تتميز المحافظات السورية بالعديد من الأطباق الشعبية التي تشكل جزءاً من الهوية التراثية لهذه المحافظات، وتختلف مظاهر الاستقبال للضيف بين منطقة وأخرى بحسب طقوس المنطقة، وفي "حوران" يستقبل أبناؤها ضيفهم بأفضل الأطباق والأكلات الشعبية، وأهمها أكلة "المليحي" "المنسف الحوراني" التي تعتبر من أقدم وأشهر الأكلات الشعبية والتقليدية التي يشتهر بها ريف "حوران".

موقع "eSyria" بحث مكانة "المليحي" أو ما يسمى "المنسف"، وأوقات تقديمه والتقى السيد "أيمن المحاميد" أحد سكان مدينة "درعا" فقال: «هذه الأكلة ما زالت تتوارثها الأجيال جيل بعد جيل كطعام يميز أهل المنطقة الذين يعرفون بالكرم والطيب، يتوالون على متابعة تقاليد تحضير هذه الأكلة بطرقها الأصيلة المتوارثة، حيث تكون الطبق والأكلة الشعبية الرئيسية التي تقدم للضيف القادم من خارج المحافظة تعبيراً عن الكرم ومعزة ومكانة الضيف لدى "المعزب"، تقدم بإشكال وبطريقتها التقليدية الخاصة، وحالياً ارتبطت هذه الأكلة بالأفراح والمناسبات المختلفة، ولا يروق للمواطنين إلا المواظبة على وجودها في كل مناسبة».

أمور عديدة وجديدة دخلت على أكلة المليحي الأكثر أهمية وشعبية بـ"حوران"، منها صغر حجم "السدر" أو الإناء الذي توضع فيه، والاعتماد على طيور الدجاج عوضاً عن لحم الغنم، وإضافة أنواع من المكسرات والزينة على المناسف، وانتهى استخدام الجميد ليحل مكانه اللبن العادي، ولم تعد هناك حاجة لاجتماع كم وعدد من النساء لتحضيره، وتحول البرغل إلى الرز العادي، حيث فقد المنسف أحد أهم مكوناته الرئيسية التي تداولتها الأجيال عبر الزمن

السيدة "عائشة الزعبي" تحدثت لموقع eDaraa عن طريقة تحضير المليحي وأهميته لدى الأسر الحورانية فقالت لنا: «"المليحي" أو المنسف الحوراني يتكون من "الجميد" الذي يتكون من اللبن ويصنع بعد تجفيفه على شكل دوائر صغيرة وبطريقة خاصة، حيث يتم طبخ "الجميد" على النار وتحريكه بشكل متواصل، حتى يغلي ولا يتم التوقف عن التحريك سوى عند الغليان، لكيلا يفرط الجميد. ثم يتم وضع اللحم في اللبن حتى ينضج ويستوي، من جهة أخرى نكون قد حضرنا البرغل وطبخناه، بعدها تأتي أهم مرحلة وهي "الدعك" حيث يتم دعك ومرس البرغل جيداً مع المليحي والسمن العربي الأصيل، بعدها نقوم بوضع البرغل في المنسف ووضع اللحم عليه، ويمكن إضافة الكبة الحورانية عليه، ويسكب المليحي السائل وهو "اللبن المطبوخ" فوقه».

المنسف الحوراني يجمع الاهل والاقارب

السيد "إبراهيم الشعابين" مدير دائرة التراث الشعبي بـ"درعا" قال لنا: «تعكس أكلة المليحي في "درعا" غنى المطبخ الحوراني وعراقته، حيث يعتمد بمكوناته على المواد المنتجة محلياً والتي تتميز بالتنوع بين المنتجات الحيوانية والنباتية، حيث فرضت طبيعة المنطقة على سكانها العديد من الأكلات المهمة والمتوارثة نتيجة اعتمادها على الإنتاج المحلي، ومكوناتها الرئيسية القمح القاسي بالإضافة لمنتجات الحيوانات المقتناة وأهمها الأغنام والأبقار، وتتألف أكلة المليحي بشكل رئيسي من البرغل واللحم والجميد "لبن مجفف" والسمن العربي الأصيل».

الباحث "أحمد الناجي المسالمة" حدثنا عن طريقة تحضير المليحي في المناسبات قديما ومنه الأفراح فقال: «كان سابقاً يحضر الأعراس يوم الجمعة على الغداء أو في العشاء يوم حنة العريس أعداد كبيرة، لذلك كانت تجتمع نساء القرية أو الأقارب لإعداد هذه الأكلة للأعداد الكبيرة الذين يأتون لحضور حفل الزفاف، فكان يوضع البرغل في إناء وقدور كبيرة توضع على النار في أماكن خاصة، ويوضع "الجميد" لتحضير المليحي في إناء آخر ويتم تحريك هذه القدور الكبيرة في "الكفكير" وهو"ملعقة كبيرة نحاسية"، يوضع بعده اللحم ليستوي على الجمر وبنار هادئة ثم يتم تحضير المناسف وبأعداد كبيرة لتقديمها للضيوف، ويتم سكب عليها المليحي والسمن العربي للدلالة على الكرم وشدة الترحيب بالضيوف».

السيدة عائشة الزعبي

بينما حدثتنا السيدة "سهيلة الحاج علي" عن التطورات والتغيرات التي طرأت على أكلة المليحي حديثاً فقالت: «أمور عديدة وجديدة دخلت على أكلة المليحي الأكثر أهمية وشعبية بـ"حوران"، منها صغر حجم "السدر" أو الإناء الذي توضع فيه، والاعتماد على طيور الدجاج عوضاً عن لحم الغنم، وإضافة أنواع من المكسرات والزينة على المناسف، وانتهى استخدام الجميد ليحل مكانه اللبن العادي، ولم تعد هناك حاجة لاجتماع كم وعدد من النساء لتحضيره، وتحول البرغل إلى الرز العادي، حيث فقد المنسف أحد أهم مكوناته الرئيسية التي تداولتها الأجيال عبر الزمن».

وقال "حسين عرار" مدير الثقافة في المحافظة: «يشكل المنسف الحوراني أو ما يسمى "المليحي" إرثاً اجتماعياً متوارثاً بين الأجيال، لكونه يحمل طابع الكرم والضيافة. يعتبر الأكلة الشعبية الرسمية الأولى التي لا تزال متجذرة تتداولها العائلات الحورانية وخصوصاً في المناسبات والولائم وحفلات الزفاف وفي حالات الوفاة، حيث كان يقدم في حلقات نحاسية أو من الألمنيوم وأصبح الآن نتيجة التطور يقدم في أواني كبيرة لها حلقتين أو أكثر لحملها بحسب اتساع حجمها، وتقام غالباً وجبة المليحي أيام العطل وخصوصاً يوم الجمعة، تجتمع عليه جميع أفراد الأسرة من آباء وأبناء وبنات وأحفاد».

المليحي والبرغل