يقع جامع الشيخ "محيي الدين ابن عربي" في منطقة "الصالحية" على سفح""قاسيون، بنيَ في القرن السادس عشر ويعتبر أول جامع عثماني في "دمشق".

يحدثنا الأستاذ "أياد الشيخ" من سكان منطقة "الشيخ محيي الدين":«نستيقظ كل صباح على سماع آذان الجامع لنشعر أننا مازلنا في "دمشق التاريخ" باعتبار أن جامع الشيخ "محيي الدين ابن عربي" هو أول مسجد تم بنائه من قِبل العثمانيين منذ حوالي ستة قرون».

نستيقظ كل صباح على سماع آذان الجامع لنشعر أننا مازلنا في "دمشق التاريخ" باعتبار أن جامع الشيخ "محيي الدين ابن عربي" هو أول مسجد تم بنائه من قِبل العثمانيين منذ حوالي ستة قرون

كما يتابع السيد "مصطفى الدقاق" من المصليين المواظبين في الجامع ومن سكان الحي نفسه:«إن الحكاية الشعبية تقول إن السلطان العثماني"سليم الأول" تبع بغلته البيضاء فدلته على مكان كان يعتقد أن الشيخ "ابن عربي" قد دفن فيه منذ 200 عام فالعثمانيون كانوا يقيمون احتراما كبيرا للشيخ المذكور لأن كتاباته كلها كانت قد وصلت إليهم وأثرت بهم لذلك أمر السلطان بتجديد المسجد القديم وبناء جامع جديد عنده».

ناعورة الجامع

زار موقع "eDamscous"جامع الشيخ "محيي الدين ابن عربي" في "دمشق" بتاريخ 9\1\2012 والتقى هناك السيد "نوار عبد الغني" مستشار توثيقي "لدمشق القديمة" وباحث في تاريخ أماكن العبادة الدمشقية في مؤسسة الصالحية للثقافة والتراث الدمشقي ليحدثنا عن الجامع قائلاً:«جاءت تسمية الجامع نسبة إلى اسم الشيخ "محي الدين ابن عربي" المتصوف الكبير الإمام "أبو بكر محي الدين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي" الأندلسي وجثمانه يقع في المنطقة حيث يتواجد مبنى ضريح الشيخ. يطلق على جامع الشيخ "محيي الدين" ثلاث تسميات الأولى "الجامع السليمي" نسبة إلى السلطان "سليم الأول" الذي أمر ببنائه، والثانية "جامع الخنكار" أي جامع السلطان، والثالثة "الجامع المحيوي" نسبة للشيخ "محيي الدين بن عربي" وكلها مازالت مستخدمة إلى هذا اليومي ويعتبر أول جامع عثماني تم بنائه"بدمشق" وقد أمر السلطان "سليم الأول" يوم دخل "دمشق" سنة 1518مببنائه حيث يقال أن السلطان "سليم" رأى الشيخ "محي الدين" في منامه وأمره الأخير ببناء جامع له فوق الضريح للمصليين وعندما سأله السلطان عن مكان قبره أجاب الشيخ اتبع بغلتك البيضاء وهي تدلك عليه. كان الجامع في الأصل بناء صغيرا فيه ضريح الشيخ "محي الدين"ومنبر ومحراب ومن ثم أسند السلطان "سليم"مهمة تصميم البناء الجديد للمهندس العثماني "شهاب الدين بن العطار"».

