مازال أهالي "دمشق" منذ /13/ قرناً، يستمعون إلى صوت أذان يؤدى بنفس الطريقة الجماعية التي بدأت منذ العهد "الأموي"؛ عندما كان يصعد مؤذنان إلى "مئذنة العروس" ويرفعان صوتهما بوقت واحد، ليصل صوت الأذان إلى أكبر عدد من أحياء العاصمة "دمشق".

واليوم يستمع أبناء "دمشق" وزوارها لهذا الأذان الفريد في العالم، يخرج من قبل "رابطة مؤذني الجامع الأموي" والتي تتبع في طريقة أدائها نفس القواعد التي وضعها الفقيه الدمشقي المعروف "عبد الغني النابلسي" قبل /300/ عام، والمذكورة في عدد من المراجع التي توثق تاريخ "دمشق" وتراثها الاجتماعي والديني.

إن مهمة التبليغ هي إيصال صوت الإمام إلى كل المصلين في المسجد، ويضاف لها أمر هام وهو تعريف المتأخرين بعدد الركعات التي فاتتهم، فطريقة أداء المُبَلِغ- الذي يرفع صوته خلف الإمام- تختلف بين الركعة والتي تليها؛ مما يساعد المتأخرين على تحديد أي ركعة وصل الإمام

"الأذان الجوق" كما يسمى في تلك المراجع التاريخية؛ يقوم على مؤذن يبدأ بجملة «الله أكبر.. الله أكبر»، ويتابعه خمسة مؤذنين بنفس الجملة وبوقت واحد، ولكن بمدة زمنية أطول، موقع eSyria عاد ليبحث عن تاريخ هذا الأذان وأصوله، وبدأ مع الفقيه الحنفي "ابن عابدين" أحد أشهر علماء دمشق في القرن التاسع عشر، والذي ذكر في كتابه المعروف باسم "حاشية ابن عابدين"؛ أن "بني أمية" هم أول من بدأ بهذا الأذان المذكور في كتب أشهر العلماء الذين تحدثوا عن تاريخ "دمشق"، مثل المؤرخ الشهير "ابن عساكر"، والعالمين "السيوطي" و"عبد الغني النابلسي" وغيرهما..، السيد "حامد داوود" ابن المنشد المعروف "سليمان داوود"- أحد مؤذني "الجامع الأموي"- في القرن الماضي، ذكر أن والده أخبره أن هذا الأذان ليس وليد اليوم أو البارحة، وإنما أذان قديم ميز "الجامع الأموي" منذ مئات السنين، وله قواعد محددة، يتدرب عليها مؤذنو الجامع الأموي، وخاصة مؤذني "مئذنة العروس" أقدم مئذنة في العالم الإسلامي.

صورة قديمة مأخوذة من مئذنة العروس للمؤذنيين أثناء آذان

وأضاف بقوله: «للجامع الأموي ثلاث مآذن هي "مئذنة العروس"، والمئذنة الشرقية المعروفة باسم "مئذنة عيسى"، والمئذنة الغربية المعروفة باسم "مئذنة قايتباي"، و"الأذان الجماعي" كان محصوراً بـ"مئذنة العروس" أكبر هذه المآذن، وكان الأذان يرفع من كل مئذنة بشكل منفصل عن المئذنتين الباقيتين، وتم توحيد الأذان في المآذن الثلاث عام /1970/ عند تركيب الإذاعة في المسجد».

موقع "eSyria" التقى السيد "محمد زهير بيلون" أحد مؤذني "الجامع الأموي"، والذي بدأ حديثه بالقول: «يعتقد الكثيرون أن ما يميز "أذان الأموي" من غيره من المساجد هو أداؤه بالشكل الجماعي فقط، والحقيقة أن هناك أشياء أخرى تميز هذا الأذان التاريخي الأصيل، "فأذان الأموي" له قواعد وضعها العارف بالله سيدي "عبد الغني النابلسي"، إذ يرفع هذا الأذان بمقام موسيقي مختلف كل يوم من أيام الأسبوع، وهي على شكل التالي؛ يوم السبت يؤذن "بنغمة مقام صبا"، ويوم الأحد على مقام "بيات"، ويوم الاثنين على مقام "نوى"، ويوم الثلاثاء على "مقام سيكا"، ويوم الأربعاء على "مقام عراق"، أما يوم الخميس فيؤذن على "مقام الحجاز"، وأخيراً يوم الجمعة على "مقام رست"، ويستثنى من هذه القاعدة "أذان الظهر"، الذي يكون حصراً بنغمة "الحجاز"، ويستثنى أيضاً "أذان الفجر"، الذي لا يكون جماعياً، وإنما يؤدى بشكل "فردي".

السيد "محمد علي الشيخ" رئيس مؤذني الجامع الأموي

فـ"أذان الأموي" مبرمج ولا يمكن لأي شخص أن يؤذن على هواه، ولا يقف الأمر عند هذا، بل إن التسليم الذي يلي الآذان-وهو عبارة عن صيغ للصلاة على الرسول الكريم-، له عباراته المعتمدة التي تلفظ كل يوم».

لا تتوقف قواعد وبرنامج عمل المؤذنين على الأذان والتسليم فقط، بل يقومون بالتبليغ خلف الإمام أثناء الصلاة، والتذكير قبل الفجر، السيد "محمد علي الشيخ" رئيس مؤذني "الجامع الأموي" تحدث عن التبليغ بقوله: «إن مهمة التبليغ هي إيصال صوت الإمام إلى كل المصلين في المسجد، ويضاف لها أمر هام وهو تعريف المتأخرين بعدد الركعات التي فاتتهم، فطريقة أداء المُبَلِغ- الذي يرفع صوته خلف الإمام- تختلف بين الركعة والتي تليها؛ مما يساعد المتأخرين على تحديد أي ركعة وصل الإمام».

السيد "محمد زهير بيلون" أحد أقدم المؤذنين

السيد "محمد علي" المعروف بـ"أبو محمد"، بدأ برفع صوته بالأذان في "الجامع الأموي" قبل /60/ عاماً، وقد تحدث عن بعض العادات التي كانت معتمدة وتوقفت في الجامع الأموي منذ عدة سنوات، كـ"فترة التذاكير والابتهالات" التي كانت تبدأ قبل "أذان الفجر" بـ/4/ ساعات، وبدأ بقوله: «قبل الحديث عن هذه الفترة، لابد من الإشارة إلى أن مؤذني "مئذنة العروس" كانوا يتناوبون على ثلاث فترات، تسمى كل منها "نوبة"، ويصل عدد المؤذنين في النوبة الواحدة إلى /25/ مؤذناً تقريباً.

وكانت "فترة التذاكير والابتهالات" التي تسبق أذان الفجر من مهام مؤذني "النوبة الثالثة" إذ كانوا يبدؤون برنامج هذه الفترة بساعة من التوسلات والتراحيم ينشدها أحد المؤذنين، ويختمها "بالأذان الأول" قبل /4/ ساعات من "أذان الفجر" ويكون الإنشاد بمقام "صبا"، ويبقى مكانه في المئذنة ويرتاح، ويأخذ عنه ثلاثة مؤذنين الفترة الثانية التي تمتد حوالي ساعتين يتناوبون فيها على أداء فقرات من التوسل وتقسم إلى أربع فترات، وتنتهي قبل الفجر بساعة ونصف، حيث يبقى المؤذنون موجودين في المئذنة ولكن يتوقفون للراحة لمدة ساعة، ومن ثَمَّ يؤدون فقرة من التراحيم قبل "أذان الفجر" بنصف ساعة تنتهي "بأذان الفجر"، وأحب الإشارة من جديد إلى أن هذه الفترة من تنظيم سيدي "النابلسي" وبقيت هذه الفترة تقام يومياً إلى منتصف القرن الماضي».

في ختام زيارة فريق "eSyria" لغرفة مؤذني "الجامع الأموي" قام بعضهم بأداء "أذان الجماعي" ومجموعة مختارة من التوسلات والتراحيم التي كانت تسمع من "مئذنة العروس" في الماضي، وهم السادة "محمد علي الشيخ" رئيس المؤذنين وهو مؤذن منذ /60/ عاماً، والسيد "صلاح الأغواني" مؤذن منذ /45/ عاماً في "الأموي"، والسيد "محمد زهير بيلون" رئيس "جوقة الأموي" للابتهالات الدينية وهو مؤذن منذ /30/ عاماً، والمؤذنان "محمد خير المدلل" و"فهد الغربي".