كان أجدادنا قديماً يعيشون حياة البساطة والتواضع بكل شيء في مختلف نواحي المعيشة، وكما كان زمنهم يفتقد لما تضج وتعج به الدنيا اليوم بتطور هائل وثورة متسارعة في عالم التكنولوجيا والاتصال، فالتلفزيون والكومبيوتر والانترنت وألعاب الفيديو وغيرها الكثير جعلت الوقت غير كاف لاحتواء كم كبير من الألعاب والمسابقات والترفيه والتسلية، لكن

اجدادنا عايشوا زمناً مختلفاً عن الوقت الحالي، حتى عد زمنهم زمن البركة في الوقت والهدوء والفراغ، فوجدوا الحل في اختراع بعض الألعاب البسيطة والمتواضعة لقضاء أوقاتهم بما يسليهم ويرضيهم، من هذه الألعاب التي باركوها بأيديهم لعبة "البرسيس" التي إن حللنا محتواها لوجدنا أنها لعبة الاحتمالات والحظ، وما تزال سارية المفعول حتى الآن، رغم وجود الآلاف من الألعاب والتسالي.

اعتقد أنها أصبحت لعبة تراثية تاريخية دخلت مرحلة النسيان برغم من أنها كانت لعبة ممتعة لعبناها كثيراً

موقع esyria بتاريخ 20/8/2009، استوقفته لعبة "البرسيس" في أحد المحلات بأسواق دمشق القديمة، فالتقينا السيد "صادق طعيمة" من سكان دمشق الذي حدثنا قائلاً: «لعبة البرسيس لعبة قديمة يفوق عمرها أكثر من 200 سنة، ورغم أن الكلمات فيها أعجمية إلا أنها كما أخبرنا أجدادنا لعبة شامية وليست تركية أو فارسية كما يقال، فهي لعبة بسيطة وغير معقدة يستطيع تعلمها أياً كان، تتألف لعبة البرسيس من قطعة قماش سوداء متطرز عليها بخيوط ملونة ومحدد عليها شكل مستطيلين متقاطعين ومتصالبين مع بعضها، وكلن منهما مقسم بثلاثة خطوط طولية وعرضية تصنفها إلى مربعات صغيرة ونقطة التقاطع تشكل مربع صغير يمثل نقطة النهاية والربح، هذا المربع كان يسمى حسب ما يريده البعض بأسماء طريفة مثل المطبخ القصر أرض الكنز ...ألخ، كما تتألف هذه اللعبة من أربع حجارة على هيئة "أحصنة" يحركها أحد اللاعبين ضمن المربعات الصغيرة، وتتألف من أربعة جنود يحركها اللاعب الثاني ضمن المربعات الصغيرة، ويشترك اللاعبين بـ6 حجارة صدفية أو كما يسمها البعض "الودع" وهي التي يرميها اللاعبان مرة بعد مرة على التوالي وتحرك الحجارة السابقة على أساسها».

السيد "صادق طعيمة"

وتابع السيد "طعيمة" كلامه على اللعبة فقال: «تمد القطعة القماشية التي سيلعب عليها، على الأرض أو على طاولة ويجلس اللاعبان الخصمان قبالة بعضهما بحيث تكون الحجارة (الجنود- الأحصنة) خارج إطار المستطيلين المتصالبين، حيث يبدأ أحد اللاعبين برمي الصدف (الودع) على قطعة القماش وبناءً عليه يتم تحريك الحجارة، وهنا يأتي دور الاحتمالات حيث تكون لدينا 7 احتمالات، الأول يسمى "دوا" الذي في حال رمينا الودع وجاء أربع صدفات ذات الوجه المفتوح إلى الأعلى وصدفتان ذات الوجه المغلق للأسفل فهنا يتحرك اللاعب مربعين فقط داخل المستطيلين المتقاطعين، ويعتبر احتمال "دوا" أسوء الاحتمالات وأقلها خطأً في لعبة "البرسيس"، أما الاحتمال الثاني يقال له ثلاثة وهو أن ثلاثة صدفات وجها المفتوح للأعلى وثلاثة صدفات وجهها المفتوح للأسفل، في هذا الاحتمال يتحرك الحجر داخل المستطيلين المتقاطعين ثلاثة مربعات فقط، في حين الاحتمال الثالث يقال له أربعة وهو أن يأتي أربعة صدفات وجهها للأعلى مغلق وصدفتان وجهها المفتوح للأسفل، وهنا يتحرك اللاعب بحجرة أربع مربعات، والاحتمال الرابع ويقال له "الشّكّة" حيث يتحرك الحجر داخل المستطيلين المتقاطعين 6 مربعات شريطة عدم دخول حجر جديد إلى داخلهما والتي يسميها البعض "التركيب"، الاحتمال الخامس يسمى "بارة" أيضاً لا يستطيع اللاعب "التركيب" أي دخول حجر جديد خارج المستطيلين إلى داخلها، لكنه يتحرك 12 مربع، الاحتمال السادس يسمى "دست" وهو أن تأتي الصدفات التي يرمياها كلها مفتوحة الوجه نحو الأعلى عدا واحد مغلقة الوجه، ويستطيع اللاعب هنا التركيب أي دخول حجارة جديدة إلى داخل اللعبة وأن يمشي 12 مربعاً أيضاً، أما الاحتمال السابع والأخير فيسمى "البنج" الذي يعد أفضل الاحتمالات على الإطلاق في اللعبة حيث تأتي جميع الحجرة مغلقة نحو الأعلى عدا واحدة مفتوحة للأسفل، هنا يستطيع اللاعب التركيب وأن يتحرك 24 مربعاً».

ثم أضاف: «هناك شروط يجب أن يلتزم بها اللاعبين وهي التحرك بانتظام داخل المستطيلين المتصالبين حيث أن أحد اللاعبين يبدأ بجهة واللاعب الآخر بجهة مقابلة وتتحك الحجارة بانتظام دون قفز أو تخطي للمربعات، ويستطيع اللاعب المتقدم إخراج حجارة "الودع" الآخر إذا جاءت في نفس المربع الصغير، وتتحرك الحجارة على كامل المربعات مع عقارب الساعة أو عكسها، ومن يصل إلى المربع في المنتصف يكون الرابح أو الفائز».

الصدفات أو "الودع"

وعن الحظ في هذه اللعبة قال: «تعتمد هذه اللعبة على الحظ بشكل أساسي، فرمية اللاعب للودع هي التي تعطيه القدرة على الحركة ضمن اللعبة وهذا يعود إلى حظه فيها، وتستغرق وقتاً يتراوح بين الربع ساعة إلى ساعتين خصوصاً عندما يكون فيها تراجع للمقدمة وتقدم في حجارة اللاعبين، وفي الماضي كان أهلنا يلعبونها ويقضون أوقات فراغهم باللعب بعد الانتهاء من أعمالهم، فلا يوجد بيت شامي إلا وفيه لعبة البرسيس التي كانت لعبة للنساء أكثر منها للرجال الذين كانوا يقضون سهرتهم في المقاهي ولعب النرد وسماع الحكواتي، ومن الطريف ذكره أن النساء كن يلعبن على شرط أو رهن بينهن كما يقال، مثل أن التي تخسر هي التي تقوم بالجلي أي غسل الصحون والأواني بعد انتهاء السهرة، أو الرهان على طبق من الحلويات تقدمه الخاسرة للرابحة».

ثم التقينا السيد "رضوان الكردي" الذي حدثنا عن هذه اللعبة بقوله: «هي لعبة جميلة ومسلية رغم أنها لا تحتاج إلى تفكير لأن الحظ فيها هو الأساس، وسقى الله أيام لما كنا نلعبها ويلعبها أهالينا مع بعضهم وتسمع الأصوات والضحكات عند رمي الودع».

السيدة "فاطمة شرف" قالت: «اعتقد أنها أصبحت لعبة تراثية تاريخية دخلت مرحلة النسيان برغم من أنها كانت لعبة ممتعة لعبناها كثيراً».