يتابع السيد "عبد الغني":« للجامع باب حجري كتب عليه "الحمد لله أمر بإنشاء هذا الجامع الشريف الإمام الأعظم ملك العرب والعجم خادم الحرمين الشريفين السلطان "سليم بن السلطان بايزيد" بإشارة "محمد بدرخان" خلد الله ملكه وسلطانه. كان ابتداء عمارته في التاسع من شوال سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة والفراغ منه في الرابع والعشرين من محرم سنة أربع وعشرين وتسعمائة" وهذا التاريخ الذي اعاد بنائه السلطان "سليم"، يتألف الجامع من صحن كبير مرصوف بالرخام المتعدد الألوان وفي سطه بركة مياه للوضوء تستجر مياهها بواسطة ناعورة قديمة من "نهر يزيد" أحد أفرع "نهر بردى"والناعورة هي الوحيدة الباقية حتى اليوم في "الصالحية" وهي من تصميم العالِم الفلكي "تقي الدين محمد بن معروف" وتتألف الناعورة من دولاب ضخم يدور بقوة جريان مياه "نهر يزيد" فيدير الدولاب مسنناً ضخماً من الخشب ويدير دولاباً آخر ربطت به سلسلة حديدية علقت بها دلاء يتم تعبئتها بالماء من النهر وتفرغ في حوض وتسير في قناة محمولة على جسر إلى خزان للمياه ومنه توزع إلى الجامع ومكان الوضوء وإلى "التكية السليمية" التي أنشئت إلى جانب الجامع في زمن السلطان "سليم الأول" لإطعام الفقراء».

ضريح الشيخ محيي الدين

يضيف السيد "عبد الغني":«في الجهة الغربية من الجامع رواق كبير يقوم على أربع قناطر عالية وإلى الجنوب الحرم الذي يقوم على خمس قناطر وأربعة أعمدةوفي شرقيه شباك آخر مطل على حديقة وله محراب خشبي عادي وسقف خشبي وجدران مزخرفة بالرخام الملون المنقوش كما نجد في الجدار الشمالي للحرم ثلاثة أبواب أوسطها هو الأكبرمبنية من الحجر أيضاً وفي الطرف الشرقي سلم لباب يؤدي إلى غرفة ضريح الشيخ "محيي الدين بن عربي"وحول القبريوجد شبكة فضية مزخرفة وإلى جانبه قبر ولديه "سعد الدين" و"عماد الدين"وإلى اليمين قبر "محمود سري باشا" صهر الخديوي "إسماعيل" حاكم مصر وقبر الأمير "عبد القادر الجزائري" المتوفى عام 1882م والذي نقلت رفاته فيما بعد إلى "الجزائر" ، وأيضا قبر الشيخ "محمد أمين خربطلي" ناظر الجامع الأسبق».

يضيف السيد "عبد الغني":«هناك أيضاً مئذنة جامع الشيخ "محيي الدين" التي تعتبر المئذنة الأولى للعهد العثماني في "دمشق" شيدها السلطان "سليم الأول" مع الجامع فوق ضريح الشيخ "محيي الدين" وهي تتميز بزخارف وتعتبر واحدة من أجمل المآذن في "دمشق". الكتب التاريخية الموثقة تثبت بأن الشيخ "محي الدين ابن عربي" هو "أبو بكر محمد بن علي الطائي الملقب محي الدين" من أحفاد "حاتم الطائي"، ولد في "مرسية" عام 560هـ انتقل بين الشرق والغرب والتقى مع ابن رشد مرتين توفي في 16 تشرين الثاني 1240 م عاش مع زوجته "مريم" وولداه "سعد الدين وعماد الدين"وألف أبن عربي 400 كتاب ورسالة، ويعتبر مؤلفه الأكبر "الفتوحات المكية" كما يروى قصة شهيرة عن الشيخ في سيرة حياته المدونة على جدران الضريح أنهم ينسبون وفاته إلى حادثة عرفت عن "الحلاج" وهي أن "ابن عربي" وقف أمام الناس وصاح بهم :"دينكم ديناركم ومعبودكم تحت قدمي هاتين"، حينها قتلوه وجاء بعدها العلماء وسألوا عن سبب القتل وطلبوا حفر الموقع الذي قال فيه "ابن عربي" ذلك القول فوجدوا جرتين مملوءتين بدنانير من ذهب فأنبوا القتلة وقالوا لهم كان يقصد المال الذي تتخذونه كمعبود لكم».

الجامع من الداخل

يذكر بأن الجامع تابع لوزارة الأوقاف السورية التي تهتم بأمورهوتقوم بترميمه من فترة إلى أخرى، ويذكر أيضاً بأن الرئيس"جمال عبد الناصر" قام بزيارة الجامع أيام الوحدة السورية المصرية، كما أن هناك سوق كبير على اسم الشيخ "محي الدين" في المنطقة نفسها يعود إلى الفترة التي تم بنائه فيها تماماً.