الطهور أو "الختان" عادة عرفت منذ أجيال وأجيال عن أصلها وكيفية الاحتفال بها في الريف السوري، موقع "eSyria" بتاريخ 28/10/2009 التقى بالدكتور "محمود محفوظ سمور" الكاتب والباحث في شؤون التاريخ ليحدثنا عن بداية ظهور الطهور، وكيفية الاحتفال بهذه المناسبة في الريف السوري:

وعن ذلك يقول:«تفيد المصادر التاريخية بأن عادة الختان "أي قطع جلدة الصب" سحيقة القدم زمانياً، مارسها المصريون القدماء للذكر والأنثى دونما تفريق منذ بداية الألف الأولى قبل الميلاد تقريباً، وينبئنا المؤرخ اليوناني "هيرودوت" أثناء رحلته إلى مصر عام 450ق.م بأن الختان كان يطبق في "مصر" منذ قديم الزمان، ويؤكد أقواله باكتشاف "المومياوات" وحتى ببعض الرسوم على الجدران الداخلية للأضرحة، وثم تمسك اليهود بعدهم بهذه العادة حتى اكتسبت قوة القانون في ديانتهم، لأنها كانت تعني في نظرهم علاقة الحلف المعقود بين الله وابراهيم، وظنوا بذلك ما يجعلهم شعباً مقدساً، ولقد أخذوا بهذه العادة في البدء ليصبحوا عدلاء مساوين للمصريين المتعالين على كل أجنبي، وكما أرادوا تمييز أنفسهم عن غيرهم من الشعوب السامية والسومريين والبابليين».

هو من العادات التي اعتمدتها القبائل العربية الجاهلية، وعندما جاء الإسلام استحسن هذه العادة لما فيها من طهارة ونظافة، وربما يذهب بنا البحث في الأسباب العقيدية الاجتماعية التي تكمن وراء مظاهر الاحتفالية بهذه المناسبة إلى ما تعنيه الذكورة، ذات الامتياز في الاعتقاد الشعبي من مباركات لمرحلة التحضير لرجولة موعودة

عن الطهور عند العرب يقول الدكتور "سمور": «هو من العادات التي اعتمدتها القبائل العربية الجاهلية، وعندما جاء الإسلام استحسن هذه العادة لما فيها من طهارة ونظافة، وربما يذهب بنا البحث في الأسباب العقيدية الاجتماعية التي تكمن وراء مظاهر الاحتفالية بهذه المناسبة إلى ما تعنيه الذكورة، ذات الامتياز في الاعتقاد الشعبي من مباركات لمرحلة التحضير لرجولة موعودة».

بحضور العراضة

الريف السوري كان يعتبر هذه المناسبة احتفالية لكل القرية، وهنا يحدثنا "سمور" عن ذلك: «لقد كانت أفراح المناطق السورية بهذه المناسبة لاتختلف كثيراً عن احتفالاتهم بأعراس الزواج، سواء بصفته تظاهرة اجتماعية للتعبير عن الذات العائلية وتواجدها، أم من حيث المراسم والطقوس التي تعبر عن المشاركة الوجدانية الجماعية في الأفراح، فكما كان في احتفالات الأعراس ضيوف مدعوون أعزاء وأقارب وجيران يشاركون في النفخ والطبخ وضرب الطبل والرقص والغناء والترحيب والتكريم والإطعام، ذلك أو أكثر بدءاً من يوم اجتماع العائلة التحضيري وانتهاءً بيوم الختان والنقوط».

يكمل "سمور": «ولتشابه مراسم الاحتفال بهذه المناسبة من الناحية الخدمية والتعبيرية مع أيام أفراح الزواج فإننا سنقصر الحديث هنا على أحداث اليوم الأخير المميز لها ألا وهو يوم "الدورة" و"الختان"، فيوم الدورة بالصبي في البلدة "الجولة" يأتي في قمة أيام الاحتفال برهجةً وبهجة، حيث تبدأ الحركة فيه منذ الصباح الباكر سريعة لتطبيق برنامج عمل مكثف وطويل، كالدعوة لتناول الغداء والانهماك بتحضيره، وكذلك انشغال بعض الشباب بتحضير الفَرَسِ المطواع وتزيينها بالأقمشة والمحارم المطرزة لتكون جاهزة بعد الغداء لإركاب الصبي عليها».

توزيع الحلوى

يتابع "سمور": «وما أن ينتهي الجميع من تناول طعام الغداء وبعد استراحة قليلة يرفع الصبي على الفرس المطمّهة، ويمسك بها رجل كان يدعى بـ"الحوّاط" ليقودها بكل هدوء وحذر، وقد يجري مثل هذا الاحتفال لختان أكثر من صبي وحينئذ يجب استحضار أكثر من فرس، وعندما تقرع الطبول ينطلق الموكب بالمسير يتقدمه الضيوف وكبار رجال العائلات وتتبعهم حلقات الشباب الهازجة على أنغام "المجوز"، وفي المؤخرة تأتي الفرس المزدانة بالمحارم والأغطية الجميلة يعلوها "العريس الصغير"، تتهادى وتزهو بمن عليها وبمن حولها من النسوة المرافقات، وبخترق الموكب شوارع وأزقة البلدة وهو يتلقى في كل مكان يمر به رش كمشات وكمشات من الزبيب والقضامة وما شابه والتي كان الأولاد يتدافعون بين الأقدام لالتقاطها عن الأرض، وهكذا وبين زغاريد النسوة ينهي الموكب جولته لتجري بعدئذ عملية الختان للصبي».

أما عن عملية الختان فيقول "سمور": «عملية الختان في الدار كانت تتم بعد أن تهيأ المطهر ويحضر أدواته بعيداً عن أنظار الصبي، فيتبرع أحد الأقارب لمسكه مسكة خاصة بهذه العملية أو قد يرشده المطهر عليها، وبعد نزع السروال عنه يُحمل الصبي وهو يرتعش من الخوف إلى يدي المطهر، وعندئذ يتحلق حوله جمع من الشباب للهزج والغناء، ولكي يحولوا انتباه الصبي عما سيجرى له، حيث يشدون انتباهه بقولهم له "شوف الحمامة فوق" وما إن ينظر الصبي إلى الأعلى ليرى الحمامة المزعومة حتى يكون المطهر قد قطع الجلدة بخفة فائقة وشرع بعملية التضميد له».

بعد عملية الطهور يبدأ الاحتفال وهنا يكمل "سمور": «من بعد ذلك يحمل الصبي وسط زغاريد النسوة إلى فراش مرتب أعد لهذا الغرض مسبقاً، ويبدأ المهنئون والمهنئات بالدخول عليه ليقدموا له هداياهم من النقود أو ما شابه، والجدير بالذكر أن هذا النقوط النقدي ما كانت تتعدى قيمته أكثر من ليرة سورية، ثم ينفض الجميع مؤقتاً، ليلتئم شمل الاقارب ثانية في المساء حيث تتجدد الأفراح من حيث انتهت العصر.

وينهي الدكتور "محمود محفوظ سمور" حديثه: «الختان مازال عادة حقيقية في الريف السوري، والاحتفال به هو عادة قديمة انتقل من الريف إلى المدينة، فهذه المناسبة مثلها مثل الاحتفال بالزواج وغيرها من العادات والتقاليد السورية التي مازلنا نعيشها في واقعنا».