لم يعد التراث مقتصراً على الأوابد الأثرية والمعالم الحضارية القائمة إلى الآن، بل احتضن في ربوعه وبين أضلعه عادات وألعاباً ما زالت تمارس حتى الآن، مع مزيد من الاهتمام بها من قبل كبار السن كي لا يحرمهم الدهر منها ومن متعتها، والمعمرون في "جيرود" يضعون هذه الألعاب مضرباً للتسلية والترفيه، فسهراتهم تطول بقدر ما تتخللها من أحاديث الخبر والسمر بدءاً بما جرى بين "أم عبطه" وضرتها من مشاحنات وانتهاءً بقصة زواج "عيشة" وطلاق "فاطمة".

وإذا لم يتسن لهم سماع مثل هذه القصص كانوا يلجؤون إلى التسلية بالحزازير أو القيام بألعاب جماعية "كلعبة المنقلة" هذه اللعبة بالنسبة لكبار السن لا غنى لهم عنها، فهي رفيقهم المؤنس في جلساتهم.

إن الفائز من اللاعبين هو الذي يجمع من الحصا ما يزيد على ملء البيوت السبعة التي أمامه، أي جمع أكثر من تسع وأربعين حصاةً، وعندئذٍ ينهال الحاضرون على المغلوب بعبارات الاستفزاز والتقريع في جلسة يغلب عليها طباع الحب والألفة

موقع eSyria زار الحاج "أحمد الأحمد" أحد صناع هذه الألعاب في محله بتاريخ 22/12/2009 لمعرفة ما تصنع وما الخشب المفضل لها؟ وبهذا الخصوص أجابنا: «المنقلة قطعة خشبية غالباً ما تكون مصنوعة من خشب الجوز أو المشمش وهي على شكل مستطيل بطول خمسة وسبعين سنتيمتراً، وعرض عشرين سنتيمتراً، وسماكة خمسة سنتيمترات، يحفر فيها أربع عشرة حفرة في صفين متحاذيين وتسمى الحفرة منها بيتاً، ولا تصنع بسهولة وإنما تحتاج لوقت مع قدرة على احتمال الصبر والفن والذوق».

المنقلة

والحاج "أكرم الشويتي" "أبو إياد" المميز بهذه اللعبة قال: «هذه اللعبة من أفضل ما احتفظت به من الماضي إلى الآن، فجلساتنا إن لم تتخللها لعبة المنقلة، تتخللها أحاديث تدور حولها أو "حزازير" تتناولها ومن هذه "الحزازير":

أرملة ولها زوجيـن/ عميا بأربعطعشر عين

المنقلة الصخرية

عاقر ما بتجيب ولاد/ إلـهـا مـيـة إلا اثـنـيــن؟

واللاعبون يضعون في كل بيت سبعاً من الحصا الصغيرة الملساء، ويبلغ مجموع الحصا ثمان وتسعين حصاةً».

الحاج "أكرم الشويتي"

وتابع "أبو إياد": «يجلس اثنان على الأرض متقابلين وجهاً لوجه والمنقلة بينهما، فيأخذ كل منهما بدوره في تفريق حصا البيت على البيوت الباقية، فإذا ألفت آخر حصاة من يده زوجاً أو زوجين من أحد البيوت أو أكثر، أخذهما ليجمعهما إلى ما لديه في السابق، وهكذا دواليك إلى أن تفرغ المنقلة من الحصا».

بدوره قال الشاب "زاهر الموصلي" المشاهد الدائم والمشجع القوي لهذه اللعبة: «إن الفائز من اللاعبين هو الذي يجمع من الحصا ما يزيد على ملء البيوت السبعة التي أمامه، أي جمع أكثر من تسع وأربعين حصاةً، وعندئذٍ ينهال الحاضرون على المغلوب بعبارات الاستفزاز والتقريع في جلسة يغلب عليها طباع الحب والألفة».

ونظراً لابتعاد هذه الألعاب عن استخدام القوة الجسدية، تشترك النساء فيها وتتخذها أداة تسلية لها كالرجال.

فالريف بما فيه يحمل في طياته وبين ثناياه عادات وتقاليد تخلق بدورها جواً من الألفة والمحبة بين أهله، نساء ورجالاً.. شيوخاً وأطفالاً.