لن نضيف جديداً إذا قلنا: إن الزجاج قد عُرف عبر التاريخ مختلطاً بالصخور الطبيعية التي قذفت بها البراكين، وكان ذلك أول عهد معرفة الإنسان بهذه المادة،التي سميت آنذاك بـ (السبج)، وقد استخدمها رؤوساً لحرابه ورماحه.

وتعد مدينة دمشق من أشهر المدن في سورية والعالم ، التي برعت في صناعة الزجاج، ولا تزال هذه الصناعة

مهنة يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، ولئن اكتسبت مدينة دمشق شهرة عالمية بهذه الصناعة، فإن ذلك يعود إلى الفينيقيين الذين اخترعوها عام 2500 قبل الميلاد، وهم الذين سكنوا المنطقة، وعُرف عنهم شهرتهم بالصناعة والتجارة.

إبداع متوارث:

لن نتحدث هنا عن الزجاج المصنوع آلياً، فقد أصبح معروفاً في كل أصقاع الدنيا، وإنما سنشير إلى ذاك الزجاج المصنوع يدوياً، الذي أضفى عليه الإنسان السوري شيئاً من روحه، فأضحى جميلاً بديعاً يقول السيد (أبو محمد القزاز) صاحب محل في سوق المهن اليدوية، حيث يوجد معمل صناعة الزجاج اليدوي خلف محله مباشرة : طريقة الصنع التي كان يتبعها السوريون منذ ألفي سنة قبل الميلاد لم تزل متبعة من حيث المبدأ، في أحسن وأحدث مصانع الزجاج المنتجة للأواني ذات الأشكال الخاصة حتى الآن في أغلب أنحاء العالم، فما زلنا نعتمد الأمبوبة المعدنية التي يتراوح طولها بين (5-6)أقدام، المبتدئة بمبسم خشبي عازل للحرارة للنفخ فيه، وتنتهي الأمبوبة بعقدة يلفظ بها الزجاج المنصهر من الفرن، ونعمل على تحريكها دائرياً، والنفخ بها إلى أن تتشكل الآنية حسبما نريد.

دمشق والزجاج:

يتابع (القزاز) فيقول: دمشق هي عاصمة الزجاج المزخرف، بما تنتجه من تحف زجاجية محلاة، بقطع من الذهب الخالص، وبما أبدعته أيادي حرفيّها من روائع زخرفية، وبما احتفظت به متاحف العالم من آثارهم، فمن صناعة الأواني الزجاجية بطريقة النفخ، والتكييف اليدوي، إلى صناعتها بطريقة القالب إلى التلوين على الزجاج، والزجاج المعشق، والحفر على الزجاج وصناعة الفسيفساء الزجاجية.

ويؤكد (القزاز) أن تاريخ هذه الحرفة في دمشق يرجع إلى ما يزيد على أربعين قرناً، وما أدخله الحرفيون الدمشقيون من التحسينات والابتكارات، جعل سورية في العصر البيزنطي، وأثناء الخلافة الأموية البلد الرئيسي المصدر للزجاج في العالم، حيث اشتهرت الشام بمنتجاتها اليدوية، لما تمتاز به تلك المنتجات من طابع فني، ومن هنا باتت دمشق مقصداً للسياح وخبراء التحف من جميع أنحاء العالم.

تلوين الزجاج:

لكن كيف نلون الزجاج، يقول (أبو محمد) : إن ذلك يتم ذلك بإدخال الأكاسيد إلى خلطات الزجاج الملون، وكل نوع من الأكاسيد يستخدم للون محدد، فأكاسيد الكروم والنحاس والحديد تستخدم لإكساب الزجاج اللون الأخضر.

وأما اللون الأزرق فتستخدم له أكاسيد الكوبالت- النيكل- الحديد- النحاس الأسود، وتستخدم أكاسيد النحاس الأحمر لتلوين الزجاج باللون الأحمر، وللون البنفسجي نستخدم أوكسيد المنغنيز.

خطوات التصنيع:

ويلخص لنا ( القزاز) خطوات تصنيع الزجاج حيث تبدأ من إعداد الخامات الجيدة اللازمة، ثم الطحن الجيد للخامات كلٌ على حدة، فالخلط الجيد للخامات بنسب معينة، ومن ثم إضافة الأكاسيد اللازمة، وأخيراً وضع الخليط في أفران الصهر.

ولصناعة الزجاج عمليات متممة يقول( أبو محمد) : يتبع عملية التصنيع الأولى للزجاج عمليات أخرى مرافقة هي : القطع- الشطف (الجلخ) - الكي- والنقش.

بقي أن نشير إلى أن أنواع الزجاج كثيرة تصل إلى حوالي /2000/ نوع وفق المادة التي تخلط به، والمعاملة الحرارية التي يتعرض الزجاج لها.