أهل الكرم أولئك الذين بذلوا الغالي والنفيس لإسعاد وإسعاف الفقراء والمحتاجين، والطارقين والوافدين، وما زادهم هذا إلا بذلاً وسخاءً وكرماً حتى صح فيهم قول القائل: "تراه إذا ما جئته متهللاً/ كأنك تعطيه الذي أنت سائله".

إنهم أجواد العرب ومنهم على سبيل الاستهداء بذكره وصريح نعته، الشيخ "أبو الهيال" الذي وصل صيت كرمه وجوده إلى أغلب البلدان العربية.

عندنا في "الحسكة" يسمون الكريم والذي يدعو أصدقاءه وأقاربه إلى وليمة بـ"أبو الهيال" تيمناً بكرم وجود هذا الرجل الذي اصبح عنواناً للكرم في كل مكان، واورث هذه الصفة لأبنائه وأحفاده، حتى بات يطلق على "البوليل" ارض الخير وأهل الكرم، ومن أحفاده الذين مازالوا يسيرون على خطا جدهم نذكر منهم العارفة "فرهود الهيال" والشيخ "شهوان الهيال"، وإخوتهم وأبناءهم

ولتسليط الضوء على هذا الرجل النبيل التق eSyria حفيده المهندس "مطشر فرهود الهيال" ابن العارفة المشهور "فرهود الهيال" والذي تحدث عن حياة جده قائلاً: «ولد الشيخ موسى الصالح الملقب "أبو الهيال" عام 1863 م وعاش عمراً يناهز 93 عاما قضاه بالبر والتقوى وإيواء المساكين والبائسين، وإطعام الأيتام، وتوفي في نهاية عام 1956، لقب بـ"أبو الهيال" لكرمه العظيم حيث كان يهيل ويجزل الطعام ولا يرد سائلا أو محتاجاً وبيته مشرعاً دائما للضيوف والمستطرقين.

وكان رحمه الله جميل المحيا يرحب بالقادمين إليه دون تمييز بين غني وفقير، ولا يسمح لأحد بمغادرة مضيفه "مكان الضيافة" قبل أن يقدم له الطعام خاصة في سني الجوع حيث قيل فيه "يا مطعم الجوعان واللقمة ذهب".

نشأ موسى "أبو الهيال" وترعرع في بيت ميسور الحال وكان مصدر رزقهم الزراعة وتربية المواشي من غنم وإبل وهذه صنعة أجداده، حيث إنه وعشيرته "البوليل" ينحدرون أصلا من قبيلة شمر من عبدة من قبيلة العلي في حائل وقد هاجر جده الأكبر "محمد البشر العلي" من حائل متجهاً إلى العراق ثم سورية حتى استقر بهم الحال في قرية القطعة حوالي 30 كم شرق "دير الزور" على ضفاف الفرات.

كان والد "موسى أبو الهيال" "صالح الحسن" فارساً شجاعاً ويشهد له من عاصره من أبناء البوليل والعكيدات بذلك، وقد ورث "موسى" هذه الصفة من والده علاوة على الكرم والمروءة وكان العرب يعتبرون الكريم من أشجع الشجعان وأغلبهم يفاخرون بالكرم ويعتبرونه من أنبل الصفات الإنسانية، و"أبو الهيال" كريم بالفطرة ومنذ طفولته كان يدعو أقرانه إلى بيت أهله ويكرمهم.

لقد ذاع صيت "أبو الهيال" في الحاضرة والبادية وأصبح مضرب مثل للكرم عند الناس وذروة كرمه في سني الجوع إبان الحرب العالمية الأولى والتي دارت رحاها بين الحلفاء والعثمانيين وهذه السنين كانت بين 1914 الى 1918 وكانت أشد السنوات وطأة وجوعاً هي سنة 1916 بسبب محاصرة السفن الفرنسية والانكليزية شواطئ فلسطين ولبنان وسورية ومنعت دخول المؤن والمواد فانعكس هذا الحصار على شعوب تلك الدول، وباتوا يأكلون حتى ديدان وحشرات الأرض، ويروي لنا أجدادنا والذين عاصروا الشيخ "أبو الهيال" وفي سنة الجوع أنه ذهب إلى "الظهرة "أي"بادية الشامية" ومعه حوالي سبعين رأس من الغنم وبعض الخيل والجمال وكان ذلك في بداية فصل الشتاء، ولكن تلك السنة كانت محلاً وقحطاً وجوعاً، ويقول كان في ربعة "أبو الهيال" طوال تلك الشتوية أكثر من مئة فقير مقيمين بشكل دائم عدا عائلته والرعاة والضيوف التي ترتاده بشكل يومي، وكان يخصص جملين لجلب الطحين من الزور بشكل دائم، وكان يعمل لهؤلاء وجبة رئيسية باليوم حتى يكفيهم القوت القليل وكان يصنع لهم الطعام من الكرصة أو ما شابه، وفي آخر الشتاء لم يبق لدى "أبو الهيال" أي شيء من حلاله ولم يبق إلا بيت الشعر، حينها قرر النزول إلى الزور وأمر أهله بحزم الأمتعة مساء حتى ينزلوا إلى الزور في الصباح الباكر، ولكن فوجئوا بضيوف وقت العشاء قادمين جياع إلى "أبو الهيال" ومعهم نساء وأطفال يتضورون جوعا وعددهم يزيد على الأربعين شخصاً، عندها ضاقت الدنيا على "أبو الهيال" فهو لم يعد يملك أي شيء يقدمه لهم، فأخذ يتجول حول البيت ويدعو ربه أن يفكه من تلك المحنة، وفوجئ الجميع بـ"أبو الهيال" ومعه حوالي عشرين عنزا يسوقها وأمر أولاده والحاضرين بذبح عشرة منها وإطعام الضيوف وإلى اليوم لم يعرف أحد من أين أتت تلك الماعز والكل يقول إنها رسالة إلهية لكريم ممن هو أكرم من الجميع.

أما بقية الماعز فبقيت عنده حتى بعد وفاته وكانت لا تلد إلا ثلاثة.

يقول أحد شعراء "بريدة" في المملكة العربية السعودية في "أبو الهيال":

"سـموك "أبو الهيال" مـن هـيـل يمنـاك/ وألا أنت بـيّـن من هـذيج الحمايل

لي شح كـوت الـناس يـرجون حسناك/ يـامـا عـطـيت عـداك كـُبٍ أصــايـل

حــظــك جـبـيـر وبالـمخــاليـج جــداّك/ شــيـخٍ عــديـل ووافــيٍ بالـفـعـايــل

علمك تعدى من ورى الجوف وسكاك/ مـر العـواجـي بـراس بيـضا نفــايل".

ويقول آخر بعد وفاته رحمه الله:

"ينـعونــك البـوليــل لســـنين أطوال / وإنـت ذراهم بالـيمين الســخية

واشعـلمهم يا نـاس يـوم الغـلا صــار / إباني المسوبع بالفجاج الخلية".

وقد حمل معه هذا العبء الكبير ابنه الأكبر المرحوم الشيخ "صالح الموسى" الذي كان عونا لوالده، وامتاز بالإضافة للكرم بالذكاء والفطنة والأخلاق الحميدة والصدق والأمانة، وقد أوكل إليه والده بحمل أعباء وهموم عشيرته وحل خلافاتهم، وقد كسب ثقتهم به حتى أصبحوا يقبلون منه كل ما يطلب منهم دون تردد، ولا يزال أبناؤه وأحفاده يحافظون على هذا العمل النبيل».

وأضاف "مطشر" بالقول: «وبزمن الدولة العثمانية وبآخر عهدها قامت بشنق كل شيخ عشيرة يرفض أوامرها ومن الذين أمر بشنقهم الشيخ "أبو الهيال"، حيث قام مجموعة من الجنود الأتراك ومعهم ضابط تركي ومترجم من مدينة "دير الزور" بنصب مشنقة ميدانية لشنق الشيخ "أبو الهيال" وذلك لرفضه وجود المستعمر وعدم خضوعه لأوامرهم، وعندما اقتادوه إلى منصة المشنقة بحضور أبناء عشيرة "البوليل" وثب "رجب الموح" وثبة الأسد شاهراً سيفه ومعه "خليف الحمد الحسن"، وضرب "رجب الموح حبال" المشنقة وقطعها وهجم بعدها كل أبناء عشيرة البوليل الموجودين وهم يهوسون، بعدها انسحبت الحملة هاربة، وهكذا سجل "الضياغم" موقفاً مشرفاً في النضال ضد المستعمر وفكوا شيخهم من الشنق».

وللحديث بقية مع "محمد العساف" من أهالي قرية "كباجب" في بادية "دير الزور" والذي تحدث عن الشيخ "أبو الهيال" قائلاً: «"أبو الهيال" معروف بكرمه وشجاعته فهو معروف على مستوى العشائر الموجودة في سورية ودول الخليج والأردن، وسمعت عنه قصة أن "أبو الهيال" يحب الصيد كثيراً وكان يذهب معه أصدقاؤه من البوليل، ويذكر انه كان ماهراً في الصيد حتى انه كان يصيد بكثرة ولكنه لا يجلب شيئاً معه إلى البيت وعند سؤالهم لرفاقه الم يصطد شيئاً "أبو الهيال"؟ كانت الإجابة نعم اصطاد كثيراً ولكنه وزع الصيد على المحتاجين في الطريق».

كما تحدث السيد "علي الفرحان" من أهالي "الحسكة" حيث قال: «عندنا في "الحسكة" يسمون الكريم والذي يدعو أصدقاءه وأقاربه إلى وليمة بـ"أبو الهيال" تيمناً بكرم وجود هذا الرجل الذي اصبح عنواناً للكرم في كل مكان، واورث هذه الصفة لأبنائه وأحفاده، حتى بات يطلق على "البوليل" ارض الخير وأهل الكرم، ومن أحفاده الذين مازالوا يسيرون على خطا جدهم نذكر منهم العارفة "فرهود الهيال" والشيخ "شهوان الهيال"، وإخوتهم وأبناءهم».

ويروي السيد "عبد الله الحسن" وهو من القرى المقابلة لقرية "أبو الهيال" في الجهة المقابلة لنهر الفرات حيث قال: «على ذكر الشيخ "أبو الهيال" فهو غني عن التعريف ومناقبه وهذه القصة بالكامل قل من لا يسمع بها، أنا الآن تحضرني قصة لشخص كان يخطب فتاة ولكن قلة ذات اليد أعسرته عن دفع المهر، والظفر بها فتقدم لخطبتها شخص ثان وهؤلاء كانوا في الجهة الثانية من نهر الفرات فجلس على شط النهر وقال بيت شعر سمعه "أبو الهيال" حيث كان من الجهة الثانية قرب النهر، وهذا البيت لا أتذكر منه الآن سوى الشطر الأول "اشكي هموم القلب لله ومن ثم لأبو الهيال"، فسأله "أبو الهيال" عن قضيته فلما عرفها عبر النهر وذهب إلى أهلها ودفع المهر وزوجوه، فهذه إحدى مناقب "أبو الهيال" رحمه الله».