"دمشق" مدينة عريقة حباها الله خصائص وميزات جغرافية وإنسانية وموارد طبيعية جعلتها على الدوام تكتنز بأعرق الصناعات اليدوية، فمن صناعة الزجاج إلى صناعة المنسوجات الدمشقية إلى صناعات أكثر تخصصاً، هي صناعة العطور والأعشاب

فللعطور والأعشاب الدمشقية تطبيقات علاجية ونفسية وعصبية وبدنية اتبعها أجدادنا وآباؤنا منذ مئات السنين، وهذا ما جعل هذه الصنعة تحافظ على استمراريتها.

من الممتع التجول في هذه الأسواق ومشاهدة أنواع البضائع، والشيء المميز لهذه الأسواق هو تخصص كل سوق ببيع بضائع خاصة ومتخصصة حيث تختلط رائحة الشام العتيقة مع رائحة البهارات والعطور والأعشاب، يضاف إليها ابتسامات أصحاب المحلات معلنة جميعها أنك هنا في "دمشق" مدينة الحب

فريق "دمشق القديمة" بتاريخ 5/4/2009 تجول في شوارع "دمشق القديمة" حيث محلات الأعشاب الطبية والعطور، وهناك التقينا السيد "أحمد عربوش" أحد أصحاب محلات الأعشاب والعطور الذي يعمل في مهنة العطارة منذ 25 عاماً ليحدثنا عن أبرز أنواع العطورات والأعشاب: «في البداية من المعروف عن "دمشق" هي مهد صناعة الأعشاب والعطور وتطورت هذه الصناعة اعتماداً على ميراث قوي تمتلكه مدينة "دمشق"، فهي مهنة متوارثة بشكل عام من الآباء والأجداد، ومن أبرز الأنواع المتوفرة من الأعشاب "زهورات شامية" الذي يحتوي على مزيج من الأزهار والورود الدمشقية وبطعم الورد الطبيعي، وهناك زنجبيل وريحان وأوراق المليسة والزعتر البري واليانسون وأوراق النعناع إضافة إلى الشاي الأخضر بجميع أنواع الفواكه الطبيعي، أما بالنسبة للعطور فالشام مدينة الفل والياسمين، وترتكز صناعة العطور على الورود الطبيعية كالعود والمر والياسمين والجوري والخزامى».

مجموعة من الأدوية الطبيعية، التي يقال أنها قادرة على شفاء أمراض عديدة، حيث يتم ذلك من خلال مزجه مع عدد من المواد والأعشاب الطبيعية، ولعلّ شهرة أسواق "دمشق" الحالية، خاصة بين سكانها وزوارها العرب بشكل خاص، تأتي من وجود عشرات المحلات المتخصصة بتحضير وبيع الأعشاب الطبية التي تلقى رواجاً كبيراً بين السوريين، وغالباً تستخدم هذه المواد والأعشاب الطبيعية كالدواء للشفاء من العديد من الأمراض التي ترافق الإنسان في هذه الفترة وعن ذلك يقول "أحمد عربوش": «إن جميع هذه الأعشاب والمواد هي من قلب مدينة "دمشق" وتنتج هنا أيضاً، ولكن بالنسبة لاستخدامات هذه الأعشاب والعطور من أجل الأمراض في البداية يجب أن تكون مصدقة من قبل وزارة الصحة لضمان حفظ سلامة المواطنين، فهناك العديد من أصحاب المحلات يقومون بترويج بضائعهم بدون تصديق من قبل وزارة الصحة وهذا خطأ، مثلاً لدينا شاي أخضر مليسة وممكن أن يستخدم للاضطرابات الهضمية حيث يخفف من حدة الانفعال العصبي، وهو أيضاً مطهر فموي "رائحة الفم"، ومثال آخر عن الفائدة الطبية لهذه الأعشاب نبتة الـ"زنجبيل" التي تقوم بوظيفة تنشيط الإفرازات اللعابية والعصارة المعدية ومضاد للقيء، ومضاد للحمى والسعال، أما بالنسبة للعطور فيرجع مفعوله العلاجي بسبب قدرة الزيوت العطرية على النفاذ خلال طبقات واضطرابات الهضم وارتفاع ضغط الدم نظراً لما تختص به هذه الزيوت من مفعول مطهر، فاستنشاق الياسمين أو الليمون يؤدي إلى زيادة التنبيه والتركيز».

ولدى سؤالنا لأحد الزبائن عن سبب شرائه لكمية من الأعشاب الطبية وعلبة من الياسمين أجابنا قائلاً: «أنا عادة استخدم هذه الأنواع من الخلطات الطبية لهدف طبي بالدرجة الأولى، وبعد استخدامي لفترات طويلة لها وصلت إلى نتيجة أن لها فائدة في حالات عدة كـالسعال والرشح والزكام ولزيادة تركيز الدماغ، وأحياناً نلجأ إلى العطور في المناسبات الدينية والزواج فيجب أن تكون من زيوت الأزهار الطبيعية كالفل والياسمين والنارنج وألا تكون مختلطة وممزوجة مع مواد كيميائية».

الصناعات اليدوية مستمرة في "دمشق العريقة"، وهي محط أنظار الكثيرين سواء من الدول العربية المجاورة أو السياح الأجانب، ولذا ما زال هذا السوق العريق يجسد مقولة السائح البريطاني "بورتر" الذي زار "دمشق" في القرن التاسع عشر- فقال عن أسواقها: «من الممتع التجول في هذه الأسواق ومشاهدة أنواع البضائع، والشيء المميز لهذه الأسواق هو تخصص كل سوق ببيع بضائع خاصة ومتخصصة حيث تختلط رائحة الشام العتيقة مع رائحة البهارات والعطور والأعشاب، يضاف إليها ابتسامات أصحاب المحلات معلنة جميعها أنك هنا في "دمشق" مدينة الحب».