن محمد حمدي بكداش" صاحب محل بوظة "بكداش" الشهيرة في هذا السوق خلال حديث لموقع "eSyria" يوم الاثنين 4/8/2008 حيث يقول: «ظهرت البوظة العربية لأول مرة في العالم من "دمشق" في محلنا في العام /1895/ ومن هذا المحل انتقلت البوظة إلى العالم، بوساطة عمال سوريين، خاصة إلى مدينة "روما" الإيطالية ومن ثم إلى "باريس" و"موسكو" و"لندن" و"اسطنبول" حتى انتشرت في مختلف عواصم العالم».

ويوضح السيد "بكداش" أن والده "محمد حمدي" أسس هذا المحل قبل /113/ عاماً للبوظة العربية، ووصلت شهرة المحل إلى مناطق أخرى في العالم: «تمكن العمال السوريون المدربون في محلنا بنقل التجربة إلى عواصم عدة حيث سكنوا هناك وفتحوا محال خاصة بالبوظة العربية وبالاسم نفسه أي "بكداش" وحققوا الشهرة خاصة في مدينة "اسطنبول" التركية ومدينة "بكداش" على "البحر الأسود" وامتدت شهرتهم إلى مدن أوروبية أخرى».

تحسن عملنا مع تحسن الظروف الجوية وتوفر السيارات وسهولة تأمين الثلج ووجود الكهرباء والكثير من التقنيات التي نحتاج إليها

بدايات العمل لم تكن سهلة في ظل عدم وجود الكهرباء في "مدينة دمشق" آنذاك، حيث تحتاج هذه المهنة إلى أجواء باردة ولكن العقل الدمشقي كان يجد الحل لكل شيء، كما يبين السيد "بكداش" الذي شرح نقلاً عن والده ظروف العمل في تلك الفترة: «يقدم هذا المحل منذ تأسيسه البوظة لسكان "دمشق" وزوارها رغم أن التيار الكهربائي لم يصل إلى "دمشق" إلا في العام /1934/ وبعد عام من ذلك التاريخ تم صناعة أول آلة كهربائية في هذا المحل لتجميد البوظة وحفظها وهي لا تزال تعمل حتى الآن».

السيد"موفق بن محمد حمدي بكداش"

وكانت مسألة تأمين الثلج كما يؤكد السيد "بكداش" تتطلب المزيد من الجهد والبحث:

«كان الوالد يخرج مع مجموعة من الشباب إلى الجبال التي تكسوها الثلج في فصل الشتاء ويقومون بتعبئة مغارات بألواح من الثلج ويضعون حولها مادة خشبية حافظة لا تتغير بتبدلات الطبيعة ثم يغلقون هذه المغارات بالطين، وعندما يأتي فصل الصيف يفتحون المغارات وينقلون ألواح الثلج في الصباح الباكر من الجبال إلى المدينة وهي محاطة بقماش ومواد طبيعية عازلة من النبات ثم ُتوضع في براميل خشبية مخصصة لهذا الغرض ثم تبدأ عمليات تحضير البوظة وتجميدها».

بين الأمس واليوم فرق كبير، هذه الظروف تحسنت اليوم بفضل وجود وسائل النقل المختلفة يضيف السيد "بكداش": «تحسن عملنا مع تحسن الظروف الجوية وتوفر السيارات وسهولة تأمين الثلج ووجود الكهرباء والكثير من التقنيات التي نحتاج إليها».

يرتبط "محل بكداش" بكثير من المناسبات الدمشقية، وهنا يعود السيد "موفق" إلى البدايات كما كان يروي الوالد: «لقد كانت أكثر أفراح "دمشق" تتم قرب محلنا وتحديداً في منطقة "زقاق المحكمة" الواقع خلف المحل، حيث كنا نقدم البوظة العربية للعروسين والضيوف فكانت تضفي المزيد من الفرح والسعادة على المناسبة».

حوار بدأ بتاريخ المحل وعالميته ثم تحسُن ظروف العمل ولكن الأمر الذي لا بد من معرفته هو القدرة على المحافظة والبقاء، فيجيب السيد "موفق بكداش" قائلاً: «إن سبب بقاء محلنا حتى يومنا هذا محافظاًعلى نجاحه هو الصدق في التعامل مع الزبائن وتقديم البوظة المكونة من المواد الطازجة».

ويؤكد السيد "بكداش" أن المواد التي يعتمد عليها العمال في هذه المهنة هي مواد طبيعية: «نعتمد على الحليب الطازج والقشطة الطازجة التي تأتينا من ضواحي "دمشق"، والسحلب الطازج المستخرج من الجبال، والمسكة والفستق الحلبي وماء الزهر الصافي المستخرج من زهر الليمون، وماء الورد المستخرج من الزهور الدمشقية، والفواكه الدمشقية الطازجة كل بحسب موسمه، ولا تدخل في تركيبة البوظة أي مواد كيمائية أو ملونات أو منكهات».

ومنذ عام /1895/ مازالت ديكورات محل "بوظة بكداش" بالصيغة نفسها، فقط جرى عليها بعض أعمال الصيانة بالوتيرة والشكل نفسه.

ويذكر السيد "موفق" نقلاً عن والده والذين حضروا افتتاح المحل في ذلك التاريخ أن الحضور كان مميزاً وعلى مستوى عال، أي كبار المسؤولين في مدينة "دمشق" آنذاك خاصة والي "دمشق" والوالي العثماني في المدينة.

ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن يقدم "البكداشيون" البوظة لزوارهم الذين يتجاوزون عشرات الآلاف كل يوم من كل حدب وصوب، يجمعهم حبهم لهذا التراث الدمشقي الأصيل الذي يحافظ على نقاوته وبرودته مهما تغيرت درجات الحرارة، ويعد جزءاً من ذاكرة زوار "دمشق" عامةً.