لطالما ارتبط "عمر الديري" بأذهان "الديريين" بروح الدعابة التي ميزت شعره، والتي تعكس رشاقة حسية في تناول مواضيع الحياة اليومية، وخصوصاً المؤلم منها.

eSyria التقى الباحث الأستاذ "علي الجاسم" فتكلم لنا حول حياة "عمر الديري" بالقول: «ولد الشاعر "عمر الديري" عام 1924 من سيدة كانت تعمل على إعالة أسرتها من خلال تعليم أولاد الحي القرآن الكريم، ومنها تعلم "عمر" القراءة والكتابة، وكانت أمه تسمى كما تسمى النساء اللواتي يدرسن القرآن الكريم "الخوجة" وكانت تتمتع بسمعة طيبة، انتقلت أمه إلى دمشق عندما بلغ سن السادسة من عمره فعاش "عمر" في حي الميدان بدمشق فلقبه أقرانه هناك "بعمر الديري" .

قوموا لنصلي ونركع/ بلكي "هالدان" بيقطع. فرنساوي خان بعهده/ حاربنا بطيارة ومدفع

عاش "عمر" طفولته في "دمشق"، وكان لإقامته فيها أثر كبير على طباعه وسلوكه، وربما يكون إتقانه اللهجة الدمشقية وحديثه بها أهم ما يفسر بعض المفردات التي تنتمي إلى اللهجة الدمشقية والتي توجد في قصائده وزجله، وفي عام 1942 عاد "عمر الديري" مع والدته إلى "دير الزور"».

الشاعر علي الجاسم

وحول أهم الأسباب التي ساعدت في بلورة تجربة "عمر الديري" تابع "الجاسم" قائلاً:

«إذا كان الأدب ينبع من المعاناة بالدرجة الأولى فإن الحياة التي عاشها هذا الشاعر وما عاناه من قسوة كبيرة عمقت إحساسه بالألم، وحين أضيف ذلك إلى حسه المرهف أعطت إبداعات شعرية لا يزال أهل الدير يرددونها، فهذا الشاعر عاين اليتم منذ نعومة أظفاره بسبب مغادرته وأمه لمدينة "دير الزور"، وكانت ظروف الحياة قاسية عليه في شبابه حيث كان قليل الحظ فيما يتعلق بمصادر الرزق، فعبر عن معاناته الإنسانية من خلال الأدب والشعر وكل ذلك بحس من الدعابة والتحفز الدائم لاصطياد المفارقات وتصوير المواقف التي تدعو على السخرية».

الباحث أحمد شوحان

وحول النمط من الشعر الذي كان يكتبه أضاف قائلاً:

«كان الشاعر "عمر الديري" شاعراً شعبياً وينظم بالدرجة الأولى شعر العتابا والزجل الشعبي، ولعل أهم الموضوعات التي تطرق إليها في شعره نابعة من صميم الحياة الاجتماعية، فقد تحدث مثلاً عن المهن التي عمل بها وهي كلها مهن بسيطة، فقد عمل سائساً للخيل في إحدى قرى محافظة "دير الزور" كما عمل حارساً ليلياً وساقياً للقهوة العربية».

وعن معاناته وسعيه في طلب الرزق يقول "عمر الديري": «درت بلاد أبوي ما درى بها/ وشفت عباد ما عندي دربها.

"دير الزور" باعدلي دربها/ كرامة لبنت عاصي والضنى. ويقصد ببنت "عاصي" زوجته، و"الضنى" بلهجة أهل "دير الزور" هم الأولاد».

وعلى الرغم من ظروفه المعيشية القاسية يعيش هموم الوطن وآلامه، وله حول ذلك الكثير من القصائد الزجلية منها القصيدة التي نظمها عام 1945 للشد من أزر الثوار بعد قصف الفرنسيين لمدينة "دير الزور" فقال "عمر الديري":

«قوموا لنصلي ونركع/ بلكي "هالدان" بيقطع. فرنساوي خان بعهده/ حاربنا بطيارة ومدفع». و"الدان": هو نوع من أنواع القنابل التي كانت تلقيها الطائرات الفرنسية على الناس أيام الاحتلال الفرنسي للمنطقة».

وعن أيامه الأخيرة أضاف الباحث "أحمد شوحان" قائلاً:

«غنى "عمر الديري" كثيراً ونظم كثيراً وفقد من زجله الكثير، ولكنه عندما شارف على الخمسين من عمره أعاد النظر في شعره فراح يبحث عن ديوانه الوحيد المسمى "شراع القصائد" ولو أتم نقله وقام بطبعه لكان للديوان مكانة لدى القراء.

وقد ترك نظم الشعر الشعبي والزجل في آخر أيامه لأسباب كثيرة منها أنه قد كبر ولم يعد ير ذلك يناسبه، ومنها قد تقرب إلى الله في آخر أيامه، وقد توفي رحمه الله في 20/11/1978».

كما التقينا بالناقد "ياسر الظاهر" الذي شرح لنا كيف استطاع "عمر الديري" أن يكتسب خصوصية أدبية بقوله:

«تميز شعر "عمر الديري" بأنه ذا طابع ساخر على مستوى الشكل العام للقصيدة، ولكن مضمون قصائده يتسم بالجدية وملامسته لهموم الواقع المعاش، مما يجعل شعره أحياناً ساخرا في شكله، مؤلما وحزينا في محتواه».