لا يزال سكان منطقة "البوكمال" مُفتخرين ومحافظين على لباسهم التقليدي والموروث عن أجدادهم منذ سنواتٍ بعيدة؛ "الكلابية" أو كما يحب البعض أن يسميها "الدشداشة" زيٌّ فرض نفسه بقوة على أبناء المنطقة واستطاع حتى الآن الصمود أمام الألبسة العصرية التي غزتْ الأسواق واستحوذت إعجاب الكثير من الأجيال المتعاقبة.

وعلى الرغم من تضاؤل عدد الأشخاص الذين يرتدون هذا الزي عاماً بعد عام؛ إلا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عنه بشكلٍ كلي. لكن هل سيستمر هذا الزي في الصمود أمام موجات الموضة المختلفة؟ وما سبب تشبث الناس به؟ وكيف يُصنع؛ وما مصدر الأقمشة المصنوع منها؟ أسئلةٌ كثيرة عثرنا على أجوبةٍ لها بتاريخ 28/1/2010م خلال لقاءاتٍ متعددة أجريناها مع أشخاصٍ مختلفين ديموغرافياً.

بضعة أمتار من القماش ويحصل الزبون على "كلابية" جاهزة للارتداء

الحاج "بشير محمد صالح" من سكان الريف وهو رجلٌ في العقد السادس من العمر؛ تحدّث قائلاً: «منذ طفولتي وحتى هذا اليوم لم ارتد سوى "الدشداشة" وحتى أبنائي أيضاً هم مثلي على الرغم من الاختلاف في مستوى السن، ومع أن الكثير من الرجال الذين يصغرونني سناً بدؤوا بارتداء الألبسة الفرنجية (البنطال والجاكيت أو القميص) إلا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن "الدشداشة"، لكن جيل الشباب القاطن في المدينة والذي تجاوز العشرين عاماً بدأ بمواكبة موضة العصر نتيجةً لاحتكاكهم بأبناء جيلهم ممن يقطنون خارج المنطقة وذلك أثناء الدراسة أو حتى خلال الخدمة الإلزامية؛ ويبدو أن للقنوات الفضائية دوراً كبيراً في ازدياد تعلّق هؤلاء الشباب بمثل هذه الموضة».

السيد "همام الدبس" صاحب محل لبيع "الكلابيات"

السيد "حسان عيسى" موظفٌ في دائرة حكومية التقيناه في أحد المحلات التي تبيع الأطقم الرجالية؛ ولدى سؤالنا له أجاب قائلاً: «طبيعة عملي كموظف تفرض عليّ ارتداء لباسٍ رسمي أوقات الدوام، فالمظهر الخارجي ضروريٌ ويعكس شخصية الإنسان في الكثير من الأحيان، أما بعد عودتي إلى المنزل فلا بديل من ارتداء "الكلابية"؛ لأنها مريحة جداً خلال فترة القيلولة. وبرأيي لا يمكن للإنسان أن يستغني عن شيءٍ ما وقد نشأ معه منذ الصغر، وهذا الأمر ربما ينطبق على لباسنا التراثي في "البوكمال" والذي سيستمر عبر الأجيال».

الشاب "ياسر خليل" طالبٌ في الثانوية العامة، قال: «لا أذكر أنني ارتديت "الكلابية" يوماً ما، فهي لا تناسبني ولا أحب ارتداءها ثم إنني تأقلمتُ مع اللباس العصري الخاص بالشباب، فمعظم أوقاتي أقضيها خارج البيت؛ من المدرسة إلى الدورات الخصوصية ومنها إلى دورة أخرى وكل هذه الجولات يحتم عليّ أن أبدو في أحسن مظهر، ثم إن ارتداء "الكلابية" لا تناسب إلا من تجاوز أربعين عاماً».

الخياط "سلمان عثمان"

أبناء الريف هم الأكثر تعلقاً بـ"الدشداشة"

وخلال جولتنا في سوق التجار التقينا السيد "همام الدبس" صاحب محل لبيع الكلابيات الرجالية؛ الذي تحدث قائلاُ: «معظم المبيعات التي أحقّقها هي بفضل سكان ريف "البوكمال" لأنهم الأكثر تعلقاً بهذا الزي الأصيل، أما بالنسبة لسكان المدينة فقد بدأ عددهم يتضاءل بعض الشيء قياساً إلى فترة التسعينيات؛ وهذا لم يأت إلا بعد التطور الملحوظ في مختلف نواحي الحياة، وسيأتي يوم نادراً ما نرى فيه شخصاً من مدينة "البوكمال" يرتدي "الكلابية"، وما نراه الآن من انتشارٍ كبير للألبسة العصرية إلا إرهاصات تدل على تراجع دوره، ومع ذلك يبقى هذا الزي حاضراً في أيامٍ محددة كيوم الجمعة مثلاً، بعكس سكان الريف الذين يلبسونه في جميع الأوقات والأيام ولن يستغنوا عن زيّهم الموروث بسهولة».

للكلابية ألوان وموديلات مختلفة

لـ"الدشداشة" موضات وأذواق مختلفة

«بضعة أمتار من القماش ويحصل الزبون على "كلابية" جاهزة للارتداء»، هذا ما قاله الخياط "سلمان عثمان" عندما التقينا به في محله الخاص بخياطة "الكلابيات" الرجالية؛ والذي أضاف قائلاً: «أعمل في مهنة الخياطة منذ أكثر من عشرين عاماً وهي مهنة جيدة جداً في منطقة "البوكمال" إذا نظرنا إليها من الناحية المادية؛ لأن الزي المعتمد ارتداؤه عند معظم أبنائها هي "الكلابيات" هذا من ناحية؛ وقلة عدد الخياطين بالمقارنة مع عدد السكان من ناحية أخرى، لكن بدأ إنتاجنا اليومي في خياطة "الكلابيات" يتقلص بنسبة 50% تقريباً قياساً إلى فترة التسعينيات؛ وذلك نتيجة ظهور ألبسة جديدة اعتمد عليها أبناء المدينة من مختلف الأجيال، ومع ذلك فمهما تخلى البعض عن ارتدائها ستبقى "الكلابية" الزي السائد في هذه المنطقة ولن تختفي وخاصةً لدى أبناء الريف الذين يعتبرون ارتداء البنطال والقميص أمراً غير مألوف لديهم ويعتبرونه تصرفاً مغايراً للعادات الموروثة».

وعن أنواع الأقمشة والموديلات السائدة في المنطقة؛ أجابنا قائلاً: «معظم الأقمشة مستوردة من "الصين" و"الهند" وهي أفضل الأقمشة الموجودة، وكل زبون يختار نوع القماش والموديل الذي يرغبه؛ فهناك الموديل الكويتي؛ الحجازي؛ والحلبي. وكل منها يختلف عن الآخر من حيث الياقة؛ الجيوب؛ وبرواظ الصدر. ومنذ خمسة سنوات تقريباً طرأ بعض التغيير عليها؛ فلم تعد كما في الماضي فضفاضةً وواسعة على البدن، بل أصبح الزبون يتفنن من خياله بإدخال بعض التعديلات لتصبح فيما بعد موديلاً جديداً؛ كتضييقها من منطقة الخصر والصدر لتبدو أكثر ضيقاً وتجسيماً للبدن وهو الموديل الشبابي السائد هذه الأيام».