احتلت النار جانباً مهماً في التراث الشعبي "الفراتي" وخصوصاً عند بدو الصحراء والأرياف، حيث يرونها فاكهة السمر الصحراوي، فالنار أثناء إيقادها تعطي نوعاً من الحركة للمكان، وشبتها تعتبر رمزاً للكرم والسخاء، كما أنها إشارة للترحيب بالضيوف والزوار.

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 29/12/2012 المعمر "يوسف الحمود" الذي تحدث عن النار واستخدامها في "الدير" بالقول: «كان البيت الذي يريد إيقاد النار تذهب ربة منزله إلى بيت تعرف أن فيه جمراً تأخذ معها "مقباس" (وعاء مملوء بالحطب الناعم سريع الاشتعال)، فإذا كانت النار مشتعلة اشعلت "المقباس"، وإذا كانت خامدة أبعدت الرماد بأصابع يدها والتقطت ثلاث جمرات وعادت إلى بيتها، وإذا لم يكن لديها حطب "للمقباس" تأخذ من بيتها قرص "جلة" وهي (كوم من روث الحيوانات بعد تجفيفها)، حيث تضع طرفه في نار البيت الذي ذهبت إليه حتى يشتعل وتعود به إلى بيتها».

السكان في ريف "دير الزور" وباديته بعد أن يشعلوا النار يحافظون عليها بتغطيتها بطبقة رقيقة من الرماد ويحيونها بإزالة الرماد عنها ويضعون عليها الحطب وينفخون بأفواههم حتى تضطرم

أضاف: «السكان في ريف "دير الزور" وباديته بعد أن يشعلوا النار يحافظون عليها بتغطيتها بطبقة رقيقة من الرماد ويحيونها بإزالة الرماد عنها ويضعون عليها الحطب وينفخون بأفواههم حتى تضطرم».

وأشار الباحث الدكتور "علي الشعيبي" إلى استخدام أهل البادية للنار إلى مدة قريبة قائلاً: «كان أهل البادية إذا أرادوا أن ينضجوا عجيناً أو يشووا لحماً وليس معهم أسياخ أشعلوا النار حتى إذا أجمرت وأزالوا الرماد من عليها وضعوا العجين أو اللحم على الجمر حتى إذا نضج رفعوه وأزالوا ما عليه من الرماد ويسمى الخبز الخارج من النار "مطيلة"».

يضيف: «منذ القدم والناس شركاء في الماء والكلأ والنار، وللجار على الجار حقوق مرعية، وفي بادية "دير الزور" ما زال الكثيرون يستعملون شجيرات البادية والدمن وحطب أشجار الفرات "كالحور" و"الغرب"، ومخلفات الزراعة وعيدان القطن والباذنجان والسمسم والقصب والشوك للطبخ والتدفئة وللحمام، ولا يزال أهل الريف يوقدون النار مباشرة على الأرض في بيت الشعر، أما في البساتين حيث يكثر البعوض خاصة عند المساء يوقد أصحاب البساتين الروث ليطرد دخانه البعوض عنهم».

ومن عادات أهل الريف والبادية للنار أشار الباحث "عامر النجم" بالقول: «في الريف والبادية يرحبون بالضيف وذلك بإيقاد النار إذا لم تكن مشتعلة وإذا كانت مشتعلة أذكوها، وذلك لصنع القهوة وتسخينها، كما صاروا يغلون الشاي عليها ويقدمونه بعد القهوة والطعام، وفي الشتاء اقتربوا من النار ليصطلوا مفترشين اللباد أو البساط، وتكون دلال القهوة العربية عند حافة النار ومقابل سناها، ومنظر سنا النار جميل خاصة في الشتاء».

وعن التقاليد المستحكمة في "دير الزور" ذكر "النجم" بالقول: «لا يزال أهل "الدير" وريفها يضعون مونة سنوية من جميع الحاجيات التي يحتاجها البيت ومنها الحطب وكان معظمه من شجر الغرب الذي ينبت على ضفاف الفرات، وكانوا يبيعون الحطب الرفيع بالحزمة وتسمى "شيلة"، أما الغليظ منه فيبيعونه "بالطوف" الذي يزن عدة أطنان.

حيث يشتري أهالي المدينة الدمن من البدو على جمالهم وكان يستعمل للطبخ والخبز والتدفئة، ويجلب البدو كذلك إلى المدينة "الشيح" و"النيتول" لبيعه، كما يحضر أهل الريف "الشوك" و"الحطب" وأعواد القطن ويستعمل للطبخ في الكانون وهو عبارة عن (ثلاث صخرات على شكل مثلث يوضع عليها القدور للطبخ)، وللخبز في التنور، حيث تقف النساء أمام نيران التنانير يخبزن خبز القمح الأشقر، وفي المساء تتراءى النيران من بعيد للمسافرين والمتجولين فيرون ناراً تتوقد فيتجهون إليها».

أما عن أسماء النار وأفعالها في عامية أهل "الفرات" فأشار الباحث المرحوم "عبد القادر عياش" في كتابه "النار في حياتنا ومعتقداتنا" قائلاً: «يستعمل أهل الفرات في عاميتهم أكثر أسماء النار وأفعالها الفصيحة ويستعملون ألفاظاً خاصة بعاميتهم من ذلك، "لبت النار" بمعنى ارتفع لهيبها، وهناك "علق النار" أي أشعلها ولعلها من العليق وهو شجر من الشوك، إضافة إلى "العطبة" وهي عبارة عن خرقة تؤخذ بها النار وتسمى عطابة، وكذلك "ساط النار" أي حركها فكأنه ألهبها بالسوط، والبدوي يقول لابنه ابهي النار أي حركها واجعل لها بهاء، "نارك يا فلان تعسعس" أي إن احتراقها بطيء، "دخانهم يعسجل" أي ليس له لهيب، "لجعته النار" (حرقته)، "شلوط الخبز" (احرقه)، "وج" (احترق)».