قرية سورية متواضعة بمساحتها وعدد سكانها، إلا أنها عظيمة، عريقة بتكوينها الطبيعي وتشكيلها البشري، "معلولا" عالم من السحر والجمال تملئ القلب بهوائها العليل، والروح بمعالمها وأوابدها الشامخة.

موقع "eSyria" بتاريخ 8/9/2009 التقى الأستاذ "الياس أنطون نصر الله" أستاذ محاضر في كلية التربية بجامعة دمشق (سابقاً) ومن سكان البلدة،حيث اصطحبنا في جولة سياحية، وكانت أولى كلماته تعابير وصفت "معلولا" في عينيه: «جمال "معلولا" يتجلى في تلقائية عمارتها إذ يتضح أنه لم يتم وضع خطة لتنظيم بناء المدينة فجاءت منازلها كما شاءت لها نزوات المنحدرات الجبلية وتضاريسها، وهي ما تزال تحتفظ بغرف نحتت في الصخر وجعلت لها أبواب وسلالم».

جمال "معلولا" يتجلى في تلقائية عمارتها إذ يتضح أنه لم يتم وضع خطة لتنظيم بناء المدينة فجاءت منازلها كما شاءت لها نزوات المنحدرات الجبلية وتضاريسها، وهي ما تزال تحتفظ بغرف نحتت في الصخر وجعلت لها أبواب وسلالم

يتابع "الياس": «لم نسمع بآبدة أثارت اهتمام الناس باختلاف اتجاهاتهم ومنشأهم على الصعيدين الوطني والعالمي كما كان لـ "معلولا"، تلك القرية المضطجعة في لحف "جبل العسل أو الحلو"، الصغيرة بامتدادها الجغرافي وعدد سكانها، الكبيرة بسمعتها التي جالت الآفاق في عالم الأمس، كما في عالم اليوم، حيث كانت وما زالت "معلولا" ليس مصدر إلهام فحسب، بل ومصدر دهشة، إثارة، استغراب وتساؤل».

الياس أنطون نصر الله

نسمع كثيراً عن "معلولا" أن أسمها يعني المكان المرتفع ذو الهواء العليل حسب اللغة "السريانية"، هنا يسرد لنا الأستاذ "الياس" عن أصل التسمية وتاريخها بتفاصيل أكثر ومراجع عدة فيقول: «تعددت أسماء هذه البلدة خلال التاريخ، وتعددت التفسيرات والآراء حول ذلك، من بين الذين اهتموا بهذا الموضوع نجد من كتب مستنداً إلى دراسة رصينة وموضوعية للتاريخ، موظفاً كل ما بين يديه من الوثائق الضرورية لكل باحث يبغي الحقيقة، لهذا اتفق الباحثون أحياناً واختلفوا في أحيان كثيرة، فمن مجمل الدراسات والأبحاث القديمة والحديثة نستطيع أن نقول أن اسم "معلولا" آرامي يعود إلى عصر ما قبل الميلاد وهو الأسم الوحيد الذي رافق هذه البلدة خلال تاريخها العريق».

مستشهداً ببعض الأبحاث يتابع "الياس" عن أصل تسمية "معلولا": «في إحدى الدراسات التي تعود للأب العلامة "يوسف نصر الله" ذُكر أن "معلولا" كما قال عنها "دوسو" هي "قلمونا"، ومما يؤكد لنا ذلك أنه في "معلولا" ظهرت وتطورت أساطير القديسة "تقلا" التي هجرت خطيبها وأهلها، من ثم اتجهت إلى "سلوقية" - نسبة إلى الملك "سلوقس"- وبذلت قصارى جهدها لهداية الناس إلى الدين "المسيحي" ثم ما لبثت أن انفردت في أحد الكهوف في جبل "القلمون" الذي يقع على بعد ميل واحد جنوبي مدينة "سلوقية" ويسمى كذلك جبل "روديون"، أما "معلولا" فكانت قديماً عاصمة المقاطعة المسماة "كليما ماغلولون" ومرت الأيام فتحولت كلمة "قلمونا" إلى "معلولا" يقال أن هذا التحول حصل في القرن الثالث أو الرابع عشر».

معلولا

من مصدر آخر يضيف: «أما الأب "باسيليوس عيسى" وهو ضليع وباحث في اللغة الآرامية والسريانية من القرن التاسع عشر ذكر بأن كلمة "معلولا" مشتقة من فعل سرياني وهو "عليّ" ALAYA، مالايو، معالايو، المرتفعة، أي: رفع، علا، الارتفاع، العلو، المرتفع، المتعال، وترى في نسبة الرجل والمرأة إلى هذه البلدة يقولون في لغتهم "معلّي" مذكر مفرد أي معلولي، و"معلّين" جمعها، و"معلُّوي" مؤنث مفرد أي معلولية، و"معلّيان" جمعها أي معلوليات. ومما يؤيد هذين الإشتقاقين هو موقع البلدة فانه في محل مرتفع عما سواه من البلاد المجاورة من الجهة الشرقية والجنوبية والغربية».

تعتبر بلدة "معلولا" من أقدم البلدات التي ما تزال مأهولة بالسكان منذ تشييدها في الألف الأول قبل الميلاد على أيدي الآراميين: «دلالة على قدم "معلولا" نذكر أن اسمها قد جاء في إحدى الكتابات القديمة، حيث ذكرها "بطليموس" الكلودي" في جغرافيته ودعاها باليونانية "كليما ماغلول" والأصح "معلول فلمّا لم يكن في اللغة اليونانية حرف العين "ع" استخدم في لغته حرف "الغمّة" ولهذا فهي تلفظ بالعربية "مغلول" أو "معلول"، أما في عهد اليونانيين والرومانيين أطلق على "معلولا" اسم "سكوبيلوسا" أي الوعرة المحجرة، لوعورة مسالكها ووفرة الصخور فيها، وقد يكون ذلك اسماً لكل المقاطعة شمال- شرقي الشام الوعرة كثيرة الصخور والأحجار فأخذ اسم الجزء من الكل وأطلق على "معلولا" وحدها لشهرتها في مكانها».

معلولا

كمن يقدم دعوة مفتوحة لكل من لم يحظى بزيارة هذه القرية العريقة يضيف "الياس" موضحاً موقعها الجغرافي: «نظراً لأهمية "معلولا" السياحية على الصعيدين المحلي الوطني والعالمي، أصبحت مؤخراً ناحية تابعة لمنطقة القطيفة من محافظة "ريف دمشق"، حيث تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة دمشق على بعد حوالي /55/ كم منها في منطقة "القلمون" الاعلى من سلسلة "لبنان" الشرقية، وتقع عند فج صخري في سلسلة "القلمون" الغربية على بعد 15 كم من مدينة "القطيفة" باتجاه الشمال الشرقي».

يتابع الأستاذ "الياس أنطون نصر الله" مضيفاً تفاصيل أدق لجغرافية "معلولا" والطرق المؤدية إليها: «يمكن لقاصدها أن يصل إليها عن طريق دمشق "حلب" من مفرق "خان العروس" الذي يبعد عن مدينة "القطيفة" حوالي العشرة كيلومترات، سالكاً الطريق العريض باتجاه الغرب نحو سلسلة جبل "معلولا"، كما يمكن الوصول إليها من "صيدنايا" إضافة إلى الطريق الذي أقيم حديثاً ويربط "معلولا" بكل من "يبرود" و"النبك"».