اعتاد السيد "عماد القباني" /40 عاماً/ منذ نعومة أظفاره على تناول وجبة السحور، وهو يستمع إلى "فرقة الإنشاد الديني" و"تلاوة من القرآن الكريم"، قبل أن يمسك عن الطعام عند سماعه "آذان الجامع الأموي" عبر "جهاز المذياع" وبالتحديد عبر أثير "إذاعة دمشق"، السيد "عماد" لا يعتبر الوحيد في هذا، بل يشاركه كثير من "دمشقيين" في الاستماع إلى "النقل الإذاعي المباشر" لوقائع فترة السحور في "جامع الأموي" خلال "شهر رمضان" المبارك.

"القباني" اعتبر هذا النقل الإذاعي لفترة السحور، أحد التقاليد الدمشقية التي ارتبطت بشهر "رمضان"، وتحدث عن ذلك بقوله: «عندما لا يتاح لي الاستماع إلى المذياع خلال فترة السحور، لأي سبب كان؛ أشعر أن وجبة السحور ناقصة، لا أعلم لماذا ولكن من الجميل أن يمسك كل الدمشقيين عن الطعام في وقتٍ واحد»، موقع "eSyria" عاد إلى الماضي، وبحث عن قصة بداية "النقل الإذاعي" لفترة السحور في "الجامع الأموي"، والتقى المخرج الإذاعي "مازن لطفي"، الذي يعتبر من أقدم المخرجين في "إذاعة دمشق"، حيث بدأ حديثه بالقول: «في الحقيقة؛ بدأ النقل الإذاعي لوقائع فترة السحور منذ عام /1958/، وكان هذا النقل يتم عن طريق الهاتف الموجود في "جامع الأموي"، بحيث يتم التعاون بين فني صوت متواجد في "الأموي"، ومخرج صوت موجود في مبنى الإذاعة، وأذكر أن المخرج "تحسين الرهونجي" كان هو المسؤول عن "قسم النقل الخارجي" في الإذاعة، وكان يتواجد دائماً في "الجامع الأموي" في تلك الفترة».

عندما لا يتاح لي الاستماع إلى المذياع خلال فترة السحور، لأي سبب كان؛ أشعر أن وجبة السحور ناقصة، لا أعلم لماذا ولكن من الجميل أن يمسك كل الدمشقيين عن الطعام في وقتٍ واحد

ويضيف "لطفي": «البرنامج كان عبارة عن "قراءة للقرآن" وفقرة "إنشاد ديني" يتناوب عليها ثلاثة من مؤذني الجامع، هم السادة "توفيق المنجد"، "سليمان داوود"، "مسلم بيطار"، ويتخلل البرنامج "أذان الإمساك"، ثم تختم فترة السحور بقراءة القرآن قبل أن يأذن للفجر».

صورة توضح العناصر البشرية الموجودجة في فترة التغطية

السيد "حامد داوود" رئيس رابطة المنشدين في "دمشق"، ذكر لموقع "eSyria" أن المؤذنين الثلاثة كانوا يحيون فترة السحور في رمضان منفردين مع فرقهم الإنشادية قبل أن يشكلوا معاً "رابطة المنشدين" في عام /1974/، والتي تولت فيما بعد إحياء هذه الفترة الرمضانية في "جامع الأموي"، وتولت أيضاً إحياء الاحتفالات الدينية الرسمية التي تقيمها "وزارة الأوقاف"، وأضاف "داوود": «كانت الأناشيد التي تردد في هذه الفترة تراعي دخول هذا الشهر الفضيل، وتراعي كذلك وداعه، وإلى اليوم نردد هذه الأناشيد؛ فمثلاً ننشد قصيدة بمناسبة قدوم الشهر مطلعها (يا فرحتي بلقاك بعد زمان...وتشوقي وجداً وطول حناني)، و قصيدة تبدأ (روح فؤادك قد أتى رمضان...فيه الهدى والبر والإحسان)، أما في الليالي العشر الأخيرة من رمضان فننشد قصيدة معروفة تبدأ (فَـودعوهُ وقولوا لـه يـا شهرنا)، وقصيدة مطلعها (رمضان تجلى وابتسم...طوبى للعبد إذا اغتنم).

وتجدر الإشارة في هذه المناسبة أن المنشد "توفيق المنجد" قام بإحياء فترة السحور في أحد السنوات لمدة /30/ ليلة- أي شهر رمضان كاملاً- وكان ذلك في أوائل الستينات من القرن الماضي».

صورة قديمة لرابطة المنشدين، ويظهر فيها؛ "المنجد"؛ "داوود"

كثير من العائلات الدمشقية اعتادت الاستماع إلى "إذاعة دمشق" خلال فترة السحور، وتنظم وقتها بناء على هذه التغطية الإذاعية، وعن هذا حدثتنا السيدة "رجاء الأيوبي" بقولها: «أبدأ تحضير وجبة السحور قبل آذان الفجر بساعة، أي عندما يبدأ القارئ بقراءة القرآن للمرة الأولى، وعند بداية الإنشاد أبدأ بإيقاظ زوجي وأبنائي حيث نبدأ بتناول وجبة السحور ونحن نستمع للمنشدين وهم يرددون الأناشيد الدينية -أي لمدة نصف ساعة تقريباً-، وعندما يأذن "أذان الإمساك" نتوقف عن الطعام والشراب، وبهذا نكون قد أنتهينا من تجهيز أنفسنا للصيام.

لقد اعتدنا على ذلك، وكم كانت فكرة جميلة وموفقة؛ أن تنقل "القناة الأولى" في "التلفزيون السوري"، وقائع فترة الإسحار على الهواء مباشرة، فقد زادت هذه التغطية الرابطة التي تجمعنا بـ"الجامع الأموي"، وعززت من مكانته في قلوبنا».

السيد "منير عقلة" يؤذن "آذان الإمساك"

عدد آخر من المواطنين يفضل أن يحضر هذه الفترة في "الجامع الأموي" نفسه، ليكون في قلب الحدث، السيد "إبراهيم القدسي" أحد سكان "حي العمارة" القريب من "الجامع الأموي" وأحد الحضور الدائمين "للجامع الأموي" في فترة السحور خلال "شهر رمضان"، يقول: «وجودي اليومي هنا لأمرين، أولهما أني قريب من المسجد، والصلاة تقام فوراً بعد إحياء فترة السحور، لذا أحرص على تناول وجبة السحور في المنزل والحضور فوراً إلى "الجامع الأموي" لألحق بـ"صلاة الفجر"، والأمر الآخر أن المنشدين يرددون كل ليلة مجموعة من الأناشيد المميزة، والتي تركز على "شهر الصيام"، والحقيقة أني أدوام هنا منذ /7/ سنوات، أي قبل بداية النقل التلفزيوني "لفترة السحور" بسنوات قليلة، حيث أن بداية النقل التلفزيوني لهذه الفترة بدأ منذ عام /2006/».

المخرج الإذاعي "مازن لطفي" ختم حديثه بذكر أشهر المذعين الذي استلموا هذه الفترة، حيث قال: «عند بداية التغطية الإذاعية لفترة السحور في أواخر خمسينيات القرن الماضي، عرف المذيع "توفيق حسن"، والمذيع "فؤاد شحادة" اللذان تعاقبا على تقديم هذه الفترة، والآن نجد أن أصواتاً مميزة أخرى، كالمذيع "علاء الدين الأيوبي"، والمذيع "محمود الشيخ" وغيرهما».