لن تستطيع الحضارة الإنسانية أن تنكر يوماً الخبرة والمهارة التي تميز بها العرب قديماً، منها الاستفادة المزدوجة لكثير من المواد التي استعملوها على أكثر من وجه، وخير مثالٍ لذلك الكحل فهو دواء للعين وزينة تحدث عنها الشعراء وتغنوا بها.

منذ آلاف السنين والكحل لم تتخلَ عنه نساء أي شعب من الشعوب واستخدموه قديماً وحديثاً، على الرغم من مئات أصناف المواد التجميلية التي تكتظ بها الأسواق.

في محلي يتواجد لدي الكحل العربي بألوانه المتعددة وبأدواته المكحلة والمرّود، وفي الحقيقة ما زلنا نبيع كميات لا بأس بها لأنه مرغوب من قبل النساء الدمشقيات بكثرة

وكم تغنى الشعراء وأبدعوا في وصف العيون المكتحلة حتى إنهم كانوا يشبهونها بعيون غزلان "المها" "وريم الفلا" لشدة حسنها وجمالها واتساعها بفضل رسم خطوط الكحل حول العيون.

السيد "زياد الزكاري"

موقع esyria بتاريخ 3/8/2009، التقى السيد "زياد الزكاري" بائع مستحضرات تجميل وعطورات في أحد أسواق دمشق القديمة، والذي حدثنا عن الكحل بقوله: «الكحل مادة مستعملة منذ القدم، وكانت تستعمل لاستطباب أمراض العيون أو للزينة والتجميل، حيث تعطي لمسات جمالية للنساء. وللكحل مكانته في الطب الشعبي، والبعض كان يطلق على طبيب العيون "الكحال"، لكن في الوقت الحالي لم يبق للكحل استعمال دوائي، وبقي شائعاً فقط في أمور المكياج والتزيين. وكان أجدادنا يلجؤون إلى تكحيل عيني المولود حديثاً للاعتقاد بأن الكحل يطهر "حجر العين" ويبرزها فتظهر جميلة، هذا ويكثر استعماله عند البدو وأهل القرى الذين يكحلون أولادهم لمرحلة عمرية لا بأس بها سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً».

ثم أضاف: «قديماً كانوا يصنعون الكحل المخصص لعلاج العيون من عدة مواد، وهي خلط مسحوق النشاء الناعم مع مسحوق "الشبَ" المحروق، وإضافة إلى مسحوق نباتي يسمى "العفص" لكن هذه التركيبة لم تعد مستخدمة اليوم. ويتمّ استيراد الكحل من "اليمن"، و"السعودية"، ويستخدم بكثرة من قبل أغلب الشعوب الإسلامية لكونه سنة عن "النبي الكريم" الذي أوصى به. وأشهر أنواع الكحل في تلك المناطق، كحل "الإثمد" وهو كحل طبي وليس جمالي فقط. كما يوجد كحل نباتي يؤخذ من النبات حصراً ولا يدخل في تركيبه أي مواد كميائية مضرة. أما الكحل الصناعي فينصح بعدم استعماله طالما الكحل الطبيعي موجود ومتوفر ورخيص الثمن».

المكاحل الحديدية والخشبية

وعن ألوانه قال: «للكحل ألوان متعددة مثل اللون البني الذي يتكون من "الإثمد" مضاف إليه صباغ بني مع ماء زمزم وماء الورد. أما الأسود فيتكون من "الإثمد" مضاف إليه ماء زمزم وماء الورد وكذلك "الكحل الأحمر"، في حين يتنوع الكحل حسب أصنافه الموجودة في الطبيعة مثل "الترابي"، "الحجري" الذي كان يطحن يدوياً حتى يصبح ناعماً ولكن الأمر كان صعباً للغاية، ما أدى لقلة مستخدميه الآن، ويحفظ الكحل في أوانٍ مختلفة تسمى "المكحلة" وهي مصنوعة إما من النحاس أو الخشب، وفيها عود رفيع له مقبض صغير يسمى "المرّود" الذي يكتحل به ويمرر ضمن جفني العين ويرسم عليها خط الاكتحال».

العطار "بدر الدين الغبرة" حدثنا عن الكحل بقوله: «في محلي يتواجد لدي الكحل العربي بألوانه المتعددة وبأدواته المكحلة والمرّود، وفي الحقيقة ما زلنا نبيع كميات لا بأس بها لأنه مرغوب من قبل النساء الدمشقيات بكثرة».

الكحل

أما السيدة "هند عطا الله" قالت: «الكحل مكياج أساسي وضروري للمرأة، وأعرف أن النساء استعملوه منذ القدم وحتى الآن لأنه يجعل المرأة أكثر حضوراً وجمالاً، وهو زينة لكل المناسبات السعيدة، وكما يقولون: "أم العيون الكحلى بتصير أحلى وأحلى"».