لا تزال صناعة القهوة المرة حاضرة في "حوران" منذ زمن طويل، رغم ظهور العديد من أنواع الشراب المختلفة في وقتنا الحاضر، وهي متوارثة عن الأباء والأجداد، ولا يخلو أي بيت أو مضافة منها، ولتناولها عادات وآداب معينة لازالت محفورة في أذهان محبيها.

يقول السيد "محمد خيرالعامري" من أهالي مدينة "جاسم" لموقع "eDaraa": «تعد القهوة المرة في "درعا" الشراب المفضل الذي يقدم في المجالس والمضافات للضيف عند قدومه وقبل تناول الطعام وبعده، وقد يستغني "الحوراني" عن بعض أنواع الأطعمة والمشروبات، لكنه لا يستغني عن شرب القهوة المرة يومياً.

يقدم فنجان القهوة للضيف أوللزائرباليد اليمنى، لأن اليمنى مقصود بها اليُمن، ويتناول الضيف القهوة بيده اليمنى أيضاً، ويشرب ثلاثة فناجين متتابعة، وبعدها يهز الضيف الفنجان بيده دلاله على أخذ كفايته، ثم يقول للمعزب "تفضل، دايمة"، وعلى المعزب أن يبدأ بصب القهوة من اليمين، إلا إذا وجدت حالة استثنائية فيبدأ بالضيف أوالشخصية الكبيرة أينما كان مطرحه في الديوان، ثم يتابع من اليمين كالعادة

في الوقت الذي يحرص فيه على أن تكون القهوة صافية مبرأة من كل ما يشوبها ويعبيها وينقص من قيمتها، لأنها تقوم مقام النديم وتبعث في النفس الفرح والأنس وتجلي الهموم وتزيل كوابيس الغم».

السيد محمد خير العامري

وحول القهوة المرة ومواصفاتها تحدث السيد "تيسيرالفقيه" باحث في قضايا التراث الحوراني بتاريخ 9/3/2011 لموقع "eDaraa" قائلاً: «تعتبر صناعة القهوة المرة من العادات العربية الأصلية التي ترمزإلى الكرم وحسن الضيافة والخيروالمحبة، في الوقت الذي تحمل طريقة تقديمها وتناولها الكثير من المعاني والدلالات لدى أهل "حوران، ولا تكون القهوة جيدة مالم تكن لها خميرة، ومحمصة تحميصاً جيدا،ً وماؤها عذب ونظيف، وقد تتوقف جودة القهوة المرة على جودة الماء قبل كل شئ.

ومن متمماتها ولوازمها "الهيل أوالهال فهو كالملح للطعام، والزعفران والعنبروالشمطري وجوزة الطيب وهي نباتات طيبة الرائحة والطعم».

تيسير الفقيه

وفيما يتعلق بآداب تقديمها قال "الفقيه": «يقدم فنجان القهوة للضيف أوللزائرباليد اليمنى، لأن اليمنى مقصود بها اليُمن، ويتناول الضيف القهوة بيده اليمنى أيضاً، ويشرب ثلاثة فناجين متتابعة، وبعدها يهز الضيف الفنجان بيده دلاله على أخذ كفايته، ثم يقول للمعزب "تفضل، دايمة"، وعلى المعزب أن يبدأ بصب القهوة من اليمين، إلا إذا وجدت حالة استثنائية فيبدأ بالضيف أوالشخصية الكبيرة أينما كان مطرحه في الديوان، ثم يتابع من اليمين كالعادة ».

وعن تناول التراث الحوراني للقهوة المرة ذكر"الفقيه": «نظراً لأهمية القهوة المرة في حياة المجتمع الحوراني، فقد تم الإشارة إليها في العديد من الأمثال الشعبية أبرزها المثل العامي القائل "صب القهوة من اليمين ولو كان أبو زيد على الشمال"، و"الفنجان الأول هيف والثاني كيف والثالث تحية للضيف"، و"أول القهوة خص وثانيها قص". وفي مجال الشعريندرألا يقول شاعرشعبي في "حوران"عن القهوة قصيدة، بإعتبارها رفيقتهم ومعشوقتهم، يقول الشاعر"عبد المجيد النصيرات" في القهوة المرة:

دلة قهوة مرة

يا ما حلا الفنجان مع طلعةْ الشمسْ/ ويجلي عن النفس الشجيةْ كدرها

مثل الهنوفْ اللي ما طالها اللمسْ/ يجمدْ على الصيني ْ وناهي ْ حمرها

يا مساويَ الفنجان بالك من الهدسْ/ لا صارْ ما انت منشدٍ عن خسرها

حنا علينا جلب بنها اليا خسْ/ وأنت عليكْ تقلطهْ ع جمرها

بدلال صفرٍ والمقاضبْ لهن طسْ/ يشدنْ عنودَ الريمْ عند امنغرها».

وفيما يخص طريقة تحضيرها وتقديمها قال السيد "أحمد الحلقي" صاحب مضافة: «بعد تحميس القهوة ودقها، يتم تحضيرالدلال والماء والخميرة، ويوضع سائل القهوة في "الدلة" حتى يغلي بشكل جيد، ثم يفرغ إلى دلة أخرى بعد أن يتم تصفيته حتى يصل إلى المصب، وهنا يضاف إليها البهاروغيره من لوزام، لتصبح القهوة جاهزة للشرب.

وعلى المعزب صاحب "المضافة" أن يشرب الفنجان الأول على مرأى من الحاضرين، وهذا دليل على سلامة القهوة ، ثم يصب الفنجان الأول للضيف، ويبدأ بالحاضرين من اليمين دون تمييزعلى أن لا تتجاوز الكمية في الفنجان بضعة نقاط، وفي حال امتنع الضيف أو الزائر عن تناول القهوة فمعنى ذلك أن له حاجة ولا يشربها الإ إذا أخذ وعداً بقضائها، أماالامتناع عن شرب القهوة بلا سبب فهذا نذير شر».

وحول أدواتها يقول السيد "يوسف مسلم" من أهالي مدينة "نوى": «إن أدوات القهوة المرة كلها تراثية لم تدخل عليها الآلة والتطورات التقنية وهي: النحر "الجرن" ويصنع من شجر البطم ويزخرف بالمساميرالنخاسية، يبلغ طوله من /50- 60سم/، وقطره من / 20- 30 سم/، وفي وسطه تجويف يتسع إلى نصف كيلو غرام من القهوة، وهذا التجويف واسع.

والمهباج وهو عبارة عن عصا الجرن أو يد الجرن، وهي مصنعة تصنيعاً فنياً، ولا تستعمل الإ لسحق القهوة في الجرن، وعند الدق تخرج نغمات ورنات مختلفة وشجية ومطربة، ويسمى هذا "النقرسة" وسماع النقرسة أمر يطرب الحي كله.

والدلال وهي أباريق القهوة ومصنوعة من النحاس الأبيض أو الأصفر وعددها النظامي ستة أباريق، والمحماس وهو وعاء مقورمن الحديد له يد طويلة وتتحمل النارالشديدة وتحمس "تقلى" فيها القهوة حتى تصبح حوراء – سوداء.

والمبردة ومصنوعة من الحديد بشكل فني طولها /70سم/، ووظيفتها حمس وتحميص حبات القهوة، والمطنة وهي يد المحماس، والمصفاة عبارة عن قطعة معدنية كبيرة ذات ثقوب صغيرة وضيقة، ويصفى السائل بواسطتها ليتخلص من القشور والبقايا المسماه "الحثل"، وأخيراً الفنجان وهو وعاء مصنوع من الخزف الصيني أو من الطين المشوي».