كثيرة هي الأدوات الأثرية التي عانقت تاريخ سورية، ومازلنا نقوم باستخدامها كركن أساسي من تراثنا السوري، إنها "الرحى" لطحن الحبوب هذه الأداة المتواجدة في كل بيت من بيوتنا الريفية.

موقع "eSyria" بتاريخ 12/4/2009 قام بزيارة لمنزل السيدة "حكمت صبري" الريفي، والتي حدثتنا قائلة: «هي أداة تقليدية تستخدم في جميع الأرياف السورية، لطحن كل أنواع الحبوب كالقمح والشعير والذرة والبرغل والزعتر وغيرها، مكونة من طبقتين دائرتين من حجر البازلت الأسود "الصوان"، ويوجد وسط الطبقة العليا دائرة مفرغة، عبارة عن حفرة صغيرة يرتفع من مركزها قطعة معدنية تحافظ على بقائها متطابقة مع الجزء السفلي الأملس من الجاروشة».

إن أداة "الرحى" وطحنها للحبوب لها أهمية كبيرة، وأنا أرى أن الخبز الذي يطحن عن طريق هذه الأداة يكون له نكهة مميزة وطيبة غير الخبز العادي الذي نعرفه، أحاول قدر استطاعتي أن أخبز من هذه العجينة لما لها من فوائد صحية وكما أن لها كما قلت نكهة مميزة

وعن أسلوب العمل شرحت لنا: «يوضع القمح أو العدس أو الشعير بعد غربلته وتنقيته من الشوائب والحجارة في الفتحة الخاصة بالمقبض الخشبي والذي من خلاله تدار "الجاروشة" بشكل دائري فيتهاوى العدس المقشر لأنصاف والبرغل من أطرافها، فتارة تدار لليمين تارة للشمال "أي اليسار" مع بعض الأهازيج والألحان».

تكمل "حكمت" حديثها بعد غنائها مقطعاً من أغنية تراثية قديمة: «رغم اندثار هذه الطاحونة التقليدية والتوقف عن استعمالها بعد دخول التقنية الحديثة وآلات طحن الحبوب المعاصرة التي توفر الكثير من الوقت والجهد، إلا أن العديد من مقتنيها في الريف السوري يرفضون حتى اليوم الاستغناء عنها في المنزل ولو قلّ استعمالها، كما أنه ما زال هناك عدد من النساء يرشدن نساء العائلة على استعمالها».

تكمل السيدة "حكمت" حديثها وهي تطحن الحبوب بـ"الرحى" فتقول: «كانت "الرحى" أداة رئيسية في البيت لدى الكثير من الناس في الجيل الماضي، وكنا نعتمد عليها اعتماداً كبيراً في تهيئة الخبز اليومي، ففي كل يوم كنا نطحن وجبة من القمح ثم نعجنها ونخبزها، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك طواحين آلية والتي تسير بقوة الماء أو المحروقات».

نمط آخر من هذه الأداة

كانت تحدثنا وفي عينيها شوق وحنين لتلك الأيام: «كانت الرحى تعني لنا الكثير، فكانت ترمز إلى الثراء والرغبة بتقديم خدمة مجانية في سبيل الله للأصدقاء والجيران، لهذه الأداة أهمية كبيرة ولنا معها ذكريات جميلة، حيث كنا نذهب للحقل ونأخذ معنا الماء والخبز والزاد وكل شيء يلزمنا نضعها في قطعة من القماش ونلفها على ظهورنا، ففي البداية كنا ندق سنابل القمح بالحجر ثم نغربله وننقيه ومن ثم نطحنه بأيدينا على الجاروشة، وفي الصباح نأخذه معنا إلى الحقول مع الخبز والزيت والزيتون، كانت أياماً جميلة لها نكهتها الخاصة».

على صوت الرحى حدثتنا السيدة "حكمت" عن تلك الأيام، حيث شهدت أجمل أيام حياتها وهي تمسك بيمينها مقبض الجاروشة وهي تقول: «إنها أداة سحرية كنا نستخدمها في الماضي لطحن الحبوب المختلفة، وباستخدام الرحى التي تعني لي الكثير أقوم كل يوم بطحن الحبوب لأعجن الخبز من بعد ذلك، إن للخبز نكهة وطعماً غريباً بعد طحنه بهذه الأداة التراثية القديمة، وما تزال حتى أيامنا هذه بعض المنازل والعائلات تستخدم الرحى التي تعبر عن التراث السوري الشعبي رغم التطور والتقدم الصناعي الكبير».

وبعد انتهائنا من الحديث مع السيدة "حكمت صبري" التقينا بالسيدة "إلهام حسين" فأكدت: «إن أداة "الرحى" وطحنها للحبوب لها أهمية كبيرة، وأنا أرى أن الخبز الذي يطحن عن طريق هذه الأداة يكون له نكهة مميزة وطيبة غير الخبز العادي الذي نعرفه، أحاول قدر استطاعتي أن أخبز من هذه العجينة لما لها من فوائد صحية وكما أن لها كما قلت نكهة مميزة».

يبدو أن أداة "الرحى" ما زالت محافظة على أهميتها التاريخية والتراثية برأي السيدة "إلهام حسين"، وخلال لقائنا مع المهتم بأمور التراث والأدوات التراثية في الريف السوري السيد "إدريس عمر" أكد: «"الرحى" من الأدوات الريفية القديمة التي عانقت التاريخ بقدمها، وهي جزء من تراث الريف السوري ولها تاريخ طويل، وفي القدم كان اعتماد الأهالي على هذه الأداة في طحن الحبوب ومن ثم عجنها لتحضير الخبز، لكن مع تطور تقنيات طحن الحبوب فقدت هذه الأداة قيمتها التقنية بالرغم من أنها ما زالت تحتل ركناً أساسياً في كل بيت من بيوتنا الريفية